تهديدات واشنطن بـ”سحق” النظام الإيراني قد تكون مجرد مجاملة للحلفاء في الشرق الأوسط، لكنها ستقود المنطقة للحرب
تسببت تصريحات وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، الإثنين 21 مايو/أيار الجاري، التي أعلن فيها عن استراتيجية بلاده الجديدة تجاه إيران، بإرباك الكثير من المراقبين، إذ ذهب بعضهم حدَّ وصفها بـ”خارطة طريق للحرب”.
من جانب آخر، رأت تقارير في التهديد بـ”سحق” النظام الإيراني وحلفائه في المنطقة، ما لم يستجب لمطالب واشنطن؛ مبالغةً و”وهماً”، وأن لإدارة الرئيس، دونالد ترمب، من وراء ذلك التصعيد، عدة أهداف، أبرزها إرضاء حلفائه في الشرق الأوسط، الأمر الذي قد لا يتوقف عند ذلك الحد، وقد ينزلق إلى حرب إقليمية.
توقيت التصريحات
وجاءت التصريحات بعد أسبوعين من إعلان ترمب خروج بلاده من الاتفاق النووي مع طهران، نظراً لفشله في تقليص حجم “الأخطار”، التي تشكلها سياسات وممارسات النظام الإيراني على دول المنطقة، بحسب قوله.
كما تزامنت مع تزايد التساؤلات حول خطوات واشنطن المقبلة، وترجمة “تمزيق” الاتفاق النووي إلى خطوات عملية، وهو القرار الذي غامر لأجله ترمب بعلاقات إدارته مع العديد من الحلفاء، وخصوصاً مع الضفة الأخرى من الأطلسي، وبقدرة بلاده على إقناع مختلف الدول بالتزامها بالتعهدات، مستقبلاً.
وقبل ساعات قليلة من خطاب وزير الخارجية الأميركي، نشرت وكالة “بلومبيرغ” بالفعل تقريراً يؤكد عدم اكتفاء حلفاء واشنطن في المنطقة، وخصوصاً السعودية والإمارات، بخروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، وإعادة فرض عقوبات اقتصادية على طهران وحسب.
وأشار التقرير إلى قائمة مطالب تشمل ممارسة ضغوط على الأوروبيين لإنهاء الاتفاق النووي تماماً، وعلى روسيا وتركيا لإقناعهما بضرورة إخراج طهران وحلفائها من سوريا، إضافة إلى المساهمة في تحفيز الشارع الإيراني على تصعيد الضغوط الداخلية، وتشديد القبضة في العراق بإزاحة المحسوبين على إيران من الحكم، وإن تطلّب الأمر عملاً عسكرياً محدوداً ومركزاً.
من جانبها، تتولى الرياض مواجهة الحوثيين في اليمن، فيما تتكفل إسرائيل، وبتحفيز عربي وأميركي، بمواجهة حزب الله في لبنان وجنوبي سوريا.
تبدو تلك المطالب أكبر من أن تستطيع واشنطن تلبيتها، بحسب التقرير، وتنضوي على مخاطر تجاوز الخطوط الحمر للنظام الإيراني، ودفعه إلى تسريع عملية إنتاج قنبلة نووية، وتوسيع دائرة الحروب في المنطقة وشراستها.
“هكذا تبدأ الحروب”
إلا أن إدارة ترمب تقدَّمت رغم ذلك خطوة نحو تنفيذ هذه الخطة، بإصدارها استراتيجية التعامل مع إيران، أو “المطالب الـ12″، والتي علَّق عليها تقرير لوكالةCNBC بالقول: “هكذا تبدأ الحروب”.
ويوضح التقرير أن العقوبات “الأقسى في التاريخ”، التي تعتزم الإدارة الأميركية فرضها على طهران، سيضع الأخيرة بين خيارين؛ حفظ مكتسباتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، أو إنقاذ اقتصادها وتخفيف الإنفاق العسكري.
وإن كانت خطة بومبيو، وداعموها، يراهنون على اختيار إيران الطريق الثاني، فإن التجربة مع النظام في طهران على مدار 4 عقود تثبت أن الذي سيحدث هو العكس، بل ربما أسوأ من ذلك؛ قد يعود المتشددون إلى الحكم معبَّئين بالكثير من الغضب، بعد سنوات من معارضتهم سياسات الرئيس حسن روحاني “الناعمة”.
كما تقتضي الخطة استهداف أذرع إيران في المنطقة وقادتها العسكريين، وخصوصاً قادة الحرس الثوري وفيلق القدس، وهي وصفة سريعة لإشعال الحرب، بحسب التقرير.
وحتى إن لم تُقدم واشنطن على خطوات عملية ضد إيران بشكل مباشر، فإن مراقبين يحذرون من تسبّب عملية التسخين الكبيرة لنقاط الاشتباك في تفجر الأوضاع وانزلاق دول المنطقة، إلى حرب شاملة، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كان ترمب وقيادات إدارته يرغبون بالفعل في الدخول في مواجهة عسكرية تدمر النظام الإيراني.
مجرد “وهم”
من جانب آخر، وباستذكار سيناريو كوريا الشمالية، فإن احتمال أن تكون تصريحات بومبيو غير مبنية على نوايا لاتخاذ خطوات عملية وارد جداً، وربما تكون في إطار استرضاء الحلفاء في الشرق الأوسط.
فبعد أشهر قليلة، وربما أسابيع، من توعُّد ترمب بـ”النار والغضب” للنظام الكوري الشمالي، تحول المشهد إلى “رومانسية” لم يسبق لها نظير في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل إن الرئيس الأميركي أبدى حرصاً أكبر من نظيره على إجراء قمة تجمعهما.
ووصف تقرير نشرته CNN، للباحث الأميركي، جوناثان كريستول، خطة إدارة ترمب الجديدة إزاء التعامل مع إيران بأنها مجرد “وهم”.
“كريستول” أوضح أن الشرق الأوسط سيكون في غاية الاستقرار، إذا أنهت إيران برامجها النووية والصاروخية، وأوقفت دعمها للجماعات “الإرهابية” وتدخلاتها في دول المنطقة، وانسحبت من سوريا، إلا أن الحقائق السياسية بعيدة عن ذلك “الخيال”، الذي يبدو أن قادة السعودية وإسرائيل يسعدون بالاستماع إليه.
واتفق مع ذلك الرأي “جاريت بلانك”، المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، الذي قال في حديث مع موقع شبكة DW الألمانية، إن ما تم الإعلان عنه مجرد “قائمة أمنيات مبعثرة”.
“بلانك”، الذي عمل في إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، لتنسيق تطبيق الاتفاق النووي، أضاف للشبكة الألمانية أن ترمب يقدّم “وهماً لتغيير النظام بدون أي موارد أو إمكانات”، وبدون إرادة دولية ومبررات منطقية.
ويتَّفق كثير من المراقبين على ضعف قدرة الولايات المتحدة في مجاراة أي تطورات دراماتيكية نحو حرب شاملة في الشرق الأوسط، سواء من حيث الجاهزية العسكرية والاستراتيجية، أو الحسابات الاقتصادية والسياسية، وهو ما يُستبعد أن يكون الرئيس الأميركي غير مطلع عليه.
أسباب التصعيد
وفي حال استُبعد خيار جدية واشنطن في مواجهة إيران، واكتفاؤها بإعادة عقوبات كانت مفروضة سابقاً لسنوات، فإن التصعيد الأخير قد تفسره، كما سبقت الإشارة، رغبة ترمب بإرضاء حلفائه.
وليس مؤكداً ما إذا كانت السعودية وإسرائيل ستكتفيان بذلك التهديد بـ”السحق”، إلا أن تصعيد اللهجة سيزيد، بحد ذاته، من عزلة طهران، ومن الضغوط على الأوروبيين والأطراف الإقليمية التي تتعامل معها، وربما استفزازها لاقتراف أخطاء قد تجرها إلى مربع الإدانة الدولية.
وفي الوقت ذاته، يُحقِّق ترمب من الخطوة جذبَ شيء من الأنظار عن الضغوط الداخلية التي يتعرَّض لها، في إطار التحقيقات بشأن عرقلة العدالة والتدخل الروسي في إيصاله إلى البيت الأبيض، إضافة إلى ما تشير له عدة تقارير حول حرص ترمب، في مختلف الشؤون الداخلية والخارجية، على محو ميراث سلفه، واتخاذ سياسات معاكسة تماماً لتلك التي سلكها.
وفي هذا السياق، فإن قدرة النظام الإيراني على قراءة المشهد بدقة، والتفاعل معه بحذر، سيجنب المنطقة تفجر القنبلة التي زرعها ترمب وبومبيو، فيما لن تجني الأطراف الإقليمية الأخرى نتائج تذكر للأثمان الباهظة، التي قد تكون دفعتها لتوجيه السياسات الأميركية.