تونس.. نبيل القروي يتحدث عن معركة بين الحداثة والإسلام المحافظ
أثار التصريح الأخير للمرشح الرئاسي، نبيل القروي، الذي أكد فيه أنه يخوض معركة «حداثية» ضد تيار «إسلامي محافظ» يقوده قيس سعيد، جدلاً كبيراً دفع بعض المراقبين إلى التحذير من إعادة سيناريو الاستقطاب الإيديولوجي الذي كان سائداً خلال الانتخابات الرئاسية السابقة عام 2014، وخاصة بعد إعلان حركة النهضة مساندتها للمرشح قيس سعيد.
قال المرشح الرئاسي التونسي، نبيل القروي، إن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية ستكون معركة بين تيار إسلامي محافظ يمثله منافسه قيس سعيّد، وتيار اجتماعي ليبرالي يمثله هو.
وفي أول حوار معه من سجنه، أجرته مجلة «لوبوان» الفرنسية، توقع القروي تكرار سيناريو الاستقطاب الإيديولوجي الذي كان سائداً خلال انتخابات 2014، مشيراً إلى أنه خلال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية «ستكون المعركة حاسمة بين محور إسلامي محافظ يمثله السيد قيس سعيد وحركة النهضة، ومحور اجتماعي ليبرالي حديث أمثله أنا وحزب قلب تونس. وكل طرف سيحاول جذب الناس إلى صفه»، مشككاً في البرنامج الذي سيقدمه منافسه قيس سعيد، لإصلاح الوضع القائم في البلاد.
وعلّق المحلل السياسي د. رياض الشعيبي على تصريح القروي بقوله: «العنوان الأبرز في انتخابات 2014 كان «الثورة والثورة المضادة» ولكن في هذه الانتخابات فالعنوان الأبرز هو «الفساد ومقاومة الفساد»، حيث يبرز المرشح قيس سعيد بقيمة أخلاقية قوية، على اعتبار أنه كان باستمرار يطالب بمقاومة الفساد ويتصدى للفساد السياسي والإداري والمالي في الدولة، في حين أن المرشح المنافس نبيل القروي كان ولا يزال متهماً بأنه أحد أباطرة الفساد في البلاد، ولذلك أقول إن الانقسام الحاصل الآن هو بين من يكون مع الفساد ومن يكون ضده. طبعاً هذا الانقسام يخفي اختلافات كثيرة يمكن أن يجدها كثير من الناخبين مع المرشح الذي يدعمه، ولكنهم يتغاضون عن الاختلافات الثانوية في مقابل حالة الاستقطاب التي تسيطر على الدور الثاني».
وأضاف، في تصريح خاص لـ«القدس العربي»: «من الطبيعي أن يحاول المرشح نبيل القروي إعادتنا للاستقطاب الأيديولوجي لأنه في معركة مقاومة الفساد لا يمكن أن يكون رابحاً، وخاصة أنه موقوف الآن بسبب قضية كبيرة تتعلق بتبييض الأموال والتهرب الضريبي، وهذا مظهر كبير من مظاهر الفساد الآن في المجتمع التونسي والدولة التونسية، ولذلك هو يحاول الانزياح بحالة الاستقطاب من ثنائية فساد ومقاومة فساد إلى ثنائية أخرى أيديولوجية تتعلق بالإسلاميين والحداثة، واستدعاء التناقضات التقليدية التي عشناها خلال السنوات الأخيرة بين هذين التيارين».
وأشارت إلى أن قيس سعيد «يفلت من التصنيف التقليدي للصراعات السياسية، لأنه لا يمكن بأي حال أن يحسب على الإسلام السياسي في تونس ولا على أي منظومة أيديولوجية أخرى من المنظومات المؤثرة في المشهد السياسي في البلاد. هو يتبنى أفكاراً هي أقرب لـ«الفوضوية الماركسية» وللمجموعات الماركسية الصغيرة التي كانت ناشطة في تونس في السبعينيات وبداية الثمانينيات، هذا من جهة الأفكار التي يؤمن بها، وخاصة فكرة المركزية القاعدية، وهي الفكرة المحورية في مشروعه السياسي، في حين يظهر عليه أنه محافظ وملتزم ومتصالح مع الهوية العربية الإسلامية، بل ويتبنى أيضاً مقولاتها، وهو ما يجعله خارج التصنيف».
وتزامن تصريح القروي مع تصريح آخر لرئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، أكد فيه أن الحركة الإسلامية تتجه إلى دعم المرشح قيس سعيّد في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، داعياً أنصار الحركة إلى دعم المرشّح القادر على تجميع التونسيين وغير المتورط بتبييض الأموال، في إشارة إلى سعيد.
وأكد الغنوشي في تصريحات تلفزيونية أن حركة النهضة ستدعم «مرشح الثورة الأكثر حظاً»، في إشارة إلى قيس سعيد. كما توجّه برسالة إلى التونسيين قال فيها: «أيها التونسيون، ارفعوا رؤوسكم عالياً فخراً بأنّكم صنعتم أول ديمقراطية عربية، وصوتوا لمن هو قادر على صنع الإجماع وقيادة البلد، لا تصوتوا لمتهمين بتهرب ضريبي أو بتبييض أموال، بل لمن يحاربون الفساد، لنعطي لتونس برلماناً قوياً ونظيفاً لتحقيق الديمقراطية الاجتماعية وتجعل قفة المواطن مليئة بكل خير».
وقل الشعيبي: «النهضة الآن في إشكال حقيقي، لأن هناك قيمة أخلاقية يمثلها قيس سعيد ولا يمكن لأي قوة سياسية في البلاد أن تقفز على هذه القيمة الأخلاقية التي يمثلها هذا الرجل، وقد اكتسبها من خلال مواقفه خلال العقد الأخير. ولكن في الإطار نفسه، كل سياسات حركة النهضة منذ 2013 وحتى الآن قامت على مقولة أساسية هي مقولة التوافق، وما يطرحه قيس سعيد من رؤية للتغيير في الدولة والمجتمع تتصادم مع رؤية حركة النهضة للتوافق السياسي والاستقرار الاجتماعي الذي كانت تشتغل عليه، وبالتالي من هنا يأتي المأزق بالنسبة إلى الحركة، فإذا تبنت حركة النهضة دعم قيس سعيد بالكامل فإن ذلك يعني -واقعياً- مراجعة لكل سياساتها التي سلكتها خلال السنوات الأخيرة، ولا أعتقد أنه جاهزة لهذه المراجعات في الوقت الحالي».