جولة كوشنر الغامضة لصفقة القرن تغضب اليمين الإسرائيلي
يبدو أن جولة جاريد كوشنر في الشرق الأوسط هذا الأسبوع لم تغضب فقط العرب المتخوفين من التفريط في حقوق الفلسطينيين، بل أغضبت اليمين الإسرائيلي أيضاً والذي أخذ يستخدمها في مهاجمة نتنياهو.
صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية أشارت في تقرير لها إلى أن نفتالي بينيت زعيم حزب البيت اليهودي شن هجوماً على جولة صهر ترامب، مُحذِّراً من أنَّ كوشنر ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيُقيمان دولة فلسطينية في مناطق من الضفة الغربية بعد انتخابات التاسع من أبريل/نيسان.
وشملت جولة كوشنر تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت، أجرى كوشنر محادثات تناولت الشق الاقتصادي من مبادرة السلام.
وحضَّ بينيت الناخبين اليمينيين الراغبين في تجنُّب سيناريو كهذا على التصويت لحزبه. ورداً على هذا، هاجم حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، مؤكِّداً أنَّ وحده نتنياهو سيكون قادراً على الصمود في وجه الضغوط الدولية.
استبشروا خيراً بتصريحات ترامب قبل عامين
يذكرنا هذا الخلاف السياسي كيف كان اليمين الإسرائيلي قبل عامين فقط في حالة نشوة بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
قال ترامب في أول ظهور له مع نتنياهو في فبراير/شباط 2017 إنَّه لا يكترث بما إذا كانت تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ستتضمَّن حل دولة واحدة فقط أو حل الدولتين. وأصدرت إدارته أيضاً بياناً يؤكِّد أنَّ المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة ليست هي العقبة الرئيسية في طريق السلام.
شهد رد الفعل في إسرائيل بدء تيار اليمين حملة ضغطٍ تهدف لإقناع نتنياهو بـ»انتهاز الفرصة التاريخية» التي أوجدتها إدارة ترامب وضم بعض المستوطنات من جانب واحد.
لكن بعد مرور عامين، يبدو كل هذا كما لو كان جزءاً من قصةٍ ملحمية بعيدة. فاليمين الإسرائيلي يستخدم ترامب الآن في دعايته، ليس باعتباره فرصة على نتنياهو انتهازها، بل تهديد يجب الاحتراس منه.
لكن ليس حزب بينيت وحده الذي يُروِّج لرسالةٍ كتلك، بل أيضاً أحزاب تقع على اليمين منه وحتى بعض العناصر داخل حزب الليكود. وفي غضون ذلك، تتجاهل الأحزاب الوسطية أو اليسارية في الغالب خطة ترامب للسلام، لأنَّهم –حالهم حال أحزاب اليمين- لا فكرة لديهم عن محتوى الخطة الفعلي.
كان الذعر لدى تيار اليمين بادياً في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع بعدما أجرى كوشنر مقابلةً جديدة مع قناة سكاي نيوز عربية، والتي أدَّت إلى خروج بعض عناوين الأخبار الغامضة بشأن خطته للسلام.
لم يكشف كوشنر، وهو مبعوث خاص لترامب أي تفاصيل مهمة حقاً، لكنَّ تصريحاته هيمنت فوراً على وسائل الإعلام في إسرائيل. وتساءل بعض المُعلِّقين لِمَ قرَّر إجراء المقابلة بالأساس: هل توقَّع التأثير الذي ستتركه على الحملة الانتخابية في إسرائيل؟ هل كانت الإدارة الأمريكية تحاول إرسال رسالة قبل نحو ستة أسابيع من توجُّه الإسرائيليين إلى مراكز الاقتراع؟
وبحسب وسائل إعلام أمريكية، فإن مبادرة السلام قد تشمل في جانبها الاقتصادي استثمارات بعشرات المليارات من الدولارات للفلسطينيين في الضفة والقطاع، ومصر والأردن وربما تشمل لبنان أيضاً.
ويحاول جاريد كوشنر البناء على فرضية الفصل بين المسارين الاقتصادي والسياسي الذي يعتمد مبدأ الأرض مقابل السلام، وتغليب المسار الاقتصادي وإعطاءه الأولوية كمدخل للمسار الثاني، وهو ما يرفضه القادة العرب حتى الآن.
كان كوشنر بالفعل يحاول إرسال رسالة هذا الأسبوع، لكن ليس للإسرائيليين. كانت المقابلة التي أجراها أثناء زيارته للإمارات العربية المتحدة هي أول مقابلة تلفزيونية دولية له منذ بدأ العمل على خطة الإدارة الأمريكية للسلام، وليس من قبيل الصدفة أنَّه اختار إيصالها عبر قناة تبث في أنحاء العالم العربي.
يحاول كوشنر تبديد فكرة أن خطته منحازة لإسرائيل
يحاول كلٌ من كوشنر وجيسون غرينبلات، مبعوث ترامب الخاص للمنطقة والذي رافق كوشنر في رحلته، تبديد الفكرة القائلة بأنَّ خطتهما شديدة الانحياز لإسرائيل، كما تصفها السلطة الفلسطينية باستمرار. ويأملان أن تتجاوب العديد من الدول العربية إيجاباً مع الخطة بمجرد إعلانها، بعد الانتخابات الإسرائيلية، وأن توافق على النظر إليها باعتبارها أساساً للمفاوضات.
ومن أجل التصدي لما ينظران إليه باعتباره تصوير الفلسطينيين الظالم لخطتهما، أكَّد كوشنر في مقابلته على أنَّها ستتطرَّق إلى «القضايا الجوهرية» للصراع، بما في ذلك قضية الحدود. وأضاف أنَّ الإدارة تريد رؤية كيان فلسطيني موحد، بدلاً من الانقسام الحالي بين قطاع غزة الذي تحكمه حركة حماس ومناطق الضفة الغربية التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية.
كان من المفترض أن تكون هذه تصريحات واضحة تقريباً عند مناقشة خطة سلام. فهل يمكن أن تكون هناك خطة لتسوية صراع في أي مكان في العالم دون أن تتطرَّق لـ»القضايا الجوهرية» للصراع المذكور؟ هل تصوَّر أي أحدٍ مطلقاً ألا تذكر خطة السلام هذه أي شيءٍ عن الحدود؟
وفي ما يتعلَّق بالحديث عن أنَّه ينبغي وجود كيان فلسطيني موحد، فإنَّ كوشنر تحدَّث عن الأمر بوضوحٍ شديد هذا الأسبوع، لكنَّ مسؤولين آخرين في الإدارة أدلوا بتصريحاتٍ مماثلة من قبل.
حاول إقناع العرب بأن الخطة جدية
بعبارة أخرى، قدَّم كوشنر الحد الأدنى في محاولته إقناع المشاهدين في مختلف أنحاء العالم العربي بأنَّ خطة السلام جدية، وأنَّ الإدارة الأمريكية لا تعمل لصالح نتنياهو، بل من أجل السلام في المنطقة. ولم يقل شيئاً عن دولة فلسطينية أو تقسيم القدس، وهي مواقف كانت تتضمَّنها خطط السلام الأمريكية السابقة.
لكن مع ذلك، كانت حتى الكلمات الجوهرية القليلة التي قالها كافيةً لإشعال عاصفة سياسية. وفجأة، وعلى نحوٍ غير متوقع، تصدَّرت القضية الفلسطينية الأجندة الإخبارية المحلية لـ48 ساعة، قبل أن تحل محلها قضية تحقيقات الفساد بحق نتنياهو. مع ذلك، تُعَد حقيقة أنَّ الإسرائيليين كانوا يتناقشون حول هذه القضية إنجازاً من نوعٍ ما لكوشنر وغرينبلات.
لكنَّ أحداث الأسبوع الماضي تؤكد التحديات التي يواجهها فريق السلام: ببساطة لا يوجد سبيل لإعداد خطة يقبلها نفتالي بينيت وقادة العالم العربي السُنّي معاً.
وتُعَد الدول التي زارها كوشنر وغرينبلات هذا الأسبوع، مثل السعودية والبحرين، مرنة نسبياً بشأن هذه القضية مقارنةً بالدول التي لم يزورانها، مثل الأردن ومصر.
يبدو أن الأمريكيين لم يتوصلوا للشكل النهائي للخطة
وأفادت وكالة رويترز الأربعاء 27 فبراير/شباط وفقاً لأحد المصادر بأنَّ الخطة التي قُدِّمَت هذا الأسبوع لم يبدُ أنَّها تضع في الاعتبار المطالب العربية التي ذُكِرَت سابقاً بشأن وضعية القدس، وحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، والمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
وصرَّح مصدرٌ ثانٍ في منطقة الخليج للوكالة قائلاً: «لايزال الأمريكيون في خضم عملية طرح أفكار وسيناريوهات مختلفة، لكن لا يبدو أنَّهم توصلوا إلى المعايير النهائية للخطة. إنَّهم يعلمون أنَّ هناك قضايا وضع نهائي لا فرص لنجاحها منذ البداية مع الحلفاء الإقليميين والفلسطينيين على حدٍ سواء»، في إشارة إلى السعودية ومصر والأردن.
لكنَّ أي خطة حتى لو كانت تضم الحد الأدنى من التنازلات الإسرائيلية الضرورية للحصول على قبول العرب على الأرجح ستلقى معارضة قوية من منافسي نتنياهو السياسيين في تيار اليمين.
والبيت الأبيض يعي تلك التعقيدات جيداً. ففي وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، أفادت صحيفة Israel Hayom الإسرائيلية الموالية لنتنياهو والممولة من رجل الأعمال الأمريكي شيلدون أديلسون، بأنَّ مسؤولي الإدارة يُعبِّرون عن تشاؤمهم في الإحاطات التي تجري خلف الأبواب المغلقة بشأن فرص قبول خطتهم.
وصرَّح مسؤولٌ بالبيت الأبيض لصحيفة Haaretz الإسرائيلية رداً على هذا التقرير قائلاً: «لا نزال ملتزمين بطرح خطتنا، التي نشعر أنَّها ستُقدِّم لكلا الطرفين رؤية للسلام وفرصةً من أجل مستقبلٍ أكثر إشراقاً. وفي حين نشعر أنَّ خطتنا عادلة وواقعية وقابلة للتنفيذ، لسنا غافلين عن التحديات التي نواجهها. لو كانت هذه مشكلة يسهل حلها، لكانت حُلَّت قبل زمنٍ طويل. في نهاية المطاف، سيكون الأمر متروكاً للطرفين للتفاوض حول اتفاق سلامٍ نهائي».