جثة رضيع سُرقت بعد يوم واحد من دفنه.. نبش القبور ودس الطلاسم جريمتان تطولان حرمة المقابر الجزائرية
ي ثاني أيام عيد الفطر، توجَّه رفيق بركاني وزوجته وابنته إلى مقبرة الحي، بولاية أم البواقي شرق البلاد، لزيارة قبور أبنائه الستة، الذين تُوفوا بطريقة غريبة؛ إذ خطفهم الموت الواحد تلو الآخر كل عيد وفي عمر السنتين أو أزيد بقليل، دون سبب أو مرض واضح.
ياسر، هو آخر رضيع وُضع إلى جانب إخوته في المقبرة، هذه المرة، لكنَّ مصيبته كانت أكبر بكثير، حيث فوجئ الوالد رفيق بأن رفات ابنه اختفى من القبر بعد 24 ساعة من الدفن، وكل المؤشرات تؤكد أنه سُرق بعد نبش القبر، ليُستخدم في أغراض مجهولة.
هذه الحادثة ليست سابقة، حيث تعرف المقابر الجزائرية تجاوزات خطيرة، من قِبل سرقة الجثث وإعادة بيعها لاستغلالها في أعمال السحر والشعوذة أو حتى الاتجار في الأعضاء.
لم يستطع عليه صبراً
سارع رفيق بركاني لإشهاد وسائل الإعلام على ما فُجع به صباح ثاني أيام العيد، وقال: “جئت أنا وزوجتي لزيارة قبور أبنائي، ولمّا رفع لنا الحارس حجَر المتوفى الأخير، لم نجده.. ابني غير موجود”.
وكشف رفيق أن الشرطة أبلغته بمعلومات أولوية تفيد بأن “جثة الرضيع تمت سرقتها من القبر”، قبل أن ينهار باكياً: “الجثة عندها يوم واحد فقط، ماذا سيفعل بها من أخذها”، مضيفاً: “إذا كانت لأمور السحر والشعوذة، فأنا أطالب وكيل الجمهورية بفتح قبور أبنائي الآخرين؛ لأنني لم أعُد واثقاً بما هو موجود بداخلها”.
ومنذ 2006 إلى غاية 2018، فقدَ رفيق 6 أبناء، زوجته تقول إن أولادها يأتون إلى العالم بصحة جيدة، وينامون بصفة عادية وطبيعية، ليصابوا بنوبة صرع فجائية كل عيد ويموتون، وهي ظاهرة غريبة عجز الأطباء عن تفسيرها، وتضيف أن “سرقة جثة الأخير من قبره مصيبة لم تستطع تحملها”.
قبور الرُّضَّع الأكثر استهدافاً
وربط رئيس تنسيقية أئمة الجزائر، الشيخ جلول حجيمي، عملية سرقة جثة الرضيع ياسر بركاني من قبره، بأعمال السحر والشعوذة، وقال في تصريح لـ”عربي بوست”، أن “هناك في الغالب عادات قديمة مرتبطة بالسحر والشعوذة باستخدام أعضاء الموتى وكل ما يحيط بالقبور”.
وأوضح حجيمي أن “جثث الرضع هي الأكثر استهدافاً من قِبل هؤلاء، بالنظر إلى سهولة استخراجها”.
واستطرد قائلاً: “ينبغي للأسرة في البداية التأكد من احتمال نبش القبر من قِبل الحيوانات البرية كالكلاب أو الذئاب، وفي حالة انتفائه، من المرجح جداً أن تكون العملية بغرض السحر والشعوذة”.
ولم يُغفل المتحدث إمكانية استخدام الجثة في الاتجار بالأعضاء البشرية، خاصة إذا كانت حديثة الدفن، وقال: “حسب المعلومات التي لدينا، فإن أعضاء الميت تظل صالحة للزراعة في جسم مريض مدة 72 ساعة بعد الوفاة”.
وفي هذه الحالة، لا بد من أن يكون الفاعل قد ترصد جيداً المُصاب الذي ألمَّ بالعائلة من أم البواقي، وحسب جيداً خطواته للقيام بجريمته.
جرائم في حق المقابر
قصة الرضيع واحدة من آلاف القصص التي تحاك في جوف الليل بين القبور، بالجزائر، حسب محمد الحافظ للقرآن، الذي يتردد كثيراً على المقابر لقراءة الآيات على الموتى، بمناسبة وغير مناسبة.
وقال محمد، المنحدر من ولاية الشلف (غرب البلاد)، لـ”عربي بوست”، إن “ما يجري داخل المقابر لا يعلمه إلا الله، وكلها أفعال بغرض السحر ولا شيء غير ذلك”.
وتابع بلغة الواثق: “أنا أتردد كثيراً على المقابر، وفي هذا العيد فقط زرت قبوراً كثيرة، وبإمكاني أن أعطي شهادتي”، ويلاحظ محمد أن مظاهر الشعوذة قلَّت بنسبة كبيرة في السنيتن الأخيرتين، ولكن قبل 5 سنوات كان يرى عشرات الحروز (الطلاسم)، مترامية بين القبور ووسط الأحراش”.
وأوضح محمد أن ظاهرة نبش القبور لاستخراج أعضاء الموتى قليلة جداً أو باتت شبه منعدمة، لكن من يمارس السحر والشعوذة قادر على فعل كل شيء، “نحن أمام بشر لا يخشى الله، ولا يتردد أبداً في نبش قبر سراً”.
وفي الجزائر هناك مَثل شعبي عتيق، يُقال في وصف شخص اشتد عليه المرض أو الخيبات دون معرفة السبب “وكأنه مسحور بكف الميت”، حيث يقوم ممتهنو الشعوذة باستخم يد الميت المقطوعة لإعداد الطعام أو تشكيل طلاسم لإيذاء الشخص المستهدف.
طلاسم وأعمال سحر
في 2016، اهتز الرأي العام الجزائري عدة أسابيع، بعد حملات تنظيف واسعة بادر بها بعض الشباب المتطوع بالتنسيق مع المصالح البلدية بمختلف ولايات الوطن.
وسمحت مواقع التواصل الاجتماعي بنشر الطلاسم والأقفال الحديدية التي كانت تطوِّق صور الأزواج أو الشباب والبنات، بغرض التفريق بينهم أو الحيلولة دون زواجهم أو قطع أرزاقهم.
وتحولت قضية “الكادنات (الأقفال)” إلى موضوع جد وهزل في الوقت ذاته، حيث أخفى العديد الشباب صورهم الحقيقية من صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي؛ خوفاً من نسخها واستخدامها في أغراض السحر.
ويحكي رضوان أن الجدل تزامن مع مناسبة زفافه في صيف 2016، مما اضطره إلى محو كل صوره من صفحته على فيسبوك؛ خشية من “أذى قد أتعرض له من أصحاب النفوس المريضة”.
وانتشرت عدة فيديوهات من مقابر بولاية باتنة (شرق) ووهران (غرب)، توضح ما عثر عليه شباب متطوعون من طلاسم، قاموا بتمزيقهم وفسخها.
كاميرات مراقبة
ومع تفشي مظاهر التعدي على حرمة الموتى، طرحت السلطات الرسمية للجزائر العاصمة، أواخر 2017، مشروع نصب كاميرات مراقبة بـ14 مقبرة على أن يتم تعميمها في وقت لاحق؛ من أجل كشف الأشخاص الضالعين في نبش القبور ودس أفعال السحر.
ويرى رئيس تنسيقية الأئمة الجزائريين، جلول حجيمي، أن الدولة مطالَبة بتأمين المقابر ورصد المبالغ المالية اللازمة، “مثلما هو معمول به في مختلف دول العالم”.
ويعتبر الإمام أن السحر باستخدام الجثث ولوازم المقابر مثل الأكفان والحجارة، موجود في العديد من الدول وفي الديانات كاليهودية والمسيحية، ولا بد من الردع القانوني لمحاربة الظاهرة؛ لأن الوازع الديني وحده لا يكفي.
وبما أن تعميم وضع كاميرات المراقبة على المقابر الجزائرية كافة أمر شبه مستحيل؛ نظراً إلى تكلفته الباهظة، اعتبر حجيمي أن “نصب الكاميرات على الأقل في المناطق التي تكثر فيها هذه الأفعال يبقى ضرورة؛ لكشف المتورطين، فلو كانت هناك كاميرا لظل قبر الرضيع ياسر بركاني محترماً مصوناً”.