تقنية قد تُحدث ثورة في عالم الطب تقوم على الاستماع لتواصل البكتيريا
قال باحثون إن تقنية من شأنها إحداث ثورة في عالم الطب تتيح الاستماع إلى التواصل بين البكتيريا، مما يمكّنها من أن تحدّ من مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية.
وأوضحت صحيفة Daily Mail البريطانية، أنه يمكن استخدام ذلك الفحص، الذي لا يزال قيد التطوير، لتشخيص أي شيء بدءاً من عدوى المسالك البولية ووصولاً إلى التهابات الرئة لدى مرضى التليّف الكيسي.
ويعمل الفحص عن طريق ترجمة التواصل الذي يحدث بين البكتيريا قبل أن تتفشّى وتُهاجم الجسد، حيث تصير في هذه المرحلة مُهددة للحياة.
ويحذّر الباحثون من أن الأمر قد يستغرق أياماً خلال الفحوص القياسية، مثل المسحة من الجزء الخلفي من الحلق، حتّى يتمكّن الباحثون من الخروج بنتيجة والوصول إلى تشخيص.
الوصول إلى البكتيريا في غضون 30 ثانية
ويقود هذا الأطباء إلى وصف المضادات الحيوية في وقت مبكّر من العدوى، مما يحفّز مقاومة الأدوية، وهو ما وُصف بأنه أحد أكبر المخاطر التي تهدد الصحّة العالمية.
وتقول الطبيبة فاطمة الزهراء الأتراكتشي إن التكنولوجيا الجديدة التي ينطوي عليها الفحص الجديد بإمكانها الكشف عن البكتيريا والخروج بتشخيص في غضون 30 ثانية.
وتأمل فاطمة أن يسمح هذا للأطباء بوصف أدوية مُحدَدة على الفور، مما يقلل من استخدام العلاجات الشاملة أو التخمين.
في حديثها إلى صحيفة Daily Mail البريطانية، قالت الدكتور فاطمة، وهي مؤسسة شركة PreDiagnose التي تطور الفحص: «أعتقد أنه سيكون ثورة في تشخيص البكتيريا».
وأضافت: «ستحصل على العلاج المناسب تماماً بناءً على العينات التي تعطيها عند حدوث العدوى». وأوضحت: «توجد مضادات حيوية واسعة المجال وتغطي كل البكتيريا، لكنها ليست متخصصة. يغيرها الأطباء بناءً على نتائج المعمل».
وتضيف: «هذا النهج المُتّبع هو إهدار هائل للموارد. وتقول الفرضية إنه إذا علمنا البكتيريا بالضبط، فيمكننا الوصول إلى العلاج المستهدف وتقليل كمية المضادات الحيوية المستخدمة التي يستخدمها كل مريض».
مما يساعد على تجنب تفاقم الوضع
وتتواصل البكتيريا عن طريق إفراز الجزيئات، وعندما يكون هناك تراكم كبير لتلك الجزيئات، فتكون هذه إشارة للبكتيريا بأنها ليست وحدها.
وتعرف البكتيريا حينها أن هناك فرصة لمهاجمة الجسم، ويبدأ العمل حين يكون هناك الحد الأعلى اللازم لذلك. وقد تتغلّب تلك البكتيريا مجتمعة على البكتيريا الصحية، وتزدهر وتفرز السم الذي يشكل خطراً على جسم الإنسان.
وتقول الدكتورة فاطمة: «حين تقوم البكتيريا منفردة بفعل شيء، فهذا لا يصاحبه أي أثر، ولكن حين تقوم الكثير من البكتيريا بالهجوم، يتسنّى لهم مزامنة سلوكياتها والتأثير على جسدك».
ويُعتبر هذا خطيراً بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من اعتلال بجهاز المناعة؛ مثل المصابين بالتليّف الكيسي، أو الذين يتلقّون علاجاً للسرطان.
وأدركت الطبيبة إمكانية تبنّي الاختبار أثناء تجربته على 62 مريضاً بمرض التليف الكيسي في عام 2016، ولم تُنشر نتائج دراستها هذه بعد.
وتبيّن أن هذا الفحص قد كشف عن التواصل فيما بين البكتيريا لدى أكثر من نصف المرضى، في حين أن الاختبارات التشخيصية التقليدية لم تكشف عن إصابة هؤلاء بأي اعتلال.
يرجع هذا إلى حقيقة أن الاختبارات التشخيصية التقليدية ليس بإمكانها سماع ما تُسمّية الطبيبة «البكتيريا الهامسة»، والتي يجب اكتشافها بسرعة قبل أن تتفاقم من حالة الاستعمار البسيط إلى عدوى مُهددة للحياة.
وقالت: «لقد علمت من الاختبارات التي أجريتها أن بعض المرضى ربما سوف يصابون بالعدوى، ولكن نظراً لأننا لم نتحقق من النتائج، لم يكن بإمكاننا فعل أي شيء».
وأضافت: «إن هذا بمثابة مشهد البطل في عالم هوليوود، ولكن هناك إرشادات علينا اتّباعها لأنه من الخطير تغيير خطّة العلاج».
الوصول لهذا الاكتشاف في عالم الطب لم يكن سهلاً
وكان هذا صعباً للغاية بالنسبة للطبيبة، التي كانت تتابع حالة فتاة صغيرة مصابة بالتليّف الكيسي خارج نطاق التجارب السريرية.
إذ كانت تُرسل عيّنة من لُعاب الطفلة إلى المستشفى من أجل الاختبارات التشخيصية في أحد المعامل مرّة واحدة شهرياً، للكشف عن الإصابات المُحتمل أن تُهدد حياتها. واستخدمت الطبيبة أداتها أيضاً.
وفي الشهر الثالث، اكتشفت الطبيبة وجود بكتيريا تحتشد لتدمير رئتها، وكانت تزداد شراسة مع الوقت.
واستغرق الأمر نصف عام آخر لإجراء الاختبار التشخيصي التقليدي للكشف عن البكتيريا، وفي ذلك الوقت تطورت إصابة الفتاة لتصبح عدوى خطيرة.
ولم يتسن للأطباء علاج العدوى، وتوقّع انتهاء عمر الفتاة ببلوغ العشرينات من عمرها.
وعلى الرغم من أن جهاز التشخيص يفتح باب الأمل للمرضى المُعرّضين للخطر، فإنه يمثل أيضاً خياراً واعداً في الحالات الأقل خطورة، مثل التهاب الأذن.
وسيكون جهاز الفحص مشابهاً لجهاز اختبار الحمل، إذ يظهر قيمة أو نتيجة بالإيجاب أو السلب. قالت الدكتورة فاطمة: «نحن نعمل مع الأطباء ليصير الجهاز سهل الاستخدام».
وأوضحت: «سيكون الأمر أشبه بأخذ قطرة صغيرة من الدم، مثلما يحدث خلال إجراء اختبار الغلوكوز لدى مرضى السكري، ثم توضع القطرة على جهاز استشعار».
خاصة وأن العملية تقوم على فهم «محادثات الكائنات»
وأضافت الطبيبة: «يمكنني اكتشاف المرض خلال وقت قصير للغاية. يمكنني فعل ذلك خلال 30 ثانية، بينما إذا اضطلعت بعملية التشخيص عن طريق أخذ مسحة من الجزء الخلفي من الحلق وإجراء مزرعة بكتيريا، فسيستغرق الأمر 5 أيام».
وبالنظر إلى وجود آلاف المحادثات بين الكائنات الدقيقة في حاجة للفهم، لا يزال أمام البحث طريق طويل يخوضه.
ومع ذلك، قالت الطبيبة إن التجارب السريرية الممتدة تجري حالياً، وينبغي خلال عام أن نكون قد توصّلنا إلى اختبار يلائم إحدى الكائنات الدقيقة على الأقل.
وقالت منظّمة الصحة العالمية في تحذير شديد اللهجة إن مقاومة المضادات الحيوية ترتفع إلى مستويات عالية بشكلٍ خطير في جميع أنحاء العالم.
فقد صارت البكتيريا مقاومة للعقاقير بسبب سوء الاستخدام والمغالاة في وصفها من قِبل الأطباء.
وتتزايد حالياً صعوبة علاج عدد متزايد من الالتهابات، مثل الالتهاب الرئوي، والسل، والسيلان، والسالمونيلا- فقد أصبحت المضادات الحيوية المستخدمة لعلاجها أقل فعالية.