جزيرة صغيرة قد تفجر الصدام: تبعد مرمى حجر عن تركيا و580 كيلومتراً عن اليونان
دخل التصعيد بين تركيا واليونان مرحلة جديدة من مستويات الخطورة التي تنذر باحتمال حصول مواجهة عسكرية بين البلدين بسبب الخلافات المتصاعدة والمتزايدة حول الكثير من الملفات، أبرزها الحدود البحرية والجرف القاري والجزر المتنازع عليها، إضافة إلى الانتشار العسكري شرق المتوسط والتحركات المتزايدة المرافقة لتصاعد الأزمة في ليبيا.
ويتركز الخلاف هذه المرة حول الاختلاف على تحديد الجرف القاري لجزيرة صغيرة تبعد مرمى حجر عن الحدود التركية وأكثر من 500 كيلومتر عن اليابس اليوناني لكنها تتبع لليونان عملياً، وبينما تصر تركيا على أن هذه الجزيرة الصغيرة المتاخمة لسواحلها لا يمكن أن يكون لديها جرف قاري كامل يتبع لليونان، تشدد اليونان على أنها جزيرة تابعة لها وتتمتع بالحقوق الكاملة فيما يتعلق بالجرف القاري.
وجزيرة «ميس» بالتركية و« كاستيلوريزو« باليونانية جزيرة صغيرة جداً لا تتعدي مساحتها الإجمالية 10 كيلومترات، والمثير أنها لا تبعد سوى 2 كيلومتر عن السواحل التركية قبالة منطقة كاش بولاية أنطاليا، بينما تبعد عن أقرب يابس من الأراضي اليونانية 580 كيلومتراً، ورغم ذلك تقع تحت السيادة اليونانية بموجب الاتفاقيات التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وانهيار الدولة العثمانية.
الخلاف على هذه الجزيرة ينطبق على الخلاف الجذري بين تركيا واليونان على أغلب الجزر الصغيرة المنتشرة في بحر مرمرة وشرق المتوسط والتي تصر اليونان على أنها تتمتع بحقوق الجرف القاري لأي دولة في العالم، بينما تصر تركيا على أن ذلك مخالف للقوانين الدولية وأن الجزيرة الصغيرة لا تنطبق عليها أحكام الدول أو الجزر الكبرى. وتعتبر أن اليونان، ومن خلال الجزر الصغيرة المتناثرة في البحر، تسعى لوضع يدها على كامل الموارد وحصار تركيا في شريط ضيق ملاصق لسواحلها رغم أنها من أكثر الدول التي تطل على بحر مرمرة والمتوسط.
والثلاثاء، أطلقت البحرية التركية إخطاراً يُعرف باسم «نافتكس» لإجراء مسوح اهتزازية في منطقة من البحر تقع بين جزيرتي قبرص وكريت، ويسري هذا الإخطار حتى 20 أغسطس، حيث تعد تلك المسوح جزءاً من العمل التحضيري لعمليات تنقيب محتملة عن المواد الهيدروكربونية، لكن اليونان اعتبرت أن هذه العمليات محاولة للتعدي على الجرف القاري التابع لها، وتقصد بذلك الجرف القاري التابع للجزيرة الصغيرة «ميس».
وعلى الفور احتجت وزارة الخارجية اليونانية رسمياً لدى أنقرة، وقالت الوزارة في بيان: «نطالب تركيا بأن توقف فوراً أنشطتها غير القانونية التي تنتهك حقوقنا السيادية وتقوض السلام والاستقرار في المنطقة»، لكن أنقرة أكدت مجدداً أن الموقع البحري يقع «ضمن الجرف القاري التركي».
وبالتزامن مع ذلك، نشرت البحرية اليونانية بوارج في بحر إيجه بعدما أعلنت حالة «التأهب» بسبب الأنشطة التركية لاستكشاف موارد الطاقة، ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر عسكري قوله إن «الوحدات البحرية نُشرت منذ الثلاثاء في جنوب وجنوب شرق بحر إيجه»، مشدداً على أن الوحدات «مستعدة للرد على أي نشاط».
في المقابل، ترافق سفينة التنقيب التركية المسماة «أوروج رئيس» عدد من السفن والفرقاطات الحربية التركية إلى جانب طائرات الاستطلاع والطائرات الحربية التي تقوم بعمليات كشف مستمرة في محيطها، كما أكد مجلس الأمن القومي الذي انعقد، الأربعاء، برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن تركيا «مصممة على حماية مصالحها وحقوقها النابعة من القوانين الدولية في شرق المتوسط»، وأنها «لن تسمح بأي مبادرة يمكن أن تلحق الضرر بأجواء الأمن والاستقرار في قبرص».
إلى ذلك، قالت وزارة الخارجية التركية إن «مزاعم اليونان المتعلقة بالجرف القاري تتعارض مع القانون الدولي وقرارات المحاكم»، وأضافت: «المنطقة البحرية التي ستجري السفينة التنقيب فيها هي ضمن حدود الجرف القاري لتركيا المحدد من قبل الأمم المتحدة والمناطق المرخصة من قبل الحكومة التركية لصالح مؤسسة البترول التركية عام 2012».
وجاء في البيان: «تسند اليونان مزاعمها هذه على وجود جزر بعيدة عن برها الرئيسي وعلى رأسها جزيرة ميس (كاستيلوريزو)، فمزاعم اليونان حول الجرف القاري تتعارض مع القانون الدولي وقرارات المحاكم»، مؤكدة أن «خلق جزيرة مساحتها 10 كيلومترات وتبعد عن تركيا 2 كيلومتر وعن البر الرئيسي اليوناني 580 كيلومتراً، لجرف قاري بمساحة 40 ألف كيلومتر، لا يعتبر طرحاً مناسباً للعقل والقانون الدولي».
في سياق متصل، اعتبر متحدث باسم الاتحاد الأوروبي أن الإجراء التركي «لا يساعد ويبعث بالرسالة الخاطئة»، داعياً لاتخاذ القرارات المتعلقة بالحقوق البحرية «من خلال الحوار والمفاوضات»، كما ندد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بما وصفه «انتهاك» تركيا لسيادة كل من اليونان وقبرص، وذلك قبيل محادثات مع نظيره القبرصي نيكوس اناستاسيادس في قصر الإليزيه.
وتمر العلاقات التركية اليونانية بمرحلة صعبة من التوتر الذي ينبع من الخلافات التاريخية على الحدود البرية والبحرية والمياه الإقليمية والمجال الجوي وملف جزيرة قبرص، أضيفت إليها خلافات جديدة تتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط وملف اللاجئين واستضافة تركيا «انقلابيين أتراكاً» والخلاف حول «آيا صوفيا» والنزاع الإقليمي في المنطقة بشكل عام وليبيا بشكل خاص، وغيرها الكثير من الخلافات