حكومة “اشتية”.. تعميق للانقسام الفلسطيني أم تمهيد لمصالحة وطنية؟
اعتبر خبراء سياسيون أن تكليف عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، محمد اشتية، بتشكيل حكومة فلسطينية جديدة يمثل خطوة نحو تعميق الانقسام الداخلي، بينما رأى آخرون أنها فرصة لتحقيق مصالحة وطنية.
الفريق الأول رأى أن حكومة اشتية “تتجاهل الأطراف الأخرى”، و”لن تخرج عن برنامج الرئيس الفلسطيني، زعيم فتح، محمود عباس”، و”لن تشمل قطاع غزة”، مما يمثل تعميقا لحالة الانقسام، في وقت يواجه فيه الفلسطينيون “صفقة القرن والاحتلال الإسرائيلي”.
أما الفريق الآخر فذهب إلى أن تلك الحكومة “سيكون فيها من الكفاءة ما يمكنها من تطبيق أولوياتها الوطنية الأولى، وهي إنهاء الانقسام”، وستبدأ هذا المسار “عبر الإعداد للانتخابات، والذهاب باتجاه الوحدة، في حال قبلت حماس.
وكلف عباس، الأحد، اشتية بتشكيل حكومة جديدة، خلفا لرامي الحمد الله.
اشتية صرح بأن مهمة حكومته هي “تحقيق الوحدة، وإنهاء الانقسام، واستعادة غزة للشرعية الوطنية”.
وثمة انقسام فلسطيني بين حركتي “فتح” وحماس”، منذ عام 2007، حين سيطرت “حماس” على غزة، ضمن خلافات مع “فتح” لم تُفلح وساطات واتفاقات عديدة في معالجتها.
حكومة “انفصالية”
سريعا، أعلنت “حماس” رفضها “الاعتراف بالحكومة الجديدة”، ووصفتها بـ”الانفصالية، كونها خارج حالة التوافق الوطني”.
وقال المتحدث باسم الحركة، فوزي برهوم، في بيان، إن “الحكومة الجديدة هي وصفة عملية لفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، وترسيخ الانقسام”.
واعتبر أن تشكيل حكومة جديدة “دون توافق وطني هو سلوك تفرد وإقصاء وتهرب من استحقاقات المصالحة وتحقيق الوحدة”.
ودعا برهوم إلى “تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات عامة وشاملة (رئاسية وتشريعية ومجلس وطني)”.
وتتبادل “فتح” و”حماس” اتهامات بالمسؤولية عن استمرار الانقسام الفلسطيني.
سياسات فردية
طلال عوكل، كاتب وخبير سياسي، قال إن “الساحة الفلسطينية مرتبكة إلى حدّ كبير، وليس فيها ما يشير إلى إمكانية تحقيق توافقات وطنية، سواء على مستوى المصالحة أو غيرها”.
وأضاف عوكل أن “كل طرف من طرفي الانقسام، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، يتخذ الإجراءات والسياسات التي يراها مناسبة بشكل فردي”.
وانتقد تشكيل حكومة جديدة برئاسة اشتية قائلا إن “هذا تشكيل سياسي يعني تعميقا لحالة الانقسام مرة أخرى، وتجاهل الأطراف الأخرى، سواء حماس أو الجهاد الإسلامي أو من يرفض المشاركة في الحكومة من الفصائل الأخرى”.
وحذر من أن هذه الخطوة تشكّل “تعقيدا جديدا فيما يتعلق بموضوع المصالحة الداخلية”.
لكن تلك الخطوة، بحسب عوكل، لن تقود بالضرورة إلى حالة “الانفصال” (انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية)، معتبرا الانفصال قضية “سياسية استراتيجية”.
تشكيل سياسي يعني تعميقا لحالة الانقسام مرة أخرى، وتجاهل الأطراف الأخرى، ولن تقود بالضرورة إلى انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية
ورأى أنه لا يوجد حل لذلك التعقيد الجديد إلا بـ”المصالحة والتوافقات الوطنية”.
حكومة لـ”فتح”
“ستكون حكومة لحركة فتح والضفة الغربية، ولن تشمل قطاع غزة”، بهذه العبارات بدأ مصطفى إبراهيم، كاتب ومحلل سياسي، حديثه عن حكومة اشتية.
إبراهيم وصف، الحكومة المقبلة بـ”حكومة الانقسام”، ورأى أنها “لن تخرج عن برنامج الرئيس عباس، لذلك لن تغيّر بشكل إيجابي في مجريات ما يحدث في الساحة الفلسطينية”.
وأردف أن “حكومة الوفاق الوطني، التي تأسست عام 2014 جاءت لتكريس الانقسام، وساهمت في تعقيد الوضع الفلسطيني الداخلي حينما طالبت حماس بتمكين الحكومة في غزة، لتنفيذ اتفاق المصالحة (الموقع في القاهرة عام 2017)”.
وحذر من أن الحكومة المقبلة “يمكن أن تكون أسوأ من سابقتها؛ فهي لن تكون حكومة فصائلية بالمعنى الوطني”.
وتابع: “توجد خلافات في الساحة الفلسطينية حول الحكومة المقبلة وظروف تشكيلها، في ظل وضع صعب تمر به القضية من تهديدات صفقة القرن والاحتلال الإسرائيلي”.
و”صفقة القرن” هي خطة سلام تعمل عليها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ويتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لصالح إسرائيل، بما فيها بشأن وضع مدينة القدس المحتلة وحق عودة اللاجئين.
وشدد إبراهيم على أن الحالة الفلسطينية بحاجة إلى حكومة “وحدة وطنية تلبي احتياجات الناس الوطنية، ضمن برنامج اقتصادي تنموي يعزز من صموده سواء في الضفة أو غزة”.
حكومة أمر واقع
إبراهيم المدهون، كاتب سياسي، وصف حكومة اشتية بـ”حكومة الأمر الواقع”، معتبرا أنها “غير دستورية”.
لكنه رأى في الوقت نفسه أن “اشتية أمامه فرصة كي يقنع حماس بأنه عنصر حل وليس عنصر خلاف، من خلال فتح ملف المصالحة واتخاذ قرارات جريئة، خاصة ما يتعلق بملف موظفي غزة”.
وتوقفت الحكومة عن دفع رواتب الموظفين، الذين عينتهم “حماس” خلال إدارتها لغزة، وهو أحد الملفات التي تعيق تحقيق المصالحة.
وزاد المدهون بقوله: “اشتية رجل له بصمته، لاسيما في الجانب الاقتصادي، ويحمل رؤية فتحاوية خالصة.. أتمنى أن يكون عنصر مصالحة ويكرس حكومته لخدمة غزة ويعالج آثام حكومة (رامي) الحمد الله”.
واتخذت حكومة الحمد الله إجراءات تعتبرها “حماس” وفصائل أخرى سياسات عقابية تُضر بسكان غزة، أكثر من مليوني نسمة، الذين يعانون من حصار إسرائيلي مستمر منذ عام 2006، حين فازت “حماس” بالانتخابات التشريعية.
ورأى المدهون أن تلك “الفرصة (على طريق المصالحة) لن تتكرر ولن تدوم طويلا”، خاصة وأن الحالة الفلسطينية “مضطربة وبحاجة إلى قرارات جديدة”.
وشدد على أن “الطريق الأسهل أمام الفلسطينيين هو المصالحة والعمل المشترك والجهد المتكامل”.
ورأى أنه “رغم تحفّظ وغضب حماس، إلا أن سلوك اشتية وقراراته المرتقبة قد تحوّل ذلك الغضب إلى رضا، في حال قدّم ما يرضى الفصائل الفلسطينية في غزة، خاصة حماس”.
الأولوية للمصالحة
ذهب يحيى رباح، القيادي في “فتح”، إلى أن “الحكومة الجديدة سيكون فيها من الكفاءة ما يمكنها من تطبيق أولوياتها الوطنية الأولى، وهي إنهاء الانقسام”.
وأضاف أن “الحكومة الجديدة ستتولى العديد من المهام الكبيرة على طريق إسقاط صفقة القرن، ووقف التغول الإسرائيلي”.
وتابع: “هذا الوضع يحتاج إلى وزراء جيدين قادرين على تأدية المهام المطلوبة منهم”.
واعتبر أن تكليف اشتية هي “خطوة موفقة، فهو شخصية ذات خبرة واسعة وكفاءة مميزة، تجعله قادرا على تنفيذ مهامه بطريقة رائعة”.
الانتخابات المقبلة
وفقا للكاتب السياسي، عبد المجيد سويلم، فإن الحكومة الجديدة “من المقرر أن تبدأ مرحلة إنهاء الانقسام، باعتبار أنها ستُكلّف بالإعداد والإشراف على الانتخابات (التشريعية)، والذهاب باتجاه الوحدة، في حال تعقّلت حماس”.
وأردف سويلم أنه “في حال قبول حماس بالانتخابات المقبلة سيصبح الانقسام الداخلي منتهيا، وستحدد الانتخابات طرق إعادة بناء النظام الوطني الفلسطيني، وفق مبدأ الشراكة الوطنية”.
واستبعد سويلم أن “تسير الحالة الفلسطينية إلى الأمام دون إنهاء الانقسام.. استمرار الانقسام سيؤدي إما إلى حالة من التراجع أو سيراوح الوضع الفلسطيني مكانه”.
واستطرد: “الحل هو إنهاء الانقسام والذهاب إلى شراكة وطنية، والتوافق على إعادة بناء النظام وفق مبدأ النسبية الكاملة، ما يعني مشاركة كل الفصائل في السلطة، ولاحقا في منظمة التحرير وفق قوتها ووزنها الحقيقييْن”.
واعتبر سويلم أن رفض بعض الفصائل، وبينها “حماس”، المشاركة في الحكومة الجديدة هو “موقف غير صحيح، وتعطيلي بالدرجة الأولى، فمن الخطأ استخدام الفيتو في الشراكة الوطنية”.