تونس: الفخفاخ يتهم «النهضة» بإسقاط حكومته والحركة ترجّح إمكانية دخوله السجن
دخلت الرئاسة التونسية على خط حرب الملفات، حيث ندد الرئيس قيس سعيد بـ«اختفاء وتدليس» أحد الملفات القضائية المثيرة للجدل، وهو ما نفته النيابة العامة التي أكدت أن الملف ما زال موجودا، في وقت اتهمت فيه أحزاب سياسية رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بالتشويش على مسار تشكيل الحكومة الجديدة.
وخلال لقائه بوزير أملاك الدولة، أشار الرئيس قيس سعيّد إلى القضية المتعلقة بحادث سير تعرضت له سيارة حكومية تقودها ابنة وزير النقل، أنور معروف، مشيرا إلى أنه يتابع هذا الملف منذ مدة، حيث أكد أن القضية لم تأخذ مجراها الطبيعي، بل «تم تغيير المحضر وتوجيهه إلى المحكمة قبل أن يختفي الملف هذه الأيام من أروقة المحكمة الابتدائية في تونس».
الرئيس سعيّد ينخرط في حرب الملفات: «اختفاء وتدليس» في قضية ابنة وزير النقل
ودعا سعيد إلى تطبيق القانون بشكل كامل «على الجميع دون استثناء أيا كان مهما موقعه أو منصبه داخل الدولة أو خارجها»، مؤكدا مواصلته «الاستماتة في الدفاع عن الحق والعدل وفقا لما يمليه القانون والمسؤولية التي يتحملها»، مؤكدا أنه لن يتسامح أبدا في أي مليم من أموال الشعب يتم استعماله بغير وجه حق، وفق بيان الرئاسة التونسية.
وأثار تصريح سعيد جدلا كبيرا، حيث نفى مساعد وكيل الجمهورية بالمحكمة الإبتدائية في تونس، محسن الدالي، اختفاء الملف المذكور، مشيرا إلى أنه تم توجيه التهم لابنة وزير النقل وسائقه (اللذين كانا على متن السيارة خلال وقوع الحادث)، كما تم توجيه التهم أيضا لشخصين آخرين كانا في السيارة الأخرى التي اصطدمت بالسيارة الحكومية، لكنه قال إنه تم تأخير الجلسة إلى 21 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
كما أصدرت النقابة الوطنية لأعوان وإطارات العدلية، بيانا اعتبرت فيه أن تصريحات الرئيس التونسي تعتبر «اتهاما لكل العاملين في المحكمة الابتدائية في تونس، وخاصة كتبة المحاكم باعتبارهم المؤتمنين على الملفات وحفظها»، مؤكدة أن كتبة المحكمة لا يتحملون مسؤولية غياب هذا الملف، ولا علم لهم بمآله.
وردت الرئاسة التونسية، في بيان، أكدت فيه أنّ الملف القضائي الذي أشار إليه سعيّد «لم يكن موجودا إلى حدود منتصف الأربعاء بين الملفات المعروضة على المحكمة، وقد تمّ التثبت من ذلك في أكثر من مناسبة، كان آخرها ظهر هذا اليوم».
وأكدت أن الرئيس لم يوجه أصابع الاتهام لأي جهة، ولكنه تحدث عن الموضوع من باب «حرصه على المال العام وعلى تطبيق القانون على الجميع دون تمييز أو استثناء»، مشيرة إلى الرئاسة تقوم بمتابعة عدد من الملفات الأخرى «سواء المحفوظة أو التي يراد التعتيم عليها أو إخفاؤها».
وأثار حديث الرئيس عن التلاعب بالملف المذكور جدلا سياسيا، حيث اتهم النائب ياسين العياري، وزير الوظيفة العمومية ومكافحة الفساد محمد عبو بـ«التغطية» على الملف المذكور، مشيرا إلى أنه سيخاطب هيئة مكافحة الفساد ووزير العدل ولجنة مكافحة الفساد في البرلمان للنظر في هذا الأمر.
ودوّن عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد «خطير جدا ما أفاد به رئيس الجمهورية، من تدليس محاضر الشرطة وسرقة ملف قضية السيارة الادارية التي هشمتها بنت وزير النقل في حادث مرور من رفوف المحكمة الابتدائية بتونس. لا للتساهل مع التلاعب بالمال العام. كان على رئيس الجمهورية أيضا ان يعبر بنفس الصرامة أيضا عن استهجانه ورفضه وادانته للتلاعب بالمال العام في صفقة الكمامات الفاسدة الملغاة لوزير الصناعة وفي تضارب المصالح الواضح والفاضح وفي صفقات رئيس الحكومة المشبوهة مع الدولة. لا للتلاعب بالمال العام. لا للتسامح مع كل من تحدثه نفسه للعبث بالمال العام».
من جانب آخر، اتهم رئيس حكومة تصريف الأعمال، إلياس الفخفاخ، حركة النهضة بالتحالف مع حزب قلب تونس لإسقاط حكومته، مشيرا إلى أن الحركة عرضت عليه «صفقة» تتضمن دخول حزب القروي للحكومة، مقابل استمرار حكومته، لكنه رفض. كما اتهم، من جهة أخرى، أطرافا أجنبية بالتآمر على بلاده.
وقال الفخفاخ لإذاعة «إكسبريس» المحلية، إن «منظومة كاملة» كانت تقف وراء خروجه من الحكم، متهما حركة النهضة بالتحالف مع حزب قلب تونس، الذي يرأسه رجل الأعمال نبيل القروي، للضغط عليه لتقديم استقالته.
وأضاف «هذه المنظومة، جزء منها في الحكم وجزء آخر خارج الحكم عملوا تحالفا مقدّسا مع شبكة مصالح كبيرة، ولم يأخذوا بعين الاعتبار لا البلاد ولا الوضع الاجتماعي والاقتصادي والأمني، فكل ما يعنيهم هو مصالحهم الشخصية والحزبية والفئوية والجهوية الضيقة».
وأوضح أكثر بقوله «قلب تونس تحالف مع النهضة لأنه كان منتفعا بالمنظومة وحاول الدخول للحكم ولم ينجح، إضافة إلى أطراف أخرى لا أعرفها (وبينهم مهرّبون)، تحالفوا جميعا ضد حكومة الإصلاح».
وأشار الفخفاخ إلى أن حركة النهضة عرضت عليه قبل أسبوعين من سقوط الحكومة «صفقة لإدخال أطراف للحكم مقابل مواصلة المشوار، لكني لم أرضخ لهم. كان بالإمكان أن أكذب وأن أقول إن تونس ما بعد كورونا في حاجة لحكومة وحدة وطنية لكني قلت: لا».
وأثار تصريح الفخفاخ جدلا، حيث دعاه القيادي في حركة النهضة، السيد الفرجاني، إلى «احترام ذكاء الناس»، مضيفا ”قبل يومين من استقالته عرض على حزب قلب تونس المشاركة في الحكومة بخمسة وزراء وعلى حركة النهضة أخذ ما تريد في الحكومة لكنهم رفضوا ولم يريدوا استغلال ضعفه».
وتابع بقوله «الفخفاخ أكثر شخص يبتز الدولة وكانت لديه شبهة فساد واليوم تأكدت الشبهة». وعبّر عن استغرابه من إدراج مكافحة الفساد أول نقطة في العقد الحكومي في حين أن رئيسها لديه شبهة، مرجحا إمكانية دخول الفخفاخ إلى السجن «إذا صادقت الجهات المختصة على التهمة».
فيما اتهم رئيس كتلة حزب قلب تونس، أسامة الخليفي، الفخفاخ بـ«التشويش على مسار تشكيل الحكومة الجديدة»، مشيرا إلى أن ملف تضارب المصالح أقرته هيئة الرقابة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
وعلق عبد الوهاب الهاني، رئيس حزب المجد على حوار الفخفاخ بقوله «تصريح إعلامي غير لائق لرئيس حكومة تصريف الأعمال المستقال والمستقلة، حيث جرت الأعراف السياسية في الدول الديمقراطية على امتناع المسؤول المغادر عن التصريحات وعن الخوض في الشأن العام طيلة الستة أشهر التي تلي مغادرته، حتى يترك فرصة لسلفه ولا يشوش على مؤسسات الدولة. الاقتدار على إدارة الدولة يعني الاقتدار، دخولا وخروجا، على كتم الغيظ والحفاظ على مؤسسات الدولة ونواميسها وعلى الديمقراطية ومؤسساتها وعلى السلم السياسي والأهلي والوئام المدني».
وكان الفخفاخ أعلن قبل أيام تقديم استقالته للرئيس قيس سعيد، وجاءت الاستقالة بعد ساعات من إيداع حركة النهضة لائحة سحب الثقة من الفخفاخ في مكتب الضبط في البرلمان، حيث ضمت اللائحة 105 إمضاءات لنواب كُتل النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة والمستقبل، وعدد من النواب المستقلين.