جنوب ليبيا بحر من الثروات وسنوات من التهميش
منذ عهد الزعيم الراحل معمر القذافي، يعاني الجنوب الليبي تهميشا كبيرا، وصل لمراحل غير مسبوقة مع اندلاع أحداث فبراير 2011، وسط احتدام النزاع لاقتسام الثروات في مدن الساحل، غير مبالين بما يعانيه أهل فزان جنوبا.
وفزان هو أحد أقاليم ليبيا الثلاثة، وتبلغ مساحته 550 ألف متر مربع، ويقطنه قرابة نصف مليون نسمة، ومن أبرز مناطقه، هي سبها ووادي الشاطئ ووادي الحياة وحوض مرزق والجفرة وغات.
ويضم الجنوب معظم حقول النفط في البلاد، وتنتج فزان قرابة نصف مليون برميل يوميا، كما يزود النهر الصناعي الذي ينبع من الجنوب الليبي مدن الساحل بقرابة نصف مليون برميل ماء يوميا.
ويبرز السؤال: لماذا يعاني الجنوب منذ عقود، وهو من أهم المناطق الاقتصادية الليبية، خاصة أن البلد يعتمد على النفط بمثابة مصدر دخل وحيد؟
تهميش مستمر
على مدى الأعوام السبعة الماضية، لم تلتفت أي حكومة ليبية للجنوب الذي يعاني منذ حقبة القذافي، بل تم ترك أهله تحت رحمة وقبضة الجماعات المسلحة القادمة من خارج الحدود الليبية، ليصبح نقطة لانطلاق العمليات الإرهابية التي تبناها تنظيما “القاعدة” و”داعش” وجماعات مسلحة أخرى.
تجاهل السلطات الليبية لمطالب أهل الجنوب، سمح للميليشيات بملء الفراغ وممارسة أنشطة غير شرعية مثل الاتجار بالبشر وتهريبهم من أقصى الجنوب الليبي إلى سواحل أوروبا عبر مدن شمالي ليبيا.
وتجاهلت الحكومات الليبية المتعاقبة تدهور الأوضاع في فزان، مكتفية بإصدار بيانات تنديد في حين استمرت نسبة الجريمة في مدن الجنوب بالارتفاع، ففي عام 2016، قتل أكثر من 250 مواطنا في مدينة سبها فقط.
وفي 2017، ارتكبت مجموعة مسلحة جريمة بمنطقة براك الشاطئ، حيث شنت هجوما على إحدى مقار الجيش الليبي هناك، وقتلت 100 جندي، ليعلن المجلس الرئاسي فتح تحقيق في الجريمة، إلا أنه، وكغيرها من التحقيقات، لم تكن إلا حبرا على ورق، ولم تعلن نتائجه حتى اليوم.
وفي مايو الماضي، أصدر رئيس المجلس الرئاسي قرارا بتشكيل قوة لتأمين الجنوب في غضون 10 أيام من تاريخ التوقيع على القرار، إلا أنه، وبعد مضي 6 أشهر من القرار، لم تصل هذه القوة إلى فزان.
ويتحدث أهالي الجنوب عن مركزية الحكومات الليبية، فعلى سبيل المثال، عند قيام وزارة التعليم الليبية باختيار الطلبة الموفدين إلى الخارج لاستكمال الدراسة ينال طلبة الجنوب الليبي النسبة الأقل من بين الأقاليم الثلاثة.
كما تتخذ مؤسسات الدولة الليبية مدن الساحل الليبي كمقرات لها، فمقر البرلمان الليبي هو مدينة طبرق في الشرق ومقر المجلس الرئاسي في العاصمة طرابلس في الغرب.
ونصت المادة 53 من الاتفاق السياسي الليبي على تشكيل مجلس أعلى للإدارة المحلية في مدينة سبها، إلا أنها لم تنفذ كغيرها من القرارات.
المعاناة اليومية
الحقول النفطية في الجنوب تصدر قرابة النصف مليون برميل يوميا، إلا أن أسعار البنزين في الجنوب الليبي تصل إلى 10 أضعاف سعرها في مدن الساحل.
ورغم وجود منظومة النهر الصناعي في الجنوب الليبي التي توفر المياه لمدن الساحل، يعاني الأهالي في المنطقة نقصا في المياه الصالحة للشرب.
كما أن أغلب مطارات المنطقة الجنوبية توقفت عن العمل، وتقتصر الرحلات إلى الجنوب على رحلتين أسبوعيا، واحدة إلى غات والأخرى إلى تمنهنت.
ويشكو أهالي الجنوب ارتفاع أسعار السلع التموينية، ويعود ذلك إلى صعوبة وصول هذه السلع إلى مدنهم، فالطرق التي تربط شمال ليبيا بجنوبها خطرة.، حيث تتحرك الجماعات المتطرفة بين هذه المناطق بشكل مستمر مما عزل الجنوب الليبي عن الشمال.
ومن أبرز المشكلات التي تعانيها المنطقة انقطاع التيار الكهربائي، ففي فصل الشتاء يكون من الصعب على الأهالي التعامل مع برودة الطقس.
وفي السياق ذاته، شهدت مدن الجنوب الليبي حالات وفاة بسبب نقص الأدوية والأمصال، مما يعكس أزمة طبية فادحة.
وفي كل عام، تعلن الحكومات الليبية عن ميزانيات بعشرات المليارات، إلا أن الحقيقة في الجنوب الليبي مرة، فلولا المساعدات التي تقدم لأهالي الجنوب من منظمات الإغاثة وبعض الدول، لشهدت هذه المنطقة كارثة إنسانية غير مسبوقة.
يذكر أن حركة “غضب فزان” التي أعلنت إغلاق حقل الشرارة قبل أيام، كانت قد طالبت بدعم المؤسسة العسكرية لتأمين مقدرات الشعب الليبي، كما طالبت أيضا بدعم القطاع الصحي في الإقليم وتوفير السيولة وفرص عمل لأبناء الجنوب.