من التاريخوجوه

«جلال الدين السيوطي».. الإمام الذي حاربه علماء عصره فاعتزل الحياة ليصبح علامة فارقة في تاريخ البشرية

 

قد لا يعرف الكثير من المصريين أن الضريح القابع في قلب صعيد مصر، وعلى وجه الخصوص بمدينة “أسيوط” حاملا اسمه ليس للإمام جلال الدين السيوطي.. أحد أشهر علماء مصر وأغزرهم علما في التفسير والحديث، واللغة، و الفقه، والتاريخ والأدب، والذي لغزارتها لقب ببحر العلوم.

ويعتبر الكثيرين أن مسجد الإمام السيوطي المنسوب له بأسيوط يحتوى على ضريحه إلا أن المسجد قد أنشأه القاضي زين الدين بن أبي بكر علي بن محمود الجعفري الأسيوطي، ويرجع د. حمزة النشرتي أحد محققي كتاب السيوطي “در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة” أنه ربما أقيم مكان المدرسة التي قد بناها أحد أجداد السيوطي، ومع مرور الوقت نسب المسجد والضريح الموجود به إلى الإمام، في حين أنه  أقيم بالأساس لإحياء أثره وتجديد لذكره في المدينة العامرة التي ينتسب إليها الإمام الجليل.

والحقيقة أنه دفن في القاهرة، ولا يبعد مشهده سوى خطوات من مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها، حيث دفن  في “حوش قوصون”، ومشهده في مواجهة مسجد السيدة عائشة رضي الله عنها، وهناك شارع مكتوب عليه اسمه “شارع سيدي جلال الدين”.

وللسيوطي له الكثير من الكتب والرسائل في مختلف أفرع المعرفة،والعلوم الشرعية واللغوية، ومن أعلام كتبه “در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة” والذي قدم السيوطي فيه تأريخا جمع كل من دخل مصر من صحابة رسول الله، ويعده المحققون أكثر الكتب التي جاءت في هذا السياق جمعا واستيعابا لكل صحابة رسول الله الأجلاء الدين دخلوا مصر.

ولد الإمام الجليل “عبدالرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد ابن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الأسيوطي”  في بداية رجب سنة 849هـ، كان والده أحد علماء الصالحين، وقد توفي وهو في السادسة من عمره وكما يذكر عن حياته في أحد كتبه التي ألفها – حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة- فيقول:” حملت في حياة أبي إلى الشيخ محمد المجذوب، رجل كان من كبار الأولياء بجوار المشهد النفيسي، فباركني، ونشأت يتيما فحفظت القرآن ولي دون ثمان سنين، ثم حفظت العمدة ومنهاج الفقه، والأصول وألفية ابن مالك”.

اتجه للاشتغال بالعلم وهو في الخامسة عشر من عمره، فأخذ كما يقول في حسن المحاضرة الفقه والنحو عن جماعة من الشيوخ،وأخذ الفرائض

عن شيخه العلامة شهاب الدين الشارمساحي. وأجيز بتدريس العربية وهو ابن 17 عام، وهو العام الذي شهد تأليفه أول كتاب له “شرح الاستعاذة والبسملة”.

وكان له الكثير من الشيوخ في مختلف اتجاهات العلوم الدينية والشرعية، اجيز بالافتاء وهو في عمر 27، سافر إلى عدد الدول إذ ارتحل إلى بلاد الشام، الحجاز، اليمن، الهند والمغرب، ويقول :”عندما حججت شربت من ماء زمزم لأمور منها:أن أصل إلى مرتبة الشيخ سراج الدين البلقيني، وفي الحديث إلى مرتبة الحافظ بن حجر، وأفتيت في مستهل سنة إحدى وسبعين، وعقدت إملاء الحديث من مستهل سنة اثنتين وسبعين، ورزقت التبحر في سبعة علوم:التفسير، الفقة، النحو، المعاني، البيان، البديع على طريقة البلغاء والعرب، لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة. والذي اعتقدته أن الذي وصلت إليه من هذه العلوم السبعة سوى الفقة والتقول التي اطلعت عليها فيها لم يصل إليه، ولا وقف عليه أحد من أشياخي، فضلا عمن هو دونهم”.

يقول عنه د: حمزة النشرتي:”وقد عاش السيوطي في فترة المماليك، وبلغ منزلة بعيدة في العلم،وطدتها أخلاقه الرفيعة ومثله العليا التي كان يؤمن بها، فقد كان زاهدا في الدنيا عزوفا عن المناصب، نائيا عن قبول هدايا الخلفاء والأمراء، له عدد كبير من المؤلفات قيل أنها تناهز الألف مؤلف.”

وقد قضى السيوطي وقت من حياته في حالة خصومة مع عدد من علماء عصره، ويُذكر أن أعنفها كانت مع “شمس الدين السخاوي”، والذي اتهمه بسرقة بعض مؤلفاته من علماء سابقين لم يكن لهم من الشهرة ما يفتح الآفاق لأعمالهم للظهور، إلا أن السيوطي دافع عن نفسه بحماسة بالغة، فألف رسالة “مقامة الكاوي في الرد على السخاوي”، ثم لزم بيته وهو في سن الأربعين ومن هنا بدأ سيل غزير من التأليف والعلم يخرجه الشيخ الإمام وهو ملازم بيته في روضة المقياس على نيل مصر، ويعبر عن الحالة التي مر بها واتجاهه لاعتزال الناس في “المقامة اللؤلؤية”، والتي توجد نسخة منها بدار الكتب المصرية.

وتوفي السيوطي في 19 جماد الأولى سنة 911 بمنزله بروضة المقياس عن عمر يناهز الـ 61 سنة، وقال ابن ياس (وكان أحد تلاميذه):” لما مات السيوطي أخذ الغاسل قميصه وقبعه، فاشترى بعض الناس القميص بخمسة دنانير للتبرك به، أما قبعه الذي كان على رأسه فبيع بثلاث دنانير تبركا به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى