حركة أمل اللبنانية تنسحب وفرنسا تهددها بفرض عقوبات
بخطىً متعثرة تسير عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وتمر بخلافات القوى السياسية الداخلية التي تسببت في تأخر إعلان الحكومة عن موعده المقرر طبقاً للخطة الفرنسية، وهو ما دفع الجانب الفرنسي إلى أن يمدد المهلة يومين جديدين.
على الجانب الآخر شهدت الساحة اللبنانية انسحاباً معلناً من حركة أمل من أي مشاروات حكومية، بعدما أصر رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب حرمانها من وزارة المالية، فيما حصل عربي بوست على بعض أسماء الوزراء المرشحين للحقائب الوزارية الجديدة.
أسماء الوزراء الجدد
في ظل تكتم الرئيس المكلف مصطفى أديب على أسماء وزرائه علم عربي بوست من مصدر مطلع بأسماء بعض الوزراء الجدد، وقد وزعها أديب على النحو التالي:
محمد الحاج وزيراً للمالية ـ من خارج الثنائي الشيعي- وحسان قباني وزيراً للاتصالات، ونانس ماتيو لوزارة الاقتصاد والتجارة، ورولان طنب لوزارة الصحة العامة، بعد أن حاول حزب الله الاستحواذ على الوزارة لصالحه، كما سيمنح وزارة العدل لنقيب المحامين ملحم خلف وهو محسوب على مجموعات 17 تشرين، بعد أن كانت وزارة العدل بحوزة التيار الوطني الحر في عدة حكومات سابقة.
ويؤكد المصدر أن أديب سيعين السفير غسان سلامة وزيراً للخارجية وهو مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا قبل سنوات، ويشدد المصدر أن اختيار سلامة أتى بناء على طلب فرنسي – إماراتي، حيث سيسعى أديب من خلاله إعادة التواصل مع دول الخليج والاتحاد الأوروبي لما له من علاقات دولية بناها خلال سنوات عمله بالأمم المتحدة.
أعلن رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس حركة أمل الانسحاب من المشاركة في الحكومة الجديدة، بعدما رفض رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب منح الحركة وزارة المالية في التشكيل الجديد.
انسحاب حركة أمل
قال المكتب الإعلامي لرئيس مجلس النواب في بيان له مساء أمس إن مشكلة تشكيل الحكومة ليست مع الفرنسيين، لكنها داخلية بين اللبنانيين أنفسهم، وانتقد البيان أن الحكومة ألقت لنفسها عنوان “الاختصاص مقابل عدم الانتماء الحزبي أو النيابي” واتهم البيان القائمين على تشكيل الحكومة بالاستقواء بالخارج، لذا قررت الحركة الانسحاب.
وقالت مصادر سياسية قريبة من دوائر تشكيل الحكومة لـ”عربي بوست” إن رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، قام بزيارة رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليلة السبت الماضي لإقناعه بضرورة التخلي عن مطالبته بوزارة المالية، وتثبيت مبدأ المداورة ـ تدوير الزارات بين القوى المختلفة ـ إلا أن برّي رفض طرح الحريري.
وأكدت المصادر، أن بري قال للحريري إن الموضوع غير قابل للنقاش، وليس هناك ما يستدعي تغيير موقفه وموقف حزب الله معه، فهو يرى أن تخليه عن الوزارة يمس الوجود الشيعي في الحكومة الجديدة.
ونقلت المصادر تفاصيل ما دار بينمها ببيت بري، وقالت: “شدد بري للحريري على أنه متمسك بوزارة المال حرصاً على الميثاقية الطائفية، وأنه لن يتنازل عنها. وسأل الحريري مستنكراً: “بماذا تفكرون؟ وكيف تناقشون معي هذا الأمر؟ خصوصاً بعد كل الضغوط التي نتعرض لها والعقوبات التي بدأت إدارة ترمب تفرضها علينا؟”.
من جهته رد الحريري خلال اللقاء على بري وقال له: “إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيتصل به ويدخل على الخط مباشرة، لإقناعه بالموافقة على التنازل عن وزارة المالية”، وهو ما رفضه برّي تماماً، وتمسك بأن يكون وزير المالية من اختيار الثنائي الشيعي ـ حركة أمل وحزب الله ـ مؤكداً للحريري أن الفرنسيين منذ زيارة اللواء عباس إبراهيم إلى باريس لم يغيروا موقفهم من شكل الحكومة وإمكانية توسيعها.
لقاء الحريري وبري
وتكشف المصادر أن ماكرون أجرى اتصالين بنبيه بري وليس اتصالاً واحداً، في الاتصال الأول رفض بري التنازل عن وزارة المالية، وأصر على التمسك بوزارة المال، ورفض التنازل عنها.
في الاتصال الثاني بين ماكرون وبري، عرض الرئيس الفرنسي ترشيح اسم شيعي لوزارة المالية بشرط ألا يكون منتمياً لحركة أمل أو حزب الله، لكن بري رفض أيضاً هذا العرض.
وكشفت المصادر أن ماكرون هدد بري وحزب الله بتوقيع عقوبات عليهما والوقوف مع واشنطن في ذلك إذا تسبب الثنائي الشيعي في عرقلة تشكيل الحكومة الجديدة، وأن العقوبات سوف تشمل كل القوى السياسية التي تعرقل الحكومة ولن تستثني العقوبات أحداً وستشمل عائلات ومقربي المعرقلين من الصف الأول.
ورأت المصادر أن بيان بري اليوم أتى كإعلان عن فشل الثنائي الشيعي في فرض شروطهما على الخطة الفرنسية في ظل موجة العقوبات الأمريكية.
سيناريوهات محتملة
من جهة أخرى يؤكد مصدر سياسي مطلع أن عدة حكومة أديب ينتظرها سيناريوهان، إما أن يوقع الرئيس ميشال عون على مرسوم تشكيلها ويحيلها للمجلس النيابي لمنحها الثقة، أو أنه سيحاول تأخير أديب عدة أيام قبل الإعلان الرسمي لترتيب ملف وزارتي الطاقة والمال مع حركة أمل والتيار الوطني الحر.
وقال المصدر السياسي إن عون يهدف من ذلك تأخير أديب عن المهل الفرنسية بعد تمديدها، ما يضطره لتقديم اعتذاره عن الحكومة ويُعلَن سقوط المبادرة الفرنسية، وهذا يعني أن القوى السياسية ستواجه عقوبات جماعية كبيرة.
حزب الله مع الحلفاء
وفق مصادر مقربة من حزب الله فإن الحزب ـ الذي التزم بالمبادرة الفرنسية ـ لن يشارك في حكومة حلفاؤه ليسوا بها، ولن يخوض أية مشاورات أو نقاشات حولها ولن يذهب إلى نقاش تفصيلي قبل حل القضايا الاساسية مثل وزارة المال ومشاركة التيار الوطني الحر ومحاولة سماع الرئيس المكلف لموقف باسيل، بعد أن أصر أديب على عدم التواصل مع باسيل واللقاء معه.
لذا وبحسب مصادر خاصة لـ”عربي بوست” فإن حزب الله استطاع إقناع الرئيس المكلف مصطفى أديب بالتواصل مع الوزير جبران باسيل – رئيس التيار الوطني الحر- حيث أجرى أديب اتصالاً مع باسيل لوضعه في أجواء التشكيلة الحكومية.
وحول ارتباط العقوبات التي وقعتها واشنطن مؤخراً على الوزيرين السابقين ـ المقربين من حزب الله ـ يوسف فينيانوس وعلي حسن خليل بملف تشكيل الحكومة، تقول المصادر إن الحزب يرى أن هذه العقوبات أصابت المبادرة الفرنسية قبل أن تصيب القوى اللبنانية، لذلك فإن عدم المشاركة في الحكومة وعدم إعطائها الثقة، ليس استهدافاً لباريس بل هو نتيجة طبيعية لممارسات واشنطن العدائية تجاه الحزب وحلفائه.
وترى المصادر أن الحزب لن يضغط على أي من حلفائه في نقاشات تشكيل الحكومة، وأن الرئيس عون إذا أراد التوقيع بالموافقة على التشكيل ولم يكن “الثنائي الشيعي” راضياً عنها فلن يمنحاها الثقة، وإذا رضيا عن التشكيل فيجب أن يريا تأييداً من جبران باسيل وميشال عون لمنحها الثقة.
فرنسا أمام تحد كبير
على الجانب الآخر يؤكد مصدر دبلوماسي لـ عربي بوست أن الإدارة الفرنسية أمام تحدِ كبير في حال قررت القوى السياسية اللبنانية الممتعضة من التشكيل المقترح للحكومة – حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر – مقاطعة الجلسة أو رفض منحها الثقة في البرلمان.
وفي تلك الحالة سوف تفشل كل مساعي إنجاز حكومة كفاءات لا قوى سياسية، وسوف تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، حينها وبحسب المصدر فإن باريس ستكون قد خسرت رهانها على حل المعضلة اللبنانية، ما يضع فرنسا في حرج أمام الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لاتهامها بالفشل في لبنان، وهو ما سوف ينعكس سلباً عليها في أزمات أكبر بالشرق الأوسط.
لذا ـ كما يؤكد المصدر ـ فإن ماكرون لن يسمح بفشل مبادرته، خاصة في ظل توتر علاقته بتركيا، وكشف المصدر أن ماكرون سوف يجري الليلة اتصالاً بالرئيس الإيراني حسن روحاني للتوسط لدى الثنائي الشيعي لعدم عرقلة إنجاز الحكومة الجديدة، فيما ينتظر الفرنسيون إعلان الحكومة الجديدة ليبدأوا بتجهيز مؤتمر الدعم المزمع عقده في باريس مطلع الشهر القادم، والذي يهدف لجمع مساعدات سريعة ومشاريع للحكومة اللبنانية القادمة.