خطة داعش الأخيرة.. مقاتلو التنظيم يحاولون الانتقال إلى مناطق جديدة
فيما يحتفل خصوم تنظيم داعش بالانتصار على التنظيم مع اقتراب انهيار معاقله الأخيرة، فإن داعش يبحث عن مناطق بديلة لاستعادة نشاطه.
انهيار المعقل الأخير لخلافة تنظيم الدولة (داعش) في سوريا يغير حسابات القوى العظمى، ويحمل في الوقت ذاته مخاطر كبيرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة”الجارديان” البريطانية.
إذ تقول الصحيفة إن من مخاطر غبطة الانتصار في واشنطن وموسكو ودمشق، هو التعتيم على الخسائر البشرية المترتبة على «نصر» قد يثبت قريباً أنه محض مؤقت.
فتراجع الاهتمام العالمي ولاسيما الأمريكي بداعش وتكالب القوى المنتصرة على التنظيم على وراثته قد يتسبب في سيناريوهات خطيرة.
بينما القادة يحتفلون بالانتصار، هؤلاء يدفعون ثمنه
أشد ما يثير القلق هو مصير المدنيين، النساء منهم والأطفال على وجه الخصوص، الذين هُجِّروا من المناطق التي كانت سابقاً واقعةً تحت قبضة داعش حيث كان الكثير منهم محتَجَزين رغماً عن إرادتهم.
وتقول لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) المستقلة إن ما يصل إلى 4,000 شخصٍ يفرُّون نحو مخيم لاجئي الهول شمال شرق سوريا فقط.
نقطة تجمع لعائلات المقاتلين في داعش
وأعلنت لجنة الإنقاذ الدولية قائلةً: «عانى معظمهم طوال أربع سنواتٍ من فظائع داعش ويتوافدون الآن على الهول في حالة جوعٍ وعطشٍ شديدَين.
وأُصيب الكثير منهم كذلك بعاهاتٍ مستديمة. وهناك عدة تقارير عن وقوع عنفٍ ضد النساء والفتيات والأسر الذين انفصلوا عن بعضهم أثناء الرحلة».
ومما يثير القلق الشديد أيضاً ما سيُفعَل بالأسرى من مقاتلي داعش.
إذ قد يسعى «المقاتلون الأجانب» ومؤيدوهم للعودة إلى أوطانهم الأم، مما يضع بريطانيا وحكوماتٍ أخرى أمام خياراتٍ محرجة.
داعش يبحث عن مناطق بديلة وأدلب قد تكون مهددة
في حين أن المؤكد أن داعش يبحث عن مناطق بديلة للانتقال إليها، فإن هناك منطقة بعينها يمكن أن تشكل له نقطة جذب.
فهناك مخاوف متزايدةٌ من احتمال أن تنتقل أعدادٌ كبيرةٌ من مقاتلي داعش السوريين إلى محافظة إدلب شمال غرب سوريا، وهي آخر المناطق الكبيرة المأهولة التي لم يستحوذ عليها نظام بشار الأسد.
وخلال العامَين الماضيَين صارت إدلب بمثابة ملاذٍ أخيرٍ لقوات المعارضة والإسلاميين المسلحين المتقهقرين. وهي كذلك موطن 3 ملايين مدني سوري، تعرض نصفهم لتهجيرٍ داخلي.
مقاتلو داعش قد يحاولون الانتقال لإدلب
وقد علقت ليلى كيكي من منظمة Syria Campaign لحقوق الإنسان على الأمر قائلةً: «معنى توزيع المقاتلين السوريين بين المدنيين في إدلب أن الحقيقة حول من قتلوهم واختطفوهم وأخفوهم من الممكن ألا تظهر أبداً.
وأضافت «يجب عرض هؤلاء المقاتلين أمام المحاكم لكي يكشفوا عما يعرفونه بشأن الفظائع التي ارتكبها تنظيم داعش».
ما زال يوجد عدد مهولٌ من الأشخاص المفقودين. وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، احتُجِزَ 8,349 شخصٍ واختفوا اختفاءً قسرياً على يد داعش في جميع أراضيها».
وإذا فعلها فإن هذا قد يعطي عذراً للأسد ويهدد بهجرة مليونية
ومن شأن نقل مقاتلي داعش كذلك إعاقة الجهود الساعية لردع هيئة تحرير الشام المنشقة من تنظيم القاعدة، التي تهيمن الآن على معظم محافظة إدلب.
كما يقول النشطاء إن هذا قد يمنح قوات الأسد المدعومة من روسيا وإيران عذراً يبحثون عنه منذ زمنٍ لشن هجومٍ بهدف إعادة الاستيلاء على المحافظة.
وقد يفضي هذا الاحتمال إلى هجرةٍ جماعيةٍ للاجئين شمالاً نحو تركيا، إضافة إلى اللاجئين الموجودين لديها أصلاً.
ولكن تركيا تحول حتى الآن دون شن عملية عسكرية جديدة
وقد عكرت رغبة تركيا في منع حدوث ذلك صفو الاحتفالات في مدينة سوتشي الروسية الأسبوع الماضي حين اجتمع أهم داعمي الأسد بغرض مناقشة تداعيات هزيمة الخلافة الإسلامية.
واستغل فلاديمير بوتين اللحظة بدعمٍ من الرئيس الإيراني حسن روحاني، مطالباً باتخاذ «خطواتٍ ملموسةٍ.. للقضاء تماماً على مرتع الإرهابيين هذا (في إدلب)».
ولكن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد حال دون تنفيذ عمليةٍ عسكريةٍ جديدةٍ هناك، على الأقل بصفةٍ مؤقتة.
فاهتمام أردوغان ينصب على قضية أهم
إذ ينصب تركيز أردوغان نحو قضيةٍ أخرى، على الأراضي الحدودية الواقعة شمال شرق سوريا تحت سيطرة قوات الأكراد المحالفة للولايات المتحدة، الذين يعتبرهم عدواً لدوداً.
ولقد رفعت هزيمة داعش من فرصة تدخل تركيا عسكرياً على نحوٍ مشابهٍ لهجوم عفرين العام الماضي.
ويرغب أردوغان في إرساء «مناطق آمنة» داخل سوريا لطرد الأكراد وتأمين حدوده الجنوبية، كما هو مفترضٌ.
أما الأسد، المدعوم من روسيا، فيرغب على النقيض في إعادة فرض سيادته على أرض سوريا بأكملها، بما في ذلك الأراضي التي أُجلِيَت منها قوات داعش.
لكن أردوغان لا يأبه بذلك. والسبب الأساسي لعدم اتخاذه أي تصرفٍ حتى الآن هو دونالد ترامب. فقد أمر ترامب -على عكس مشورة جنرالاته وحلفائه في حزب الناتو- بسحب القوات الأمريكية في سوريا بحلول فصل الربيع المقبل. وحين يخرجون، سيتخذ أردوغان خطوته التالية، حسب التقرير.
والخطر الأكبر قد يكون في العراق
ويحمل انهيار داعش تداعياتٍ مريعةً بالنسبة إلى العراق، أيضاً، حسب الصحيفة البريطانية.
فلقد طرد الجيش العراقي الجهاديين من الموصل ومدنٍ أخرى في عام 2017، بمساعدةٍ دولية. لكنهم الآن يعيدون تنظيم صفوفهم في مناطق سُنِّيةٍ وقد تُمثِّل عما قريبٍ تهديداً خطيراً جديداً، وفقاً لتقريرٍ صدرٍ من البنتاغون الشهر الماضي.
وورد في التقرير: «تعيد داعش إحياء أنشطتها وقدراتها في العراق بوتيرةٍ أسرع من سوريا»، مما يشدد على أهمية استمرار عمليات مكافحة الإرهاب في كلتا الدولتين.
وتابع التقرير قائلاً: «في غياب الضغوط المستمرة، من المرجَّح أن تنشط داعش من جديدٍ في سوريا في غضون ستة إلى 12 شهراً وتستعيد أرضيةً محدودةً في وسط وادي نهر الفرات».
إذ أن بغداد مشغولة عن داعش بالصراع الأمريكي الإيراني
بينما داعش يبحث عن مناطق بديلة من بينها العراق، فإن قادة بغداد منهمكون في شأن آخر.
إذ، يشعر قادة العراق الشيعة برهبةٍ من اقتراح ترامب أن القوات الأمريكية المسحوبة من سوريا قد يُعاد نشرها في العراق، ليس بهدف الحؤول دون عودة داعش وإنما بهدف «فرض رقابةٍ» على إيران.
حسن روحاني ودونالد ترمب
إذ صرح الرئيس العراقي برهم صالح، مخاطباً ترامب قائلاً: «لا تحمِّلوا العراق فوق طاقتها بنزاعاتكم الخاصة.. نحن نعيش هنا».
في حين حذَّرت كتائب حزب الله الموالية لإيران من أن تلك الخطة قد تجعل من «القوات الأمريكية أهدافاً مشروعةً للمقاومة العراقية».
وحتى الأوروبيون قلقون من طريقة تفكير ترمب
وفكرة أن تُستَخدَم العراق كأرضيةٍ لحربٍ اختياريةٍ أمريكيةٍ جديدة، ضد إيران هذه المرة، تثير قلق الديمقراطيين في واشنطن، والحكومات الأوروبية.
إذ يفضِّلون تركيز الجهود على مكافحة الإرهاب الجهادي، ويعتقدون أن ترامب يخاطر بالفشل في تحقيق ذلك.
في حين أن لدى إيران قضايا أخرى تُعنَى بها، أبرزها مواجهة إسرائيل غرب سوريا، والمملكة السعودية في اليمن.
وتخشى طهران المؤامرات الأمريكية الخفية للتخريب وبث عدم الاستقرار وقلب نظام الحكم أكثر من خشيتها داعش.
إذ صرح علي أكبر ولايتي، أحد كبار مستشاري المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، هذا الشهر قائلاً: «على الأمريكيين مغادرة سوريا»، ومن المحبَّذ أن يغادروا الشرق الأوسط بأكمله.