“حد السكين”.. فيلم ناطق بلغة يتحدثها 20 شخصاً في العالم فقط
هناك كثير من الأفلام التي تكون غير مفهومة إلى حدٍّ ما، لكن هناك فيلم سينمائي قادم ناطقٌ بلغة لا يستطيع تحدثها بطلاقة إلا نحو 20 شخصاً فقط في العالم بأَسره!
وحسب صحيفة The Guardia “الجارديان”البريطانية، يستطيع الجمهور فهم الفيلم الروائي «SGaawaay K’uuna» ومعنى اسمه «حدّ السكين»، عن طريق الترجمة المصاحبة له، وقد كان عرضه الأول بالمملكة المتحدة في أبريل/نيسان 2018.
لهجة «شعب هايدا» مهددة بالاندثار
الفيلم ناطقٌ بلهجتين من لهجات لغة هايدا المهددة بالاندثار بشكل كبير، وهي لغة أجداد شعب هايدا في كولومبيا البريطانية. وهذه اللغة ليست مرتبطة بأي لغة أخرى، واضطر الممثلون إلى تعلُّمها لفهم حوار الفيلم.
قال غواي إدنشو، مخرج الفيلم، إن الفيلم يؤدي دوراً مهماً في الحفاظ على هذه اللغة. وقد صرح لصحيفة The Guardian البريطانية قائلاً: «أعرف أنه إذا اندثرت لغتنا إلى هذا الحدُّ، فإنها ستنتهي تماماً إحصائياً، لكننا لن نرضى بحدوث ذلك».
شعب الهايدا هو مجتمع من السكان الأصليين الأوائل، وتُعرف أرضهم الأصلية بهايدا غواي (جزر الملكة تشارلوت سابقاً)، وهي أرخبيل من الجزر المُشجرة قبالة الساحل الغربي لكندا.
قال إدنشو إنَّ معظم متحدثي لغة الهايدا بطلاقة كانوا في موطنه هايدا غواي. وأضاف: «هناك أيضاً نزر يسير من المعرفة عن الجزيرة التي يتحدث سكانها تلك اللغة». يتحدث إدنشو نفسه لغة الهايدا بعض الشيء، ولكن ليس بطلاقة، لأنه تعلَّم في المدرسة باللغة الإنكليزية.
أضاف أيضاً أن المجتمع يعيش قبالة البحر بشكلٍ عام، وأنهم يصنعون قوارب التجديف والمنازل من أخشاب الأَرز الأحمر المحلية. وقد تضاءلت كثافتهم بشكل كبير جراء تفشي الجدري وغيره من الأمراض في القرن التاسع عشر، لتنحسر أعدادهم إلى بضعة آلافٍ اليوم بعد أن كانت تُقدَّر بعشرات الآلاف.
قال إدنشو إن المتحدثين بلغة الهايدا القليلين ينتابهم قلقٌ كبير بشأن مستقبل لغتهم، وإنهم متحمسون للغاية للفيلم. وقال: «كان علينا الاعتماد على كبار السن بشكل كبير من أجل الترجمة، وقد كتبنا النصوص بحروف إنكليزية».
فلجأوا إلى إنتاج فيلم سينمائي للتعريف بها
عمِل أكثر من 70 شخصاً من السكان المحليين في إنتاج الفيلم، وأدى متحدثو الهايدا أدواراً ثانوية، وصنع النساجون أزياء الفيلم، في حين صنع الحرفيون محتويات المناظر أو الإكسسوارات.
وترتكز قصة الفيلم، الذي تدور أحداثه في هايدا غواي بالقرن التاسع عشر، على أسطورة قديمة لشعب الهايدا عن رجل ينجو من حادث في البحر، ليضعف بعد ذلك كثيراً وتسيطر عليه مخلوقات خارقة للطبيعة.
ويُعدُّ الفيلم جزءاً من جهود أكبر للحفاظ على لغة الهايدا، وضمن ذلك وضع معجم جديد وتسجيل الأصوات المحلية.
قال إدنشو إن لغة الهايدا تستخدم كثيراً من «الأصوات الحلقية والوقفات المزمارية» التي احتاج الممثلون تعلُّمها، لأنها تختلف عن أصوات اللغة الإنكليزية، فضلاً عن اللغات الأخرى. «فرفعُ نبرة الصوت في الجملة للإشارة إلى أن ما تقوله سؤال في اللغة الإنكليزية، ليس موجوداً في لغة الهايدا. هناك رفع للنبرة، ولكن الجزء الدال على السؤال يأتي في منتصف الجملة».
كان هذا من بين التفاصيل التي كان على الممثلين غير المتحدثين بلغة الهايدا تعلُّمها على مدى شهور قبل التصوير.
إن عام 2019 هو عام منظمة اليونيسكو للغات الأصلية، وهو يهدف إلى «صونها، ودعمها، والترويج لها» على مستوى العالم.
قال مارك تورين، أستاذ الأنثروبولوجيا المشارك بجامعة كولومبيا البريطانية والمتخصص في اللغات المهدَّدة بالاندثار، لصحيفة The Guardian، إن نحو نصف ما يصل إلى 7100 لغة حول العالم «مهدَّدة بشكل كبير»، وسيتوقف استخدامها بوصفها لهجات عامية يومية بنهاية هذا القرن، إلا إذا قمنا بشيء حيال ذلك.
ويوجهون الاتهام إلى الاستعمار البريطاني بإضعاف لغتهم
وأضاف أن الاستعمار قد أضر كثيراً باللغات الأصلية على مدار التاريخ، حتى إن بعض المجتمعات مُنعت من استخدام لغاتها الأصلية.
وتابَع: «ومن بين الفظائع الثابتة للاستعمار البريطاني الاقتناع بأن لغة واحدة -وهي الإنجليزية- ستكون مناسبة لجميع التفاعلات والأنشطة. وأضر الاستعمار كثيراً بانتقال اللغة بفاعلية من جيل إلى جيل. فمن الصعب جدّاً على المرء أن يعيد تعلُّم لغةٍ ما، بعد التوقف استخدامها».
وأشار تورين إلى بحوث حديثة أظهرت علاقة بين استدامة اللغة الأصلية وتناقص عدد حالات انتحار اليافعين في المجتمعات الأصلية، قائلاً: «إن استخدام لغتك الأصلية ليس كتعلُّم اللغة الفرنسية في المدرسة، بل إن الأمر له تداعيات على الصحة العامة».
وأضاف أن لغة الهايدا من بين اللغات التي «كادت تصل إلى شفا الهاوية»، ولكن في حين تحاول كثير من المجتمعات الأصلية حول العالم إعادة إحياء لغاتها، فإن شعب الهايدا قد اتبع أسلوباً مبتكراً. «حقق هذا الفيلم –الذي شاهدتُه وأحببتُه– شيئاً لا أعتقد أنني شهدته من قبل، وهو استخدام فيلم روائي بوصفه أداة لإعادة إحياء اللغة… إن هذه فكرة مبدعة تدل على قوة إخلاص هذا المجتمع».
ويُعدُّ العرض الأول في المملكة المتحدة جزءاً من مهرجان أفلام كندا الآن، الذي يعرض الأفلام السينمائية الكندية الجديدة، في كورزون سوهو، بلندن، في الفترة من 24 إلى 28 أبريل/نيسان 2019.