حليب الصويا واللوز والبازلاء يثير جدلاً يصل إلى أروقة السياسة الأمريكية
يبدو أن كوب الحليب الأبيض لم يَعد موضعَ اتفاق. فما هو الحليب؟ ومَن القائل إن الماشية هي المصدر الوحيد؟ وهل يجب حتماً أن يُحلَب؟ وماذا عن حليب الصويا واللوز والبازلاء البديل.
تُطرح هذه التساؤلات العميقة في مناقشة وجودية تتغلغل في قلب صناعة الحليب الحيوانية، ضد ما يُعرف باسم «الألبان البديلة»، وبين مُحترفي صناعة القهوة في مقاهي الأحياء الأمريكية.
«اللوز لا يُحلَب!»، هكذا قال عضو لجنة الغذاء والدواء الأميركية، الطبيب سكوت غوتليب، حين أدلى بتصريح مفاجئ، في يوليو/تموز، خلال حلقة مُناقشة بالعاصمة الأمريكية واشنطن.
هل يُحلب النبات والمكسرات؟
بهذا التعليق، غرق غوتليب في نزاعات «الألبان البديلة»، وهي مشروبات نباتية تُعدُّ من المكاديميا واللوز والكينوا والبازلاء والأرز وجوز الهند والشوفان وفول الصويا والجوز والكاجو.
وقد أصبحت تلك الألبان، التي تُصنَع عن طريق التعطين، وأحياناً التخمير، موضعَ قبول عددٍ متزايد من الأميركيين، في مقاهي الأحياء وفي المنازل أيضاً.
احتلّت هذه الألبان الجديدة مكاناً على الساحة، وانتشرت أصنافها بشكل هائل، وغزا تفضيل استخدام الحليب البديل المجتمعات.
حتّى إن سكان مدينة نيويورك عانوا مُؤخراً من نقص حليب الشوفان في الأسواق، بحسب ما يشير تقرير لصحيفة New York Times الأميركية، 31 أغسطس 2018.
حليب الأبقار يتراجع استهلاكه نحو النصف مقابل حليب الصويا واللوز والبازلاء
ويتزايد استهلاك تلك المشروبات النباتية بشكل سريع؛ إذ ارتفع بنسبة 9% في غضون 12 شهراً، بنهاية شهر يونيو.
وفي نفس الفترة، تراجعت مبيعات حليب الأبقار بنسبة 6%، بحسب بيانات شركةNielsen المتخصصة في الأبحاث التسويقية، وجمعية الأغذية النباتية.
وفي الوقت نفسه، تراجعت عادة شرب الحليب؛ ففي السبعينات، جرت العادة أن يتناول الشخص الأمريكي نحو 30 غالوناً من الحليب سنوياً.
أما الآن، فتشير وزارة الزراعة الأميركية إلى أن الاستهلاك قد تراجع ليبلغ 18 غالوناً تقريباً.
كل هذا يُثير قلق صانعي الحليب الحيواني
يقول كريس غالين، نائب رئيس الاتحاد الوطني لمنتجي الحليب، الذي تأسس في عام 1916 لتعزيز صناعة مُنتجات الألبان الحيوانية: «أنت لا تحصل على الحليب إذا كان يأتي من الجوز أو البذور أو الحشائش».
وظلَّ يُكرر إحدى العبارات الجديدة المتداولة بين صانعي الألبان الحيوانية: «أنت لا تحصل على الحليب إذاً!»
وتضغط مجموعته لإصدار «قانون فخر صناعات الألبان» أو Dairy Pride Act، الذي قُدِّم إلى الكونجرس الأمريكي، في يناير 2017.
فكلمة «حليب» تشوّش المستهلكين
وبحسب قوله، يستعين الكونغرس بإدارة الغذاء والدواء، لتفرض لوائحها بشأن وضع المُلصقات التوضيحية على الأغذية بصدق.
ويجادل القائمون على صناعة الألبان الحيوانية بأن كلمة «حليب» تشوِّش المُستهلكين، لأنها تشير إلى أن السائل الأبيض الذي اشتروه له قيمة غذائية مماثلة لحليب الأبقار.
وتُقِر ميشيل سيمون، المديرة التنفيذية لجمعية الأغذية النباتية، بأن اللوز لا يُحلَب، إلا أن ذلك «لا يعني أنه لا يمكن تسميته بالحليب».
وتقول إن الناس يعلمون جيداً عندما يشترون حليب الصويا أنه ليس مماثلاً لحليب الأبقار.
فالألبان البديلة لا تحتوي غالباً على نفس ما تحتويه ألبان الأبقار من الدهون، والبروتين والفيتامينات.
ولكن لا أحد يملك مفاتيح اللغة.. والمصنِّعون مصرون على كلمة «حليب»
وتقول دراسة أجرتها الجمعية، العام الماضي، إن اثنين من بين كل ثلاثة مُستهلكين قد اتفقا على أن التسمية الأفضل هي ذِكرُ المكوّن النباتي مصحوباً بلفظ «حليب»، بحسب قول ميشيل.
وأضافت ميشيل: «لا أحد يملك اللغة الإنكليزية، ونحن لن نتراجع»، وأعربت عن أملها في أن يُحلّ الأمر «بطريقة سلمية».
وقالت إنها طلبت قميصاً طُبعت عليه عبارة «اللوز لا يُحلَب»، وتخطط أن ترتديه للذهاب إلى سوق المزارعين المحلي.
والخبراء يطالبون بتوضيح المكونات بصدق
وإلى جانب ما يجري من نزاعات بين القائمين على صناعة الألبان الحيوانية ومجموعات الأغذية النباتية، أثار تعليق الدكتور غوتليب حول اللوز وعملية إنتاج الألبان عن طريق الحيوانات على الفور حالة من الذعر.
فقد كان أقوى مؤشّر -حتى الآن- يفيد بأن وكالته ستبدأ بشكل صارم فرض قواعد على المُلصقات التي توضع على منتجات الحليب.
وكتب غوتليب في بيان بشأن الأمر بعد حوالي أسبوع من حلقة المناقشة: «هذه المُنتجات قد تختلف بشكل كبير في محتواها الغذائي، على سبيل المثال فيما يتعلّق بالبروتين الكامن أو محتوى الفيتامينات المضافة».
وأضاف أنه سيكون هناك «تحديثٌ لمعايير التعريف» بالنسبة لمنتجات الألبان.
إذاً.. هل ما يُشرب عصير أو شراب؟
وبالنسبة لمحبّي الحليب البديل، أثارت ملاحظات غوتليب عدّة أسئلة؛ منها: إذا لم تكن تلك التركيبات النباتية حليباً، فهل ما يتناوله الناس هو عصير الجوز؟ أو مشروب اللوز؟
في حي ويليامزبرغ في بلدة بروكلين، يقول صاحب مقهى «كافيه بَيت»، جون ريغان، الذي يبيع حليب اللوز المُعدّ محليّاً، إنه مستعدٌ للسجن بسبب هذه القضية.
ويتساءل ريغان البالغ من العمر 31 عاماً قائلاً: «أعني؟ ماذا سيجري لو أطلقنا عليه اسم الحليب؟».
ثم غيّر نبرة صوته لتُشبه مُذيع نشرة إخبارية وقال: «حُكِم على صاحب كافيه بيت بالسجن لمدّة 10 سنوات».
ويعتقد أنه «من الغباء أن يكون هناك قانونٌ لذلك»، وأن الجدل فقط يُثار «بسبب مخاوف صانعي الألبان الحيوانية».
جدال يعكس حال «أميركا ترمب»
أما عامل صُنع القهوة، دان فولي، البالغ من العمر 31 عاماً فيقول: «إنها أميركا ترمب يا رجل».
غريغ ستيلتنبول، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة مزارع كاليفا، التي تصنع حليب اللوز، يرى أن الجدل الأخير كان مبالغاً فيه.
وأشار إلى أن وزارة الزراعة قد تبيَّن لها في العام الماضي، أن 90% من الأسر التي اشترت الحليب البديل اشترت أيضاً الحليب الحيواني. وأضاف «العالم الحقيقي أقل استقطاباً مما تُبديه السياسة».
أما مايك ميسيرسميث، الذي يدير العمليات الأميركية لشركة Oatly، فيقول إن استهلاك حليب الشوفان الخاص بشركته قد ارتفع من 150 مقهى إلى 2000 في عام واحد فقط.
ويجري بَيْعه الآن في متاجر Whole Foods وTarget.
وتخطط الشركة -التي تتخذ من مدينة مالمو السويدية مقرّاً لها- لفتح مصنع في جنوب نيوجيرسي في مطلع العام المقبل، ليكون أوّل مصانعها في الولايات المتحدة.
ويقول ميسيرسميث إن محاولة صناعة الألبان الحيوانية الأميركية لفرض مُلصقات ليس بالأمر اللائق.
وقال إنه «في عصر تعود فيه الحكومة إلى اللوائح التنظيمية ، يبدو هذا شاذاً بشكل غريب»، وأضاف قائلاً: «بالتأكيد، الضغط السياسي من قِبل صناعة الألبان الحيوانية راسخٌ بشكل جيد».
وفي مقهى سوالو في ويليامزبرغ ، يبيع العاملون ألبان فول الصويا واللوز وجوز الهند والمكاديميا وحليب الشوفان، بالإضافة إلى مشروب اللاتيه المشبع بالقنب.
ويقول مارك غارزا، البالغ من العمر 31 عاماً، وهو مدير المقهى: «سنظل نُسمّيه حليباً، وسيُطلِق عليه الجميع هذا الاسم».
وفي مقاطعة ميشن في سان فرانسيسكو، تعمل بريدجيت أوسم (24 عاماً) في مقهى هاوس كافيه.
ويبيع المقهى شيئاً يسمى حليب الخضراوات، وهو مصنوع من مكونات قالت إنها لا تستطيع تحديدها تماماً. (إلا أنه حليب بازلاء).
وتقول: «لدي الكثير من الألبان.. وهذا سخيف. ويسألني الناس عن تفضيلي، فأقول: الحليب. أعتقد أنه يجب عليك الحصول على الحليب».