حتى ما تفكر به صار مسموعاً للمساعد الإلكتروني.. جهاز جديد يتنصَّت على “صمتك”!
كنتَ قد قرأتَ أيَّ نوعٍ من الخيال العلمي، فمن المحتمل أنك سمعت عن إصدار الأوامر للأجهزة بصمت، عبر الحديث إلى نفسك دون صوت، أو كلام رأسك الداخلي، بدون النقر أو اللمس أو النطق. لكن هذا الخيال العلمي صار واقعاً بالفعل، فقد أعلن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا عن جهاز يمكنه “سماع” الكلمات التي تقولها دون صوت داخل رأسك، كأنه المساعد Siri بـApple، لكنه يسمع أوامرك الداخلية (غير المنطوقة) بدون أن تقولها بصوت مسموع. ويستطيع الجهاز الذي يطلق عليه اسم AlterEgo التعرف على كلامك بصمت مع نفسك، ويتخذ إجراء بناءً عليه لخدمتك. كيف يعمل إذاً؟ تلتقط الأقطاب الكهربائية في الجهاز الإشارات العصبية العضلية في الفك والوجه التي يسببها “الكلام الصامت”، أو قول الكلمات “في رأسك”، بطريقة صامتة، وغير قابلة للكشف والملاحظة بالنسبة للعين البشرية، ويتم تغذية الإشارات لنظام التعلم الآلي بالجهاز الذي تم تدريبه على ربط إشارات معينة بكلمات معينة.
كيف يتعرَّف على كلامك الصامت؟
يبدو النموذج الأولي، كما هو موجود الآن، كسماعة رأس بيضاء يمكن أن يرتديها الشخص عبر الهاتف. لكن بدلاً من الميكروفون الذي يوضع أمام شفاهه، يلتصق الوجه والرقبة، حيث تلتقط مجموعة من الأقطاب الكهربائية الإشارات الكهربائية الصغيرة التي تولدها حركات العضلات الداخلية الدقيقة، التي تحدث عندما تتحدث بصمت مع نفسك. يتصل الجهاز عبر البلوتوث بجهاز كمبيوتر، الذي يتصل بعد ذلك بخادم يقوم بتفسير الإشارات لتحديد الكلمات التي يعبر عنها مرتديها. وتمثل هذه الفكرة خروجاً عن المألوف إذا تمت مقارنتها بالأجهزة التي نتفاعل معها عن طريق اللمس، مثل الهواتف الذكية، أو الكتابة، أو الضغط والنقر، والنقر المزدوج، مثل أجهزة الحاسب اللوحية والعادية. وأيضاً تمثل تطوراً كبيراً بالمقارنة مع المساعدين الرقميين الذين يعتمدون على مكبرات الصوت، ويتفاعلون مع أوامرنا الصوتية مثل Siri، الخاص بـApple، أو Alexa، أو مساعد Google، إذ تتطلب هذه الخدمات منك أكثر من التحدث بصمت لنفسك. ببساطة تشبه التكنولوجيا الجديدة نسخة من Siri، لكن لا تحتاج سوى همساتك الصامتة لتقوم بتنفيذ أوامرك. ولا تبدو فكرة ارتباط التفاعلات الداخلية الصامتة بتغيرات جسدية جديدة، فهي موجودة منذ القرن التاسع عشر، لكن تخصيصها وتوفيقها مع أجهزة الكمبيوتر هو أمر جديد تماماً. وكانت الخطوة الأولى للباحثين هي تحديد أي المواقع على الوجه هي مصادر الإشارة العصبية العضلية الأكثر موثوقية.
عبقري العمليات الحسابية الصعبة!
يتيح الجهاز للمستخدم إصدار الأوامر، مثل إجراء عمليات حسابية صعبة والحصول على نتائجها من دون صوت ولا نقر على أجهزة، فقط بحديث النفس الصامت، الذي يستطيع الجهاز قراءته وربطه بالحاسب أو الهاتف الذكي. وقد استخدم أحد الأشخاص الجهاز لإخبار الآخرين بخطوات المنافسين بصمت في لعبة شطرنج، وتلقي الاستجابات الموصى بها من الكمبيوتر من دون صوت على لوحة ترقيم الشطرنج. شاهد: نموذج تطبيقي للجهاز أرناف كابور، طالب الماجستير في مختبر MIT بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الذي يختص بالعلاقة بين البشر والتكنولوجيا، يؤكد أن الجهاز لا يقرأ الأفكار أو يفهم عشوائياً الكلمات التي يُمرِّرها عقلك، وإنما يصل ما بين التفكير والحديث. “أنت صامت تماماً، لكن تحدث نفسك. إنه لا يفكر ولا يتحدث. إنه مكان جميل بينهما، وهو أمر طوعي وإرادي، ولكنه أيضاً خاص. يستطيع الجهاز أن يلتقط ذلك” كما يقول كابور.
مَن سيستفيد من الجهاز الجديد؟
الهدف من ابتكار الجهاز هو المزيد من التقارب والتفاعل بين البشر والتكنولوجيا، كما يقول كابور مخترع الجهاز. وكلما ازداد تفاعلنا مع أجهزة الكمبيوتر، استفدنا أكثر من نقاط قوتها -مثل الحصول بسرعة على مساعدة في حلِّ مشكلة في الرياضيات أو ترجمة- دون الحاجة إلى البحث أو النقر أو الكتابة. أو يمكن أن تكون التقنية الجديدة بديلاً عن أجهزة التحكم عن بعد (الريموت)، التي تعتبر مملة أحياناً وسهلة الضياع! ولكن في صمت تام. كما يبدو AlterEgo واعداً للأشخاص ذوي الإعاقة، أو الشلل. ولكن يقول كابور إنهم لم يتمكنوا من دراسة هذا التطبيق عملياً حتى الآن. من جانبها، تقول باتي مايس، الأستاذة في فنون الإعلام والعلوم ومستشارة كابور: “لا يمكننا أن نعيش في الأساس من دون هواتفنا الجوّالة، أو أجهزتنا الرقمية”، “لكن في الوقت الحالي، فإن استخدام هذه الأجهزة مثير للاضطراب”. وتتابع: “فإذا كنت أريد أن أبحث عن شيء ما ذي صلة بالمحادثة التي أجريها مع صديق، فيجب أن أجد هاتفي، وأكتب رمز المرور، وأفتح تطبيقاً، وأكتب بعض الكلمات الرئيسية للبحث. ويتطلب الأمر كله أن أحوّل الانتباه تماماً عن بيئتي والناس الذين أتعامل معهم على الهاتف نفسه”. لذلك، ظلوا لفترة طويلة يجربون طرقاً بديلة تمكن الناس من الاستفادة من جميع الخدمات التي تقدمها هذه الأجهزة للبشر.
المرحلة الأولى بدأت، هل تهدد خصوصيتك؟
لا تزال التكنولوجيا في مراحلها الأولى، لذا فإن كل تطبيق لديه القدرة على تعلم حوالي 20 كلمة مختلفة، فيما لا يستطيع النظام فهم كل كلمة يقولها أي شخص، بل فقط تلك التي تم تعليمها. هذا، ويقول كابور إن التحدث إلى نفسك عمداً، ولكن عدم قول أي شيء بصوت عال، هو ممارسة سهلة التعلم، مؤكداً أنه عند تدريب شخص ما على استخدامه، يبدأ الطلاب بسؤالهم قراءة مقطع بصوت عالٍ، ثم يعبرون عن الكلمات، وهذه مرحلة أكثر راحةً من التحدث بصوت عالٍ. من أجل بناء النظام، استخدم كابور أداة ذكاء اصطناعية شائعة تسمى الشبكة العصبية، والتي يمكن أن تتعلم من مدخلات البيانات. لقد قاموا بتدريب الشبكة العصبية على التعرف على كيفية تطابق الإشارات الكهربائية المختلفة مع الكلمات المختلفة التي يمكن للشخص أن يقولها لنفسه. تثير التقنية أيضاً الكثير من الأسئلة حول الخصوصية، فربما تخشى من الهمس لنفسك أو حتى التفكير غير المنطوق في رأسك خوفاً من وصول ما يجري برأسك بصمت للجهاز وإفشاء أسرارك لجهاز أو لشخص لا ترغب في أن يعرف ما يجري برأسك!
هل تستخدم هذه التقنية عسكرياً؟
في حين أنه من السهل رؤية التطبيقات العسكرية لمثل هذا الجهاز، قال أستاذ من كلية الحوسبة في جامعة جورجيا للتكنولوجيا، ثاد ستارنر، في بيان على موقع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا على الإنترنت إنه يستطيع تصور “العمليات الخاصة” باستخدام مثل هذا الجهاز .
المراحل التالية أكثر سلاسة
يرى كابور أنه يُمكننا عبر اختراعه سد الفجوة بين أجهزة الكمبيوتر والبشر، أما السيناريو المثالي في هذا الجانب هو الذي يمكن للناس من خلاله أن يعززوا أنفسهم مع الذكاء في نظام الذكاء الاصطناعي بسلاسة وفي الوقت نفسه فوراً بلا إبطاء. لذلك، فإن الخطوة التالية حسب مخترع الجهاز ستكون العمل على نموذج للجهاز ، بحيث يكون “غير مرئي أكثر”. يتعلق الأمر بكل شيء عن هذا الاندماج السلس، ولذلك فلن تبدو الإصدارات المستقبلية وكأنها سماعة رأس.