جون بولتون منبوذ.. ماذا يعني ابعاده عن حضور اجتماعات ترامب للأمن القومي؟
تاريخياً، كانت قرارات الأمن القومي في الولايات المتحدة تُتَّخذ بعد مداولاتٍ متأنية. واعتمد الرؤساء السابقون كثيراً على مستشاري الأمن القومي لتنسيق تلك المناقشات المهمة بين أعضاء مجلس الأمن القومي ثُم تقديم المشورة بشأن مجموعة كاملة من الخيارات، وأفغانستان لم تكن استثناءً من ذلك. إذ درس أسلاف الرئيس ترامب كيفية تحديد حجم الوجود المدني والعسكري الأمريكي هناك، وكيفية التنسيق مع الحلفاء، ومدى كثافة الاستثمار في المسار الدبلوماسي، كل ذلك بعد التشاور مع مستشاريهم للأمن القومي.
مع ذلك، سلك ترامب نهجاً خطيراً مختلف. وتُنذِر عملية صنع القرار التي يتبعها، والتي تتضمن تهميش مستشاره للأمن القومي، بصدور إعلانات سياسة ذاتية وغير مُلِمَّة بالموضوعات يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة. هذا ما قالته سامانثا فينوغراد، محللة شؤون الأمن القومي لدى شبكة CNN الأمريكية وعضوة مجلس الأمن القومي الأمريكي السابق إبَّان إدارة أوباما.
بولتون محروم من المشاركة
وفقاً لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، حُرِمَ مستشار الأمن القومي جون بولتون من حضور نقاشاتٍ حساسة بشأن أفغانستان، بسبب مخاوف من أنَّه ربما يُسرِّب معلومات ويصطدم مع الرئيس. يأتي هذا عقب تقارير تحدثت عن غياب بولتون عن لقاء ترامب الأخير مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون وكذلك عن لقاء ترامب عام 2018 مع مسؤول كوري شمالي كبير.
والفجوة بين مواقف بولتون وترامب بشأن قضايا رئيسية أمرٌ معروف، إذ دعم بولتون توجيه ضربات عسكرية استباقية ضد كوريا الشمالية قبل أن يصبح مستشاراً للأمن القومي، وقال إنَّ المسار الدبلوماسي مع بيونغ يانغ «روَّعه».
وأثار بولتون غضب الكوريين الشماليين -وحجَّمه ترامب بعدها- بعدما أشار إلى النموذج الليبي لنزع السلاح النووي من كوريا الشمالية. (تخلَّت ليبيا عن أسلحتها النووية، ثُم أُطِيح بزعيمها القذافي وقُتِل).
ثُمَّ هناك القضية السورية، إذ قال بولتون إنَّ الولايات المتحدة ستبقى حتى القضاء على الوكلاء الإيرانيين، ثُمَّ أعلن ترامب بعد بضعة أشهر انسحاباً مُخطَّطاً، في حين لم يُنفِّذ تعهُّد بولتون بصورة كاملة. وفي الوقت نفسه، يتعارض استعداد ترامب للقاء الرئيس الروحاني حسن روحاني مع دعوات بولتون في الماضي، إلى تغيير النظام في إيران.
الإدارة الأمريكية تتجه نحو الخيارات الدبلوماسية
وفيما يتعلَّق بأفغانستان، تصادم بولتون وترامب أيضاً، إذ شكك بولتون –والمنتقدون الآخرون للانخراط مع «طالبان»- فيما إذا كان بالإمكان الثقة بـ «طالبان» حقاً، وبنظرة أوسع، يُفضِّل بولتون الاستجابات العسكرية، وليست السياسية، للمشكلات السياسية الخارجية.
تقول فينوغراد: «يبدو أنَّ ترامب لا يشاطر بولتون المخاوف نفسها بشأن مباحثات السلام بين الولايات المتحدة وطالبان. لكن لا شك في أنَّ رفضه المستمر لبولتون سيؤثر في أعضاء فريق الأمن القومي الآخرين. ففي حين أنَّ حجب ترامب للمعلومات ليس أمراً جديداً عليه، فإنَّ حرمان بولتون من الحضور لأنَّ لديه وجهة نظر مختلفة قد يقود المسؤولين الآخرين إلى كتمان تحليلاتهم وآرائهم الكاملة عن الرئيس؛ خشية تعرُّضهم لتهميشٍ مماثل. وإذا لم يجرِ إطلاع الرئيس على المجموعة الكاملة من التحليلات والخيارات بشأن أفغانستان، فإنَّه قد يتخذ قراراتٍ تستند إلى نظرة مُحرَّفة للواقع أو الأولويات السياسية».
وعلى الصعيد الخارجي، يرسل إبعاد بولتون إشاراتٍ إلى نظرائه الدوليين بأنَّه ربما لا يستأهل الانخراط معه. وقد يقود هذا الدول الأخرى إلى التوجه مباشرةً نحو ترامب بدلاً من العمل عبر القنوات القائمة التي أوجدت عملية تدقيق ونقاش لتحديد الجدوى، كما تقول فينوغراد.
همزة وصل معطوبة
لكنَّ الحقيقة هي أنَّ ترامب كان يتجاهل بولتون ومعظم أعضاء فريقه للأمن القومي قبل حتى أن تتصدَّر قضية أفغانستان المشهد وتحتل المركز فيه. وعلى الرغم من التشاور مع مجلس الأمن القومي، اتخذ ترامب قرارات أمنٍ قومي رئيسية تتعارض مع نصائحهم، وضمن ذلك تخفيض القوات في سوريا.
مع ذلك، قدَّمت إدارة ترامب الشهر الماضي أغسطس نَص لقاءٍ عقده ترامب مع فريقه للأمن القومي بشأن أفغانستان. ربما كانت الإدارة تحاول الإشارة إلى أنَّ الرئيس يفعل شيئاً غير مُتوقَّع منه: التنسيق مع فريقه بشأن قضايا الأمن القومي الرئيسية.
لكن سرعان ما أصبحت الفكرة خيالاً حين أعلن ترامب على إذاعة Fox News Radio، أنَّ الولايات المتحدة ستُخفِّض قواتها في أفغانستان. وقال ترامب هذا، في حين كان مبعوثه الخاص للمصالحة الأفغانية متعمِّقاً في المفاوضات مع «طالبان».
تريد «طالبان» مغادرة كل القوات الأمريكية من أفغانستان، والتزام الرئيس تخفيض عدد القوات ربما فاجأ فريقه وقلَّص قدرتهم على استغلال فكرة تقليص عدد القوات كورقة مساومة للحصول على تنازلٍ في المقابل من «طالبان».
تقول فينوغراد: «كانت هذه إصابة ذاتية، كان من الممكن تجنُّبها في حال كان هناك مستشارٌ للأمن القومي يحظى بالدعم يُنسِّق عمليات مجلسٍ للأمن القومي يحظى أيضاً بالدعم».
ظروف غير مواتية
بصفة بولتون مستشاراً للأمن القومي، يجب أن تتضمَّن مسؤولياته متابعة ما إذا كانت قرارات الرئيس متسقة مع استراتيجيته المُعلَنة بشأن قضايا بعينها. وفي حين دعا ترامب إلى الانسحاب من أفغانستان قبل أن يصبح رئيساً، فإنَّه تراجع عن هذا بمجرد أصبح رئيساً وأرسل مزيداً من القوات إلى أفغانستان. آنذاك، قال ترامب إنَّ الظروف على الأرض، وليست الجداول الزمنية التعسفية، هي ما ستحدد أي جداول زمنية لخفض الوجود الأمريكي.
لكن حين أعلن ترامب هذا الأسبوع، أنَّه سيُخفِّض عدد القوات الأمريكية، لم يكن واضحاً إن كانت الظروف في أفغانستان تحسَّنت أم لا.
فعديد من تيارات «التهديدات الإرهابية» لا تزال نشطة في أفغانستان بحسب واشنطن، وضمن ذلك «طالبان» وتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). في الوقت نفسه، تُعَد قوات الأمن الأفغانية في أسوأ حالاتها منذ سنوات، وتفتقر إلى القدرة على السيطرة على الأراضي المُحرَّرة.
ولتعقيد الأمور أكثر، قال ترامب إنَّ بإمكانه أن يُنهي الحرب بأفغانستان في غضون أسبوع ويمحو البلاد من على وجه الأرض (لكنَّه لا يريد قتل 10 ملايين شخص). إنَّ واحدة من أولى خطوات التعامل مع تهديد هي فهمه، وحين يصدر ترامب بياناتٍ كهذه، فإنَّه يشير إلى جهله بما يتعلَّق بالجهة التي تقاتلها أمريكا حقاً في أفغانستان. تقول فينوغراد: «إنَّ أفغانستان دولة حليفة للولايات المتحدة، وجزءٌ من مهمتنا هناك حماية الشعب الأفغاني».
وتختم بالقول: «باختصار، لا يبدو أنَّ ترامب يدرك مدى تعقيد ما هو مطلوب في أفغانستان، والذي يستدعي عملية سياسية محسوبة بدقة. لكنَّ تهميشه لبولتون –وإساءة استخدام مجلس الأمن القومي- يشي بأنَّه يُركِّز فقط على الخروج من أفغانستان، بصرف النظر عن النتائج.