جزيرة “ويك” أكثر المناطق عزلة
تبدو الحياة على جزيرة ويك في معظم الأوقات هادئة، ولا يظهر على لوحة حركة الرحلات الفارغة في مطارها الصغير وسط المحيط الهادئ أي إعلان عن هبوط أو إقلاع.
لكن في كل يوم أو أكثر تحط طائرة عسكرية أميركية للتزود بالوقود أو إيصال الشحنات، ما يحرك قليلاً إحدى أكثر مناطق العالم عزلة.
وتبرز الجزيرة المرجانية الصغيرة في المحيط الرمادي القاتم مكاناً غير مرجح لإقامة قاعدة عسكرية دائمة. وهي تقع على بعد أكثر من 3500 كلم إلى الغرب من هاواي ويعيش فيها أربعة جنود أميركيين على مدى العام.
صراع على الجزيرة
وبفضل أكثر من قرن من التاريخ العسكري والتغيرات في موازين القوى في المنطقة، سيبقى لبقعة الرمل والحجارة هذه تأثيرات استراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.
وقال الكابتن في سلاح الجو الأميركي مارك بليها “هناك الكثير من الأعمال البطولية هنا على ويك”. وروى كيف شهدت الجزيرة أولى العمليات الأميركية في الحرب العالمية الثانية عندما صدت قوات مشاة البحرية الأميركية (المارينز) هجوماً يابانياً بعد أيام فقط من ضرب ميناء بيرل هاربر.
وتحدث عن الطريقة التي “دافع فيها المارينز عن الجزيرة. كانوا يركضون من ملجأ محصن إلى آخر”.
وعاد اليابانيون بعد أيام بتعزيزات وتنظيم أفضل وسيطروا هذه المرة على الجزيرة. ولا تزال عدة ملاجىء محصنة أميركية وغيرها من مخلفات النزاع على حالها.
أما الشواطئ التي تضرجت بالماضي بدماء المحاربين، فقد باتت الآن ملوثة بالنفايات البلاستيكية، كدليل على أن المحيط الهادئ تحول إلى مكب للنفايات التي صنعها البشر.
4 جنود على الجزيرة
ويضمن بليها الذي يقضي مهمة مدتها عام كامل للإشراف على ثلاثة مجندين يتواجدون بشكل دائم على الجزيرة التي تغيب الشمس عنها قبل وقت طويل من بدء اليوم في الأراضي الأميركية، استمرار التواجد العسكري عليها.
ويعيش 85 شخصاً تم التعاقد معهم على الجزيرة بشكل شبه دائم من أجل إبقاء الحياة عليها.
واليوم، بعد عقود من الهدوء النسبي في منطقة المحيط الهادئ، تستعيد جزيرة ويك أهميتها الاستراتيجية حيث تزيد الصين قوتها العسكرية بشكل كبير في منطقة المحيط الهادئ في وقت تحاول إغراء جيرانها للتخلي عن علاقاتهم الاقتصادية والعسكرية القديمة مع الولايات المتحدة والتحالف معها.
“التزام ثابت”
يؤكد المسؤولون أن الوجود الأميركي في المحيط الهادئ أساسي لـ”بسط النفوذ” على المنطقة التي تروج فيها الصين رواية مفادها أن الرئيس دونالد ترامب بأجندته “أميركا أولاً” التي يفرض بموجبها رسوماً جمركية تعني أن الولايات المتحدة لم تعد تأبه بما يحصل هنا.
وفي هذا السياق، قال قائد أركان الجيش الجنرال جو دانفورد للصحافيين المسافرين معه بعد زيارة إلى جزيرة ويك الشهر الماضي “أرفض ذلك بكل وضوح”.
وأضاف “إذا نظرتم إلى وضع تحالفاتنا في المنطقة (…) فقد تعكس الأدلة أي شيء إلا تراجع سلطتنا في المحيط الهادئ. لدينا مصالح والتزام وتواجد ثابت في منطقة الهادئ”.
ويبدو هذا التواجد واضحاً في أنحاء المنطقة بما في ذلك على ويك وغوام، الواقعة على بعد نحو 2400 كلم غرباً، وعلى سلسلة من القواعد الأميركية في اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.
أهمية موقعها
وتلعب جزيرة ويك كذلك دوراً أساسياً في جهود الولايات المتحدة لصد أي اعتداء بصاروخ بالستي من قبل نظام مثل كوريا الشمالية.
وتستخدم وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية الجزيرة لاختبار أنظمة اعتراض الصواريخ المصممة لتدمير أي صاروخ متوجه نحو أراضي الولايات المتحدة.
وأعقبت رحلة دانفورد إلى منطقة المحيط الهادئ زيارات أخرى قام بها مسؤولون رفيعو المستوى من إدارة ترامب، بينهم وزير الدفاع جيم ماتيس ووزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون وحتى الرئيس نفسه.
وسعى هؤلاء إلى تأكيد أنه مع ازدياد نفوذ الصين، لم تخفف الولايات المتحدة قبضتها على منطقة آسيا والمحيط الهادئ حيث تعهدت الأمن الإقليمي إلى حد كبير منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وخلال زيارته القصيرة إلى جزيرة ويك، زار دانفورد نصباً تذكارياً صغيراً أقيم من أجل عناصر المارينز والبحارة الذين قتلوا خلال الاجتياح والاحتلال اليابانيين.
وكُتب على النصب الأسمنتي الذي وضع عليه شعار قوات المارينز “عدو على الجزيرة، الوضع شائك”، تخليداً للرسالة التي بثها القائد العسكري في الجزيرة لاسلكياً لرفاقه في هاواي خلال الاجتياح الياباني.