حديث السنوار و”حماية الرئيس”!
يوما بعد آخر يتجه يحيى السنوار رئيس حركة حماس في قطاع غزة، لتكريس ذاته، كقائد من “طراز مختلف”، وكما أسميته يوما في مقال سابق، انه قائد بلا مكياج، فتح بابا للتواصل كسر به “قواعد العلاقة المعروفة” للتواصل المجتمعي، بعيدا عن مواقع التواصل الإجتماعي وأشكالها..
خلال فترة وجيزة، إنتقل السنوار من “ظاهرة عسكرية” له ما له وعليه ما عليه، الى حديث الشارع الفلسطيني، بل ومحيطه، كسياسي غير الذي سبق، بساطته المظهرية وبساطته في العلاقت الوطنية، ووضوح اللغة والتزاما بقول..
يحيى السنوار، إجتهد في شكل العلاقات مع أوساط المجتمع بلقاءات مباشرة مع مختلف الفئات، سياسية وإجتماعية، اعلام ومثقفين، شباب ورجال اعمال، مظهر جديد لم يمارسه قبلا سوى الخالد ياسر عرفات..فكان ما كان من إهتمام خاص لـ”الظاهرة السنوارية”!
“أحاديث السنوار”، باتت “حدوتة فلسطينية”، ولأنها أصبحت حدثا، وليس خبرا، حدثا بأثر وتأثير، ما يفرض التدقيق من الآن ولاحقا، في بعض أحكامها السياسية التي يقولها السنوار، برمزيته الخاصة، لم يعد الحديث تعريفا بموقف، او شرحا لحالة أو مشهد، بل تحولت الى جزء من الرؤية التي يبنى عليها، وبها “أحكام سياسية – إجتماعية”، وعليه من الهام جدا أن يتم الإدراك أن ما يقال يصبح جزءا من الموقف السياسي..
يوم 19 أكتوبر 2017، التقى السنوار مع مجموعة شبابية في قطاع غزة، تحدث في ما كان وما سيكون فتح باب الخزنة السياسية التي لديه ووضعها على طاولة النقاش، بلا رتوش، سياسة وأمنا، وعسكرية، حديث أثار “شهية الاعلام” اكثر من الساسة لما حمل من “عبارات إثارة”، حول المصالحة وصفقة الأسرى المحتملة، وأن قادة العمل الوطني داخل السجون جزءا منها، الى جانب الرد العسكري لو تطاولت اسرائيل على قطاع غزة، والاعتراف بالكيان، ولكن الأكثر إثارة سياسية ما قاله عند دعوته الرئيس محمود عباس وفتح للقدوم الى قطاع غزة وبدء حركة العمل..
السنوار بمنطق الحريص على ترسيخ الطمأنة الى الحد الأقصى، تحدث أنه سيسهر شخصيا على “أمن الرئيس وراحته”، قول إحتل مساحة واسعة في الترجمة الاعلامية، والحقيقة أنه القول الأكثر استحقاقا للنقاش من غيره من أقوال “سنوارية”..
بكل “نية حسنة” ولكثير من الطمأنة الشخصية للرئيس عباس، قال يحيى السنوار ما قال، لكن الحديث حمل رسالة بقصد أو بدونه، أن “الأمن العام” في قطاع غزة هو أمن حمساوي بامتياز، وأن حماية الرئيس هي من إختصاص ذلك الأمن، رسالة جانبها الصواب السياسي بكل ما للكلمة من معان وليس معنى..
من حق السنوار أن يقول أن حماس ستكون “جدارا واقيا” مع كل فصائل العمل وأمن السلطة وحرس الرئيس لتوفير الأمن في قطاع غزة، وقطع دابر أي فضوى أمنية، وأن حماس ستكون جزءا من قوى العمل الوطني التي تساهم في ترسيخ النظام العام، وإنجاح قوى الأمن الوطني مع عودة السلطة بكل مؤسساتها الى قطاع غزة..
الحديث الشخصي عن أمن الرئيس، بكل ما حمل من بادرة شخصية مريحة، وتعكس تطورا هاما في إدراك العلاقة الوطنية، خاصة مع الرئيس بصفته، لكنها فتحت مخاوف لعدم القدرة على الفصل عند قيادة حماس، ورمزها السنوار، بين أمن السلطة وما له وقوة حماس الأمنية..
عبارة خرجت لتفتح بابا لا يخدم مجرى تعزيز قاعدة التصالح، وهو ما يحتاج توضيحا جادا وبلا أي التباس، ان الحديث يأتي في سياق دور حماس كفصيل في ترسيخ المنظومة الأمنية للسلطة الوطنية في قطاع غزة، مع القوى الوطنية، وقطع الطريق على أي فوضى أو عبث، وأن أمن الرئيس العام هو المشار له، وليس الأمن الخاص بالمفهوم المتعارف عليه، فنظريا لا خطر على حياته في قطاع غزة عند عودته لممارسة نشاطاته من مقر الرئاسة في المنتدى الشهير، لو قرر ذلك..بل هو أكثر في قطاع غزة من الضفة المحتلة، والتي يمارس كل نشاطاته من خلال المقاطعة لا غير!
التدقيق السياسي أحيانا ضرورة، وليس كل “عفوية سياسية” تصل الى مرام قائلها..فجهنم مبلطة بأصحاب النوايا الطيبة..
السنوار بات ظاهرة سياسية وعنوانا ليس لشباب حماس فقط، بل لخارجها وربما بأكثر من داخلها، ما يستوجب الاهتمام والانتباه أيضا!
ملاحظة: من مظاهر “كوميديا الزمن الراهن” توقيع خارجية السلطة على مشروع لتعزيز “حقوق الانسان” في فلسطين..لا نعلم أي جرأة تلك التي حدثت وسط كل “جرائم الحرب” على الرأي حرية ومؤسسات، وقبلها حصار قطاع غزة!
تنويه خاص: بعد أن إستجاب الرئيس عباس لضغط شعبي عام لشكر مرزوق الغانم، بعد أيام من الحدث، وبعد أمير الكويت، أصبح لزاما عليه منحه “وسام فلسطين”..لو صدقت برقية الشكر والتقدير!