تناول الجبن يفيد القلب ولا يسبب ارتفاع الكوليسترول في الدم
لطالما اعتقد عشاق الأجبان أن الاستمتاع بتناول بعض الجبن الغني بالدهون والبروتينات يساعدك على تحسين صحتك. وفي الوقت الراهن، يبدو أن العلم يدعم موقفهم. ويعد الجبن من الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة، التي غالباً ما تشكل خطراً على صحة القلب. وقد أكد معظم أخصائيي التغذية أنه «يجب علينا فقط أن نتناول كميات محدودة من الدهون، المتسببة في انسداد شرايين القلب»، حسب موقع science alert الأميركي.
ليست سيئة لصحة القلب بل تخفض الكوليسترول!
من خلال إجراء دراسات متتالية، اكتشف خبراء التغذية في جميع أنحاء العالم أن منتجات الألبان قد لا تكون سيئة لصحة القلب كما كنا نعتقد من قبل، حيث يمكن أن تساعد أنواع معينة من منتجات الألبان الدهنية، بما في ذلك الجبن، على خفض نسبة الكوليسترول في الدم. ولكن يجب إجراء دراسات معمقة أكثر على مجموعات أكبر من عشاق الجبن للتأكد من صحة هذه النتائج.
وفي دراسة حديثة، وجد الباحثون أن نسبة الكوليسترول انخفضت أكثر لدى الأشخاص الذين يعانون من زيادة الوزن في منتصف العمر وتناولوا جبنة شيدر كاملة الدسم، مقارنة بالأشخاص الذين كانوا يتناولون الجبن أو الزبدة القليلة الدهون، مما يشير إلى أن هناك شيئاً مميزاً حول طريقة هضم الجسم للجبن العتيق. (لقد تم تمويل الدراسة جزئياً من قبل شركات الألبان الأيرلندية، غير أن الباحثين توصلوا إلى استنتاجاتهم الحالية من خلال العمل بشكل مستقل.)
يعتقد علماء الغذاء الذين أجروا بحثاً آخر حول الجبن أن هناك عنصراً مميزاً منخفض القيمة الغذائية في الطعام الدسم القديم الذي يساهم بدوره في تعديل نسبة الكولسترول في الجسم مقارنة بمنتجات الألبان الأخرى.
التركيب البنائي للجبن
ويطلق العلماء على طريقة ترتيب العناصر الغذائية التي تدخل في تركيبة الجبن على غرار البروتين والكالسيوم اسم «التركيب البنائي للجبن». وخلال حوار أجرته مع موقع Business Insider، أفادت مؤلفة الدراسة الرائدة إيما فيني، التي تدرس تغذية الإنسان والتمثيل الغذائي في جامعة دبلن: «أنا أفترض أن «التركيب البنائي» للجبن يبدو مفهوماً غامضاً للغاية»، مضيفة أنها في الحقيقة لا تعتقد بصحة هذا المفهوم وتعتبره مجرد عبارة مبهرجة للتركيبة العامة للجبن.
وأظهرت الدراسة التي أجرتها فيني على 164 بالغاً من الأيرلنديين، الذين يعانون من زيادة الوزن في منتصف العمر، ونشرت في هذا الشهر في مجلة American Journal of Clinical Nutrition، أن المشاركين الذين أدرجوا قطع جبن شيدر إيرلندي كامل الدسم في وجباتهم الغذائية، في حين كانوا يحدون من تناول منتجات الألبان الأخرى ويشربون أوقيتين من الحليب يومياً، لم يكتسبوا وزناً إضافياً.
بدلاً من ذلك، انخفض مستوى الكوليسترول في الدم لديهم، ناهيك عن مستويات الكوليسترول الضار. وقد أكل المشاركون طناً من الجبن أثناء الخضوع لهذه الدراسة من خلال تناول 120 غراماً، أو أكثر من نصف كتلة الجبن الأيرلندية القياسية، الذي يعد من أنواع الجبن عادة ما يكفي حاجة عائلة كاملة من محبي الجبن.
ودراسة أخرى تؤكد النتيجة الإيجابية للجبن
وتتوافق هذه النتائج مع النتائج التي توصلت إليها دراسة أخرى نُشرت خلال شهر يوليو/تموز، وشارك فيها أكثر من 2900 من البالغين الأميركيين لأكثر من عقدين. وقد توصلت هذه الدراسة إلى أن الأشخاص الذين يستهلكون منتجات الألبان كاملة الدسم ليسوا أكثر عرضة لخطر الوفاة جراء أي مرض، بما في ذلك الأزمات القلبية، من أي شخص آخر.
واكتشف علماء الغذاء أن التقليل من تناول الأطعمة مرتفعة السعرات الحرارية أو التركيز على تجنب تناول مجموعات غذائية معينة، على غرار الكربوهيدرات أو الدهون، لا يعد سر التمتع بحياة طويلة وصحية.
الدهون المشبعة كغذاء صحي!
أوضحت فيني أننا نحتاج للتوقف عن التفكير في الأطعمة من حيث مستوى الدهون وما تحتويه من دهون مشبعة والتفكير في تناولها كغذاء متكامل». وخلال هذه الدراسة، عملت فيني على تقسيم المشاركين إلى أربع مجموعات، حيث كانت المجموعة الأولى تستهلك الجبن كامل الدسم وتتناول حوالي 120 غراماً من جبن الشيدر يومياً. أما المجموعة الثانية، فقد تناولت جبن شيدر قليل الدسم مع الزبدة، في حين تناولت المجموعة الثالثة الزبدة بالإضافة إلى مسحوق البروتين ومكملات الكالسيوم (التي تتمتع بنفس القيمة الغذائية للجبن)، بينما مُنعت المجموعة الرابعة من تناول الجبن بتاتاً.
تبيّن أن مستويات الكوليسترول في الدم لدى مستهلكي الجبن كامل الدسم كانت منخفضة مقارنة بالمجموعة التي استهلكت الأجبان منخفضة الدسم والزبدة مع بعض الإضافات. ويعتقد الخبراء الذين أشرفوا على هذه الدراسة أن هذا قد يكون دليلاً على أن الكالسيوم والبروتين الموجود في الجبن، الذي يتم استهلاكه كغذاء كامل وليس كمكمل غذائي أو عنصر في نظام غذائي، قادراً على التقليل من التأثيرات الجانبية للزبدة المشبعة بالدهون التي تسبب انسداد الشرايين، حسب تقرير موقع science alert الأميركي.
ولكن هناك تحفظاً كبيراً بشأن هذا الموضوع. فبعد أن انسحب العديد من الأشخاص من المجموعة التي لا يسمح لها بتناول الجبن (الذين تطوعوا ووافقوا على الامتناع عن تناول الجبن لمدة ستة أسابيع)، باتت النتائج المسجلة في هذه المجموعة غير كافية للجزم بفرضية أن تناول الجبن يمكن أن يساعد بشكل أفضل على التقليل من نسبة الكوليسترول في الدم مقارنة بعدم استهلاكه مطلقاً. وقد حذرت إيما فيني قائلة: «لن نكون قادرين على الجزم بذلك من خلال هذه النتائج فقط. لكنها بالتأكيد تبدو على هذا النحو».
بماذا يتميز الجبن؟
لاحظ خبراء التغذية من جميع أنحاء العالم أن الأشخاص الذين يتناولون كميات أكبر من منتجات الألبان المخمرة، مثل الجبن والزبادي، هم أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكري من النوع الثاني. وعلى الرغم من أن أسباب ذلك ما زالت غير مفهومة، إلا أن هناك بعض القرائن القوية على ذلك. وتتعلق القرينة الأولى ببروتين الألبان.
إن الكازين هو بروتين رئيسي في الجبن والحليب، وتكون عملية هضمه أبطأ من معظم البروتينات الحيوانية الأخرى. ويمثل الكازين الجزء الرئيسي من مكونات البروتين في الألبان. فعلى سبيل المثال، تتراوح نسبة الكازين في جبن حليب الأغنام بين 76و83% من قيمة البروتينات الموجودة فيه.
يحتوي الجبن على دهون مركزة أكثر من الحليب لأن عملية إعداد الجبن تعتمد على فصل مصل اللبن السائل عن الروائب، ومن ثم تضاف إليه البكتيريا ويتم تحويل سكر اللبن إلى حمض لبني مما يجعل المنتج مخففاً بصفة أقل. وعند صناعة جبنة شيدر، يتم إضافة الملح وتكثيف المنتج وتشمل العملية تحويله وتقادمه مع مرور الوقت. خلال هذه العملية، تقوم البكتيريا بتحطيم البروتينات في جبنة الشيدر، مما يجعلها تكتسب نسيجاً قابلاً للمضغ ونكهة الجبن. لكن، لا يعتقد الجميع أن بروتين الألبان القديم جيد لصحتنا.
كانت وجهة نظر عالم الكيمياء الحيوية ومؤلف كتاب The China Study، توماس كولين كامبل، نقدية بشأن بروتين الكازين، وقد قضّى عقوداً من الزمن لإثبات أن النظام الغذائي النباتي أفضل للصحة من المنتجات الحيوانية. ويعترف كامبل بأن تفكيك العناصر الغذائية إلى مكونات فردية لا يخلق صورة واضحة عن كيفية هضم أجسامنا لما نستهلكه من طعام. وقد كتب كامبل في مدونته: «إن التحقيق في التأثيرات المستقلة لمادة واحدة في نفس الوقت، كما هو الحال مع الكازين، غير مكتمل ومضلل للغاية. ويمكن لهذه المعلومات أن تكون ثمينة للغاية وتمثل حجر الزاوية في طريق البحث عن حقيقة أكبر».
لا تكسر الغشاء
هناك تفسير محتمل آخر يكشف لنا لماذا قد تكون الدهون الموجودة في الجبن أفضل لصحتنا من تلك الموجودة في الزبدة، وهو الغشاء الذي يحتوي على جزيئات دهنية في اللبن ويعرف باسم Milkfat globule membrane.
إن «MGM» هو غلاف خارجي صغير يحيط بقطرات الأحماض الدهنية المتواجدة في الحليب التي تعرف باسم الليبيدات، التي لا تتلف عند صناعة الزبدة. في هذا الإطار، قالت فيني: «عندما تصنع الزبدة فإنك بذلك تقوم بإتلاف هذا الغشاء».
(تحتوي منتجات الألبان الأخرى الغنية بهذا المكون الغذائي، على غرار الكريمة، على ضعفي الأغشية الدهنية الموجودة في الزبدة في كل غرام من الدهون، وهي لا تؤدي إلى ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم).
بناء على ما ذكر آنفاً، يبدو أن الجبن يساهم في تخفيض نسبة الكولسترول، إلا أن الاعتدال لا يزال يمثل عنصراً أساسياً في هذه المعادلة، حيث قالت فيني: «نحن لا نوصي الأفراد بتناول 120 غراماً من الجبن يومياً. ولكن تناول الكميات المسموح بها من الجبن لن يسبب لك أي ضرر».