داعش يضرب غزة من جديد، هل يتعاون التنظيم المتطرف مع إسرائيل ضد حماس؟
صرخات ألم ودماء في غزة، ولكن الفاعل لم يكن إسرائيل، إذ وقعت عدة انفجارات في قطاع غزة المحاصَر، أسفرت عن مقتل ثلاثة وإصابة آخرين من الشرطة الفلسطينية في وقت متزامن، في حين أشارت أصابع الاتهام إلى جهات داخلية.
وأثارت الانفجارات التي وقعت فجر الأربعاء 28 أغسطس 2019 أجواء الذعر بين الفلسطينيين، في حين أفيد بأن القتلى الثلاثة: سلامة النديم، وائل خليفة، علاء الغرابلي، من عناصر المرور والنجدة.
وبعد أن توزعت الاتهامات على إسرائيل، عملاء، تكفيريين، أو السلطة الفلسطينية، من أجل زعزعة حكم حماس، فقد خرجت التحقيقات الأولية لتفيد بأن منفذي التفجيرات هم من أنصار داعش، ممن يعتبرون حماس كافرة مرتدة، وتجب محاربتها.
انفجارات في قطاع غزة.. والقاتل معروف
وضعت التفجيرات علامات استفهام حول مدى قدرة الأمن التابع لـ «حماس» على السيطرة على غزة، وكيف حدثت التفجيرات بوقت متزامن في ذروة استنفار حماس الأمني، رغم سيطرتها المُحكمة على القطاع.
مسئول في حماس، رفض الإفصاح عن هويته، قال لـ «موقع عربي بوست»، إن «التفجيرين نفذهما انتحاريان، ممن وصفهما بأصحاب الفكر المنحرف، الأول بتفجير دراجة نارية في حاجز للشرطة عند منطقة الدحدوح غرب غزة، أسفر عن شهيدين، والثاني انتحاري فجّر نفسه عند حاجز الشيخ عجلين أسفر عن شهيد ثالث، وإصابة 9 آخرين، بينهم طفلان وسيدة، وهي حوادث مرتبطة بتفجيرات سابقة شهدها قطاع غزة.
وأضاف أن «الأجهزة الأمنية تبذل جهوداً حثيثة لتعقُّب المتورطين في التفجيرات، واعتقلت عدداً منهم».
تطرح تفجيرات غزة أسئلة عمن لديه مصلحة بإحداث حالة من الفوضى الأمنية في القطاع، وكيف نجح المنفذون في تحضير عبوات ناسفة لتنفيذ عمليات انتحارية ضد مقار شرطية وأمنية، ولماذا لا توجه هذه العناصر عملياتها ضد إسرائيل، وما مدى قوتهم وانتشارهم، وهل بمقدور حماس احتواء آثارهم، ومصادرهم في السلاح، وما صحة فرضية تورط أجهزة دول حدودية بدعمهم لإضعاف حماس، وارتباط توقيت التفجيرات بانشغال حماس بالانخراط في التصعيد القائم بالمنطقة.
لماذا يكنُّ تنظيم داعش كل هذا العداء لـ «حماس»؟
وتكنُّ المجموعات التكفيرية عداء خاصاً لـ «حماس» حتى قبل ظهور داعش.
إذ تعتبر حماس من أوائل الجهات التي واجهت مخاطر التكفيريين منذ قضاء الحركة على مجموعة عبداللطيف موسى، الذي أعلن إنشاء إمارة مستقلة في مسجد ابن تيمية بالقطاع عام 2009، بعد أن كفَّرت جماعته التي كانت تدعى جند أنصار الله، حركة حماس.
والمفارقة في ذلك الوقت، أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس انتقدت قضاء حماس على الحركة التكفيرية، التي كان يمكن -إذا تُركت- أن تؤدي إلى تفاقم ظاهرة التطرف في القطاع المحاصر.
وبصفة عامة فإن غزة توجد بها عدة مجموعات متطرفة لا تزيد أعدادها على العشرات، ولا يمكن أن يطلق عليهم ظاهرة.
وأبرز هذه المجموعات: جيش الإسلام- كتائب التوحيد والجهاد، جيش الأمة- أهل السُّنة والجماعة، كتائب سيوف الحق-جيش القاعدة، جند الله، الجبهة الإسلامية لتحرير فلسطين، أبناء أهل السنة والجماعة، مجموعات «جلجلت».
وعلاقة حماس بالمجموعات الموالية لـ «داعش» مرت بمراحل متعددة، بين الحوارات الفكرية والملاحقة الأمنية.
ويمكن القول إن وجود حماس والجهاد بمرجعيتهما الإسلامية الوطنية أسهم في منع توسع الفكر التكفيري بقطاع غزة، رغم المعاناة التي يعيشها سكانه.
وأصدر جهاز الأمن الداخليّ بغزّة في فبراير 2018، تسجيل فيديو بعنوان «داعش يحاصر غزّة من الجنوب، وإسرائيل تحاصر بقيّة الجهات»، وبثّ التنظيم في الشهر السابق تهديداً ضدّ حماس، ودعا إلى استهدافها بالقنابل والمتفجّرات.
وفي سوريا، قامت داعش بالتعاون مع النصرة بالقضاء على جماعة أكناف بيت المقدس الموالية لـ «حماس«، التي كانت تتركز في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الكائن على أطراف دمشق.
أبو دجانة، أحد العناصر الذين اعتنقوا سابقاً أفكار تنظيم الدولة بغزّة، قال إنّ «السنوات الماضية شهدت تفاهمات عدّة غير علنيّة بين حماس والتنظيم، لتجنيب غزّة إشكالات أمنيّة مع أطراف داخليّة وخارجيّة».
لكنّ هذه التفاهمات سرعان ما انهارت، تارة بسبب حماس وأخرى من التنظيم.
ويقول إنّ «حماس تتّهم التنظيم بأنّه يريد توريطها في معارك جانبيّة مع إسرائيل ومصر».
هل هناك جهات خارجية تُحرك داعش؟
تخشى حماس من هجمات يشنّها التنظيم ضدها، في ظلّ قناعاتها بأنّ جهات دولية وإقليميّة تريد إيقاعها في إشكالات أمنيّة لاستنزافها عسكريّاً، بما يحقّق مصالح إسرائيليّة في إشغال حماس عنها، مع وجود اختراقات أمنية للتنظيم.
ولذلك ينتشر أفراد وزارة الداخليّة بغزّة بين حين وآخر على الطرق والشوارع العامّة، ويقيمون الحواجز الميدانيّة؛ تحسّباً لحدوث أيّ هجوم تنفّذه العناصر المحسوبة على تنظيم الدولة.
في المقابل فإن آراء فلسطينية تطالب بعدم تضخيم قدراته، فـ «حماس» لديها القدرات العسكريّة والإمكانات اللوجيستية، وهو ما يجعلها تسيطر على أفراده.
هل يتعاون داعش مع إسرائيل ودولة مجاورة لاستهداف حماس؟
إبراهيم حبيب، عميد البحث العلمي بكلية العودة للعلوم الأمنية، قال لموقع «عربي بوست» إن «تفجيرات غزة تشير بصورة واضحة إلى تورط عناصر تابعة لتنظيم داعش، مع تقاطع مصالح للسلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأجندات خارجية»، حسب قوله.
وأضاف حبيب: «العملية استهدفت حواجز أمنية طيارة متنقلة، وليس نقطة أمنية أو شرطية دائمة تتخذ فيها التدابير الكافية، الحالة الأمنية في غزة مستقرة، ويبدو أن منفذي التفجيرات، ومن يقف خلفهم، أرادوا استغلال هذا الاستقرار لتعكير صفوه، عبر تضخيم العملية، واعتبارها اختراقاً أمنياً».
من أين حصلوا على السلاح؟
«غزة منطقة مليئة بالسلاح والمتفجرات والعبوات الناسفة»، حسبما يقول إبراهيم حبيب.
ويضيف: «لدينا أكثر من 20 جناحاً مسلحاً، وليس صعباً الحصول على الأسلحة، بجانب استغلال التكنولوجيا ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل في التعلم والتدرب على صناعة المتفجرات».
وشهدت غزة في أوقات سابقة، محاولات اغتيال فاشلة نفذها عناصر قريبون من داعش.
ففي أكتوبر 2017، وضعوا عبوة ناسفة بسيارة توفيق أبو نعيم قائد الأجهزة الأمنية، أصابته بجروح طفيفة، وفي مارس 2018 استهدفوا موكب رامي الحمدلله، رئيس الوزراء الفلسطيني، لدى زيارته غزة.
وفي فبراير 2018، اعتقلت حماس عناصر من التنظيم خطّطوا لتفجير المسجد الذي يصلّي فيه إسماعيل هنيّة، لكن خطورة هذه العملية أنها تكمن بالجرأة على وضع العبوة، وتفجيرها في الحواجز الأمنية عبر انتحاريين.
إنه مخطط إسرائيلي
صالح النعامي، الخبير الفلسطيني بالشؤون الإسرائيلية، قال إنه «بغض النظر عن الهوية التنظيمية لمنفذي التفجيرات، يجب التعامل معهم كجزء من مخطط إسرائيلي لإرباك الوضع الأمني بغزة، بهدف فرض أولويات أخرى على المقاومة تُقلص من قدرتها على المواجهة، والإعداد لها، فالتجربة دللت على أن هؤلاء يسهل اختراقهم وتوجيههم من أجهزة أمنية معادية».
وأضاف أن «غزة شهدت 3 حروب إسرائيلية طاحنة، وعشرات الحملات العسكرية، وعدداً كبيراً من جولات التصعيد، وكلها لم تمس بأمن غزة، واليوم ما فشل فيه الإسرائيليون لن يفلح فيه منفذو التفجيرات الذين قبِلوا، بعلمهم ومن دون علمهم، أن يكونوا أدوات طيّعة للإسرائيليين».
وقد تكون هناك دولة مجاورة لها علاقة بالتفجيرات
يقول البعض إن التفجيرات الحالية تشير إلى وجود أجهزة استخبارية معادية لغزة وحماس، كإسرائيل والسلطة الفلسطينية وأنظمة مجاورة، وقد يكون لديها ارتباط مباشر أو غير مباشر للاستفادة منها.
كما لا يبدو توقيت التفجيرات بريئاً، فالمنطقة تشهد أحداثاً إقليمية كبيرة، وإسرائيل لا تريد مواجهة مع غزة قبل انتخاباتها، وهذه التفجيرات تعتبر رسالة لإرباك جبهة حماس الداخلية، كي لا تكون قادرة على مواكبة التطورات الخارجية.
محمد لافي، المراقب العام لوزارة الداخلية بغزة، قال لموقع «عربي بوست» إن «هناك جملة مؤشرات أمنية حول تفجيرات غزة، فالمكان ليس صعباً، بل متاح أمام الجميع، فهو موقع شرطة عام ومفتوح، بجانب سهولة الهدف وهو شرطة المرور والنجدة، مما يشير إلى أنها حادثة غير معقّدة».
وقال ﻻفي: «من المتوقع أن يكون المنفذون تلقوا توجيهات وتحريضاً وغسل دماغ، وهذا مدعاة لافتراض وجود جهات استخباراتية لها حسابات معادية مع غزة، وإسرائيل أحدها، وقد تكون التفجيرات بالون اختبار لمرحلة جديدة، أو تشجع آخرين على محاولة العبث الأمني».