«خوبى العوادة».. أبرز سيدات الطرب في مصر المملوكية
تعد «خوبى العوادة» واحدة من رموز الطرب والغناء في مصر المملوكية، اشتهرت بجمالها وحسن طلتها وكانت سلطانة للطرب في عصرها، حتى أنهم قالوا إنه لم يكن قد دخل مصر لها نظير.
وفي كتابه «سيدات الطرب والغناء .. من أيام المماليك حتى أوائل القرن الماضي» يحكي عمرو علي بركات، قصة خوبى إلى جانب قدد سيدات الطرب في مصر المملوكية وصولا للقرن الماضي، متعقبا سيرهن في التاريخ.
ويبدأ بركات في عمله الصادر عن مركز الهلال للتراث الصحفي، الذي يرأسه الكاتب عادل سعد، بحكايتها بدءا من اسمها قائلا:
“خوبى”، بضم الخاء المعجمة، وسكون الواو، وبعدها باء موحدة، وياء آخر الحروف، من مغنيات منتصف القرن الرابع عشر الميلادى.
ذكرها “صلاح الدين الصفدى”(1292ـ 1362م) فى كتابه “أعيان العصر وأعوان النصر” قائلاً:” كانت جارية الأمير “سيف الدين بكتمر الساقى” (ت:732هـ/1331م)، اشتراها بعشرة آلاف دينار مصرية، كانت مغنية عواده، بادية الحسن والطرب عواده، لم يكن دخل مصر لها نظير، ولا غنى الحمام على مثل قدها النضير.
اشتراها وهام في هواها، وأسكنها في داره على بركة الفيل، التى ما اقتنى أحد مثلها ولا حواها، إذا جست أوتارها، أخذت من القلوب أوتارها، وجرى من لطف أناملها الماء فى العود، وقيل هذا البدر في السعود، فإذا غنت أغنت عن الأطيار، وإذا عنت عنت قلوب البررة الأخيار”.
وذكر “المقريزى” ( ت: 1441م) فى مسالكه أن قصر “”بكتمر الساقى” من أعظم مساكن مصر، وأحسنها بنياناً، و قد بناه “السلطان الناصر محمد بن قلاوون”(1285ـ1341م) على بركة الفيل، ليسكن فيه أكبر أمراء دولته “بكتمر الساقى”، وهو الذى تزوج اخت السلطان “الناصر محمد”، وانجب منها “أحمد”، كما تزوج “أنوك” ابن “الناصر” من أبنة “بكتمر”، وادخل فى القصر الميدان الذى انشأه “السلطان العادل كتبغا المنصورى”(1294ـ1296م)، كما أخذ قطعة من بركة الفيل ليتسع لإصطبل الامير “بكتمر”.
وعندما اشترى “بكتمر”، “خوبى” العوادة المغنية، قالت له :” أريد أن أنزل إلى دارك التى على بركة الفيل لأتفرج هناك”، وكانت زوجته أم الامير “أحمد” تسكن القلعة، وقد علمت بأمر “خوبى”، وطلبت زيارة قصر الأمير على بركة الفيل، فادرك “بكتمر” ما تقصده “أم أحمد”، فوافقها على طلبها، إلا أنه نبه على “خوبى” قائلاً: “اذا الست جاءت إلى هنا اجلسى على يديها والعود فى حجرك، واضربى قدامها، وغنى لها نوبة مطربة”، أى غناء محتشم بدون “الهئ، والمئ”، ولا تسرفى فى الزينة.
فلما نزلت “أم أحمد” إلى القصر، توجهت إلى الشباك المطل على البركة، فنظرت حولها فوجدت جارية بيضاء، جميع ما عليها أبيض بدون زركشة أو حلى، فسالت:” من هذه؟”، فقامت “خوبى” وباست الأرض وقعدت، ووضعت العود فى حجرها وقالت: “دستور”، وغنت كما أمرها الامير “بكتمر” نوبة كاملة مطربة، فسألت الست عنها مرة اخرى؟
فقالوا :” هذه جارية الأمير”، فقالت:” هذه خشداشتى”، وهى كلمة فارسية تعنى، زميلتى وصديقتى، ثم أخذت بيدها، وأجلستها إلى جانبها، وأحضرت لها بدلة كاملة مطرزة ومزركشة، ومنحتها حلياً ومصاغاً، فقد كان “بكتمر” داهية بتنبيهه على “جوبى”، حتى أن “أم أحمد” قالت لصديقتها المقربة:” والله لما قالوا اشترى الأمير جارية بعشرة آلاف دينار وسكنها فى داره على البركة، ظننت أنها تكون مثلى فى الحشم والخدم والجوارى، والملبوس”، وعادت إلى قصرها فى القلعة ولم تعد “خوبى” مصدراً للقلق، واطمأنت “أم احمد” إليها، ولما توفى الامير “بكتمر الساقى” وهو فى طريق العودة من الحجاز صحبة السلطان، أمر السلطان بأن يحولوا بين “خوبى” وبين عودها، عند إبلاغها بخبر أميرها، إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك، فما كان منها أول ما سمعت خبر “بكتمر” إلا أن كسرت عودها، فغضب السلطان عليها، وباعها للأمير “بشتك” بستة آلاف دينار، ولكنه لم يحبها، فوهبها لمملوكه ” طنبغا”، فخبأ نجمها، وانقطعت سيرتها، حتى توفيت.