حظوظ أكراد العراق تواجه انتكاسة في كركوك
يرسم تقاطع طرق في مدينة كركوك بشمال العراق صورة حية للتحول السريع في حظوظ الأكراد. فالتمثال الشاهق لمقاتل دائما ما كان يمسك بالعلم الكردي الذي تزينه الشمس الساطعة بات الآن يمسك بعلم العراق بألوانه الأحمر والأبيض والأسود.
وعلى الجهة المقابلة، تحول الآن مقر حصين سابق للحزب الحاكم في إقليم كردستان شبه المستقل إلى قاعدة للقوات العراقية التي قادت الحملة السريعة لاستعادة السيطرة على كركوك في أكتوبر تشرين الأول، فيما بدد آمال الأكراد في الاستقلال.
ويتوق كثير من أكراد العراق إلى أن تكون كركوك في نهاية المطاف عاصمة لدولتهم، ومع هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في شمال العراق في العام الماضي باتت المدينة الغنية بالثروة النفطية أقرب منها في أي وقت مضى إلى أن تصبح مركزا دائما للسلطة الكردية.
غير أن هذا الصعود قصير الأجل مني بانتكاسة، وتلاشت الآمال في أن تكون كركوك كردية قبل انتخابات عامة عراقية مقررة غدا السبت ومن المتوقع أن تضعف الأحزاب الكردية الرئيسية هناك.
وقال مريوان علي (28 عاما) وهو مقاتل سابق في قوات البشمركة الكردية ويعمل حاليا طاهيا في كركوك ”كانت لدينا أحلام كثيرة من أجل كردستان لكنها تبددت، خسرناها كلها“.
وأضاف أنه سيقاطع الانتخابات. وقال ”أرفض التصويت في أي انتخابات عراقية، لأي أحد يمثل جزءا من دولة العراق“.
وساعد علي ورفاقه في طرد تنظيم الدولة الإسلامية من كركوك بعدما فرت قوات الحكومة العراقية أمام زحف خاطف للمتشددين في عام 2014.
وبذلك سيطر الأكراد، الذين تعرضوا للاضطهاد لعقود في ظل حكم صدام حسين، على كركوك لأول مرة ونصبت حكومة إقليم كردستان في ذلك الحين تمثال المقاتل الكردي.
وتحالفت البشمركة مع الجيش العراقي وفصائل شيعية مسلحة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في 2017. لكن بعد هزيمة عدوهم المشترك، برزت على السطح الخصومة القديمة بين حكومة الإقليم وبغداد ولاسيما في كركوك.
وحسم قرار بضم كركوك إلى الاستفتاء المثير للجدل الذي نظمه الأكراد، وصوتوا فيه بأغلبية ساحقة في سبتمبر أيلول لصالح الاستقلال، مصير المدينة. ففي غضون أسابيع، تقدمت قوات الحكومة العراقية صوب المدينة وسيطرت عليها في غضون أيام.
والآن لا يسمح برفع أي علم بخلاف العلم العراقي.
وشكلت سيطرة الحكومة المركزية على المدينة ضربة مدمرة، إذ أنها أخذت معها جزءا كبيرا من إيرادات الإقليم النفطية كما مثلت خسارة رمزية يقول الأكراد إنها تركتهم في وضع مهين دفعهم للتفكير في المغادرة مرة أخرى.
وقال علي ماجد (67 عاما)، وهو أيضا مقاتل سابق تطوع بعد تقاعده لقتال تنظيم الدولة الإسلامية، متحدثا في مطعمه ”لا أتحمل رؤية علم كردي آخر يتم تمزيقه أمام عيني، الموت أهون علي من ذلك“.
وأضاف ”من المهين أن تكون كرديا هنا الآن في كركوك. تتعرض للمضايقة عند نقاط التفتيش، وتم نزع ملصق علم كردي من على سيارتي. تخلصت أيضا من البندقية التي كنت أحتفظ بها في بيتي، بعد عمليات تفتيش متكررة قامت بها الميليشيات الشيعية“.
وكان ماجد ضمن قلة من الأكراد لا يزالون يستخدمون اللباس الكردي التقليدي.
واختفت أيضا مظاهر أخرى تعبر عن القومية الكردية. وفي مدرسة استخدمت كمركز اقتراع في استفتاء سبتمبر أيلول ورقص الأكراد عندها في ذلك الحين، تدفق أفراد الشرطة الاتحادية العراقية يوم الخميس من أجل التصويت المبكر في الانتخابات.
*قومية مكتومة
قال ماجد إنه سيغادر كركوك إذا أضعفت نتيجة الانتخابات وضع الأكراد.
ويتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع يوم السبت، لأول مرة منذ هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، في انتخابات ستحدد شكل المساعي التي ستبذل لعلاج الانقسامات العميقة في البلاد وربما تحدث تحولا في توازنات القوى الإقليمية.
وتخوض الجماعات الطائفية والعرقية الثلاث الرئيسية في العراق، وهي الأغلبية الشيعية العربية والأقلية السنية العربية والأكراد، صراعا منذ عشرات السنين.
وفي كركوك، موطن كثير من الأقليات العراقية بمن فيهم الأكراد والتركمان والعرب السنة والمسيحيون الأشوريون، من غير المتوقع أن يتغير توزيع المقاعد على أساس العرق أو الدين.
وواجه الأكراد، المنتشرون في العراق وإيران وتركيا وسوريا، مصيرا وحشيا للغاية في ظل حكم صدام حسين الذي استخدم الغاز السام ضدهم ودفنهم في مقابر جماعية وأعطى أرضهم لعرب.
وبعد أن خاب أمل الكثيرين من الأكراد في النخبة السياسية التي قادت مساعيهم الفاشلة للاستقلال، قد يقوض التصويت القبضة التي يحكمها الحزبان الحاكمان في منطقة كردستان العراق على السلطة في الإقليم شبه المستقل منذ عام 1991.
وحملات الأكراد الانتخابية في كركوك خافتة. ونظم أنصار مرشحي التركمان والعرب السنة مواكب في مركز المدينة يوم الخميس، وأطلقوا العنان لأبواق سياراتهم ولوحوا بالأعلام، لكن لم تكن مثل هذه الضجة ملحوظة في الأحياء الكردية التي كانت أهدأ.
ويقول كثيرون من أبناء الأقليات الأخرى في كركوك إنهم سعداء بالعودة إلى سلطة حكومة بغداد.
وقال بشار عارف (45 عاما) وهو عامل تركماني في قطاع النفط بينما كان في مركز للتسوق ”الأمور أفضل الآن، الوضع أكثر نظاما. نفضل سيطرة الدولة العراقية هنا، ذلك لأنها حكومة شرعية… كان الوضع متوترا قبل أكتوبر“.
وتبدو عودة السيطرة الكردية أقل احتمالا منها في أي وقت مضى. وتقول وسائل إعلام كردية محلية إن قوات الأمن الكردية قد يكون لها دور في المستقبل في حفظ الأمن بالمنطقة وهو ما نفاه مسؤولون في الجيش العراقي.
وقال اللواء معن السعدي المسؤول بجهاز مكافحة الإرهاب في مكتبه بالمقر السابق للحزب الديمقراطي الكردستاني إنه لم ترد إليهم أي أوامر تقول إن البشمركة ستعود إلى كركوك.
وأضاف أن المدينة تحت السيطرة وأكثر استقرارا مما كانت عليه في ظل البشمركة.