خصوصية التجريد في اللوحة الحروفية المعاصرة
عرفت الفنون الإسلامية في ارتكازها على الخط والعمارة والحروفية والزخرف على مدى مراحل تطورها، المرونة التجريبية والتوليف البحثي والتنفيذي الذي ساهم في تطويرها الثقافي بما أثّر على الحركة التشكيلية العالمية والعربية واستبق مفاهيم مسار الحركة الحداثية في التعبير الجمالي والماورائي بتطويع الفضاء وامتلاك الفراغ وهو ما أسسّ بيئة فنية وجمالية وخصوصية ثقافية كان لها دفعها التعبيري مع رؤى التغيير الفني، لتُكسب الحرف خصوصيته المفاهيمية في حركة المعنى بالتماهي مع السرد البصري التعبيري عن التجريد والهندسة والزخرفة والألوان والنقوش للتعمق أكثر في المنطق الفني للوحة الحروفية، خاصة وأنها امتزجت مع واقعها وتطلّعها بمواكباتها الأسلوبية لخصوصيات التجريد بمراحله الهندسية ومرحلة الحواف الصلبة ما ساعده على اكتساب خصوصية تلك المراحل في تكوينه المعاصر.
*إبراهيم أبو طوق
ما أكسب اللوحة الحروفية خصوصية تعبيرية مختلفة وممتدة في عمقها الإنساني على مستويات مختلفة ودلالات لها تنوع علاماتها المُجرّدة التي اندمجت مع العناصر التركيبية للحرف وتفاعلت مع التقنيات الحديثة والخامات المتنوعة وطرق الأداء المختلفة.
*عدنان المصري
إن الخط العربي في تكامله وفي حضوره هو فن تشكيلي، فهو تجريدي من حيث التكوين التصوري شكلا ومضمونا، استطاع أن ينبني على توافقية الألوان المتعدّدة أو ثنائية اللون أو اللون الواحد، حسب التدريج والأشكال وهو ما عزّز تطوير الخط بنيويا وساهم في تطويعه لخاماته وأساليب تنفذيه حسب مستوياته المفهومية وهنا يظهر المنجز الحروفي في اللوحة التشكيلية.
*فاروق لمبز
فالحرف امتداد واسع الأفق عميق التعبير قادر على أن يصل بالعمل إلى أقصى حدود التجريد معتمدا على الكثافة المتهاطلة في المعنى الصارخ باللون والزخرف أو التجريد الهندسي الذي يمتلك جدية الحواف المتراصة في تفاعلها الكامل مع حدودها ومساحاتها وتطبيقها الجمالي لها حسب الرؤية البصرية لكل فنان كيف طوّع تجسيده التشكيلي المعاصر بالحرف والخط.
*فايق عويس
فاللوحة الحروفية المبنية على رؤى التجريد المعاصر في التجربة العربية تمتلئ باللون وتتمادى مع ماورائياتها في عمق الأطر المكانية والزمانية ومع الأبعاد التي تنطلق من تكويناتها في الفراغ لتشتغل على وهم العمق وتستثير التساؤلات الحسية والجمالية التي تبحث عن أجوبة رمزية لاستفهاماتها النفسية والحسية، وهنا تقع الحرفية الفنية مع الشغف الخطي في التجارب العربية وفي عمق طرحها لفكرة انتمائها وهويتها، بالبحث عن الأصل في التجريد خاصة وأنه ومنذ أواخر الخمسينات بات التعامل مع الحرف كمنجز تشكيلي وعنصر إثارة للواقع الجمالي العربي المستحدث جزء مهما للعودة للذات والانطلاق منها من حيث التماهي مع الموروث والبحث في خصوصياته.
*حسن المسعود
من خلال التعامل التجريبي التجريدي بين الخط والحروفية في المنجز التشكيلي نستنتج طبيعتان ترتكزان على المنجز في التنفيذ وهما أن التوظيف يكون توافقي مع المعنى والمفهوم أو أن الحرف يكون مجرد عنصر تكويني أساسي وفي الحالتين يكون التعبير في الحضور مفهوميا له قراءاته الذاتية والنفسية والفنية والجمالية خاصة وأن الحرف لا يكون مُنفصلا أو مبهما في تعامله مع انفعالات الفنان ومدى طرحه لقضاياه.
*عدنان يحي
مثل نموذج تجربة خالد ترقلي أبو الهول الذي أسس تجربته على الاختلاف من حيث توظيف الحرف للتعبير عن قضايا المجتمع الشرقي وخصوصا قضية المرأة في مواجهة العنف المباشر والمقنع فقد كان لتوظيفه الحروفي دلالة انتماء ومواجهة وصراع بين الموجود والمنشود بين الديني والدنيوي بين الموروث وقيوده، وبالتالي فإن التجربة تعامل مع الصيغ التجريدية للحرف واعتماد على توظيفاته المعنوية في المنجز الحروفي ككيان مستقل بذاته التعبيرية المساهمة في تثبيت حضورها في العلامات والرموز.
*خالد أبو الهول
مظاهر التعامل المعاصر مع رؤى التجريد في الحرف العربي لم تحد عن شكلها الجوهري في توظيفه ولكنها تعاملت معه من منطلق تجريبي تحرّر من قواعد الخط وطابعه الكوني والتصور الصوفي المتفرّد.
*فائق عويس
إن الميول التجريدي للفنانين العرب بالاعتماد على الحرف ليس مجرّد إسقاط عشوائي بل هو توظيف هندسي وبنية زخرفية لها مساحاتها الواثقة من حضورها في اللون والظلال والإشعاع والعتمة وهنا يكون الانشغال الجمالي راسخ الحضور كلما حضر الحرف العربي فهو الذي يملأ بهندساته اللوحة بالحركة.
*إبراهيم أبو طوق
إن تجارب التجريد الهندسي أو المطلق المرتكز على الحروفيات خلق أبعادا غير متوقّعة لها انحناءاتها وخطوطها وخامتها وألوانها وتراكماتها الحسية والذهنية لها مرونتها التطويعية المتشابكة مع الهندسة والمفهوم.
*فاروق لمبز
فالتجريد منحها مساحة الاشتغال في الفراغ على الفضاء وامتلاك حسياته المؤطرة في الصورة وتأثيرها وقابليتها للتجاذب أو التنافر كما في تجربة التشكيلي فاروق لمبز.
إن توظيف الحرف والشكل الحروفي ينساب في تكويناته مع اللوحة في مضمونها الوجودي وفعلها البحثي مثل تجربة عدنان يحي، الذي اعتمد الحرف كعنصر تكميلي له أساسياته المحورية التجريدية التي تتفاعل مع الألوان الزيتية وتنتشر على المسطح الداكن لتحاول التناغم على إيقاعها التشكيلي الذي حاول التحرر من قواعده ليلامس النور في عمق اللوحة منفلتا من هندساته نحو موسيقاها التي تستدرج المعنى نحو الانفتاح على عصره الحاضر والتمكن من رؤاه تجريديا بما يتماشى مع فكرة البناء المُتجدد للحرف في اللوحة أو في المنحوتات الخزفية التي يدفع بالحرف في تصاميمها ليوثّقها ويرتحل بها عبر أمكنة انتماءها الأول في الأرض.
يعمل التجريد والحرف العربي على خلق مساحات واسعة وفضاءات ممتدة تسمح باستيعاب الجدليات الصاخبة والالتفاف حول جمالياتها وهي تتصارع وتتعاصف وتتماطر لتشرق بشرقيتها وخصوصياتها التي تنفعل مع الحسيات الروحية وطاقتها الفنية التي تتجلى بحرية في تشكلاتها التجريدية.
*الأعمال المرفقة:
متحف فرحات الفن من أجل الإنسانية
Farhat Art Museum Collections