حلب السورية تكابد المشاق لإحياء صناعة المنسوجات
بعد أن هدأ غبار المعارك في حلب، حزم بعض التجار أقمشتهم وما تبقى من أدوات صناعتهم عائدين إلى مدينتهم الأم من اللاذقية التي نزحوا إليها مؤقتا، يحدوهم الشوق لإحياء صناعة المنسوجات التي تعود جذورها في مدينتهم إلى أعماق التاريخ.
لكنهم يكابدون المشاق الآن لتحريك العجلة الاقتصادية في حلب في ظل معوقات جمة ليس أقلها العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على الحكومة السورية ونقص المواد الأولية وغياب أصحاب الخبرات بعد هجرة على مدى سنوات.
يجلس أحمد الحسين، أحد تجار وأصحاب صناعة المنسوجات العائدين من اللاذقية، في متجره في خان الجمرك الأثري في أسواق حلب القديمة وقال ”أول ما تحررت المنطقة فورا رجعنا على محلاتنا. كان في أنقاض ومخلفات حرب.. نظفناها وأزلنا الركام وأصلحنا المحلات ورجعنا فتحنا“.
وأضاف الحسين الذي كان جالسا بين أقمشة الستائر والمفروشات والأغطية وغيرها ”صحيح أنه حدث تهجير إلى اللاذقية، لكننا لم نذهب إلى خارج البلد. لقد تعذبنا كثيرا وكان الضرر كبيرا. فالطرف الثاني (الجماعات المسلحة) سرق كل المعمل (الورشة).. أي كما يتم سرقة المخ والقلب من البني آدم ويتركون له الجسد فقط“.
وتشكل سيطرة الجيش السوري على جزء كبير من حلب في ديسمبر كانون الأول عام 2016 بعد أن دخلت المعارضة المسلحة المدينة عام 2012، أحد أهم مكاسبه في الحرب التي اندلعت بسوريا عام 2011.
وبالنسبة للرئيس بشار الأسد تمثل إعادة إحياء المدينة أهمية خاصة، ليس فقط لأسباب رمزية حيث أن حلب تحوي آثارا قديمة ذات أهمية تاريخية عالميا، وإنما أيضا لكونها مركزا اقتصاديا لسوريا.
يؤكد الحسين أن المصنعين لا يحققون حاليا أي أرباح ويقول ”أرباحنا صفر. فنحن فقط نشغّل العمال ونشغّل معملنا لكي نبقى في السوق. قبل الأحداث كنا نحقق نسبة أرباح من التصدير بين 20 و 40 بالمئة. الآن لا يوجد أرباح. ظروفنا قاسية ولا يوجد تصدير للخارج“.
ويطالب المصنعون حكومتهم بتخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية أو إلغائها لكي يتمكنوا من البقاء أمام الدول المجاورة أو الصين أو أي دولة صناعية أخرى.
وأصدرت وزارة الاقتصاد هذا العام قرارا بوقف استيراد الأقمشة وأجرت تعديلا على أسعار الخيوط كمساهمة لدعم الإنتاج الوطني.
يقف تاجر الأقمشة عبد الرحمن صباغ مزهوا بعودته إلى ورشته ومتجره قائلا ”هنا مسقط رأسنا وآبائنا وأجدادنا. بدنا نرجع لهون“.
لكنه يشكو من المعوقات التي تقف حائلا أمام هذه العودة.
يقول ”الأمور تحسنت. الكهرباء وصلت وكذلك الاتصالات. لكن عندنا مشكلة الأسواق الخارجية. يهمنا كثيرا أن يتم فتح المراكز الحدودية البرية لأن تكاليف الشحن عالية جدا.التصدير صعب جدا“.
وخان الجمرك الذي يضم 116 محلا تجاريا معظمها لصناعة الأقمشة هو السوق الوحيد من بين الأسواق القديمة في حلب الذي أعيد ترميمه والعمل فيه منذ استعادت القوات الحكومية السيطرة على المدينة.
ويوجد في السوق بعض التجار والمستهلكين السوريين والقليل من التجار العراقيين أو اللبنانيين.
كان الحاج أحمد، وهو تاجر عراقي، يتفحص أقمشة الستائر في الخان حين قال ”اعتدنا منذ زمن على أخذ بضائعنا من هنا، من حلب. والآن أنا سعيد أن أعود مجددا إلى هذا المكان رغم أن المحلات هنا قليلة. لا غنى عن السوق الحلبي في الأقمشة، فهم عندهم نمر (أنواع) غير موجودة في الأسواق العربية“.
وأضاف ”نحن هنا اليوم في طور التجربة لنعرف كيف يمكن أن ننقل بضائعنا إذا اشترينا“.
ويقول المهندس فارس فارس عضو المكتب التنفيذي بمجلس محافظة حلب إن العقوبات الاقتصادية، بما فيها تحويلات الأموال، تعيق استيراد مستلزمات الصناعة والمواد الأولية.
وقال في مقابلة مع رويترز ”حاليا هناك حوالي عشرة آلاف منشأة صناعية أعيد العمل فيها من أصل 33 ألف منشأة صناعية مرخصة بالإضافة إلى 15 ألف منشأة حرفية. ولكن إعادة الإعمار تحتاج إلى مواد أولية وتحتاج إلى إعادة تهيئة الآلات. هناك صعوبة فائقة في هذا المجال سببها الحصار الاقتصادي والخارجي.. أي عمليات الشراء والبيع والتحويل عن طريق المصارف“.
وأضاف ”هناك نقص في اليد العاملة. نعم هذه حقيقة واضحة. خاصة في مجال الخبرات الفنية. معظمهم هاجروا وقت الضغط الذي عانت منه المدينة جراء العصابات الإرهابية وإقفال الطرق… لكنهم يعودون نوعا ما“.
وعلى بعد أمتار من سوق خان الجمرك وبعد أكثر من عام على خروج الجماعات المسلحة، لا تزال الجرافات الصغيرة تدخل إلى الأزقة الضيقة في الأسواق القديمة المسقوفة لإزالة الركام والحواجز والأنقاض.
يقول فارس ”خلال عام، تم ترحيل ما يقارب 2.2 مليون متر مكعب من الركام وتم ترحيل حتى الآن حوالي 4400 سيارة محروقة أو مدمرة“.
ومضى قائلا ”إعادة الإعمار بدأت منذ اللحظات الأولى لتحرير المدينة، فهي لا تشمل فقط بناء مهدما أو جسرا مهدما إنما تشمل إعادة تأهيل البنى التحتية وشبكات المياه والصرف الصحي والكهرباء والمدارس والطرقات. إعادة الإعمار شاملة“.
لكنه أضاف ”نحتاج إلى سنوات لكي نعود كما كنا قبل 2011 لأن الكثير من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ما زالوا غائبين عن المدينة. الدمار والخراب كبير جدا، ونحن مشينا (أنجزنا) 20 بالمئة من إصلاح الذي تم تخريبه. هذه السنة سنصل إلى 30 بالمئة.
”نحن صابرون، وشعب حلب صبر وتحدى وصمد وتمسك بأرضه وبمدينته ومصر على إعادة الحياة“.