تقرير يكشف جرائم النظام السوري ضد المعتقلين
كشف تقرير حقوقي صدر مؤخراً فظائع ارتكبتها قوات النظام السوري ضد المعتقلين السياسيين لإجبارهم على الاعتراف، ما تسبب في إصابة العديد منهم بأمراض نفسية تحتاج إلى رعاية صحية.
وبحسب التقرير الذي أصدرته، الإثنين الماضي، منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية سورية، فإنَّ قوات الأمن استخدمت الاغتصاب والتعقيم القسري، فضلاً عن ربط الأعضاء التناسلية للرجال، وحرقها وتشويهها لإجبارهم على الاعتراف والخضوع.
وقال علماء نفس ومجموعات رصد، الإثنين الماضي 11 مارس 2019، إنَّ قوات النظام السوري تستخدم العنف الجنسي على نطاق واسع لإذلال السجناء الذكور وإسكاتهم، وهو ما يعرض نافذة نادرة على نمط من أنماط الانتهاك نادراً ما يناقشه الناجون منه.
فبعد ثماني سنوات من بداية الثورة السورية، فإنَّ أكثر من 100 ألف محتجز، معظمهم في سجون النظام لا يزال مصيرهم مجهولاً. وبحسب منظمات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، فإنَّ التعذيب والانتهاك ممنهجان، ومن المحتمل أنَّ آلافاً من أولئك السجناء، إن لم يكن عشرات الآلاف، في عداد الموتى بحسب تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية.
ومع أنَّ الكثير من أشكال الانتهاك موثقة جيداً، فإنَّ الرجال الذين يخرجون من زنازين السجون السورية عادة بعد سنوات من الإهمال في ظلام شبه كامل، نادراً ما يناقشون مستويات العنف الجنسي الذي واجهوه، وليس ثمة الكثير من المساعدة النفسية المتاحة للناجين.
أين وقعت الانتهاكات؟
قال التقرير إنَّ هذه الانتهاكات حدثت عند نقاط التفتيش، وخلال توجه السجناء إلى مراكز الاحتجاز وداخل غرف التحقيق. وأكد العديد من الرجال أنَّ السجانين كانوا يدخلون خراطيم مياه إلى فتحة الشرج ويفتحون الصنبور، ما كان يؤدي إلى انتفاخ أجساد السجناء.
وليس ثمة إحصائيات دقيقة عن حجم الانتهاكات الجنسية داخل السجون السورية، جزئياً لأنَّ الناجين منتشرون في جميع أنحاء العالم. وعادة ما يتردد المحتجزون السابقون في الإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات، لا سيما أنهم قادمون من مجتمعات محافظة تكون فيها مناقشة العنف الجنسي من المحرمات.
لكن من بين 138 رجلاً حاورتهم منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، أبلغ أكثر من 40 منهم عن تعرّضه لشكل من أشكال الانتهاك الجنسي. ارتفع هذا الرقم إلى حوالي 90٪ عند وصف حالات التعرية القسرية التي أمر بها حراس السجن.
وقالت منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان: «إنَّ ما جرى الكشف عنه هو عنف جنسي شامل وواسع النطاق ووحشي ضد السجناء السياسيين السوريين طوال الوقت [على يد] أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري ومراكز احتجازها». وكانت هذه الشهادات مصحوبة بتقييمات طبية. وقارن الخبراء في علاج العنف الجنسي بين تفاصيل روايات الناجين وهذه التقييمات، كلما كان ذلك ممكناً.
ووصف عشرات الرجال الذين كانوا محتجزين سابقاً في سجون النظام، لا سيما في دمشق، في مقابلات مع صحيفة “واشنطن بوست” ، كيف أُمروا بالتجرد من ملابسهم قبل تعرضهم للضرب المبرح، أو كيف أمضوا أياماً عراة إلى جانب سجناء آخرين في زنازين مكتظة وقذرة. وأبلغ آخرون عن أشكال متطرفة من الانتهاك الجنسي تضمنت أدوات آلية أو أشياء حادة.
«يا ليتني لم أخلق»!
وقال أحد الرجال، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته خوفاً على أمن أسرته في منطقة واقعة تحت سيطرة قوات الأسد: «كانت هناك لحظات لم أكن أتعرف فيها على نفسي بوصفي إنساناً. بينما كنت مستلقياً هناك، لم أكن أريد الموت. لقد تمنيت أنني لم أخلق قط»، بحسب الصحيفة الأمريكية.
تصف روايات الناجين هذه حالات تاريخية من سوء المعاملة، لكن ليس ثمة الكثير من المؤشرات على توقف هذه الممارسة. إذ احتجز أكثر من 2000 سوري منذ شهر نوفمبر، معظمهم على أيدي القوات المرتبطة بالنظام، وذلك وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ولا يزال من غير الواضح عدد الأشخاص الذين أُرسلوا إلى مراكز احتجاز، بدلاً من التجنيد القسري. لكنَّ المحتجزين المفرج عنهم حديثاً يقولون إنَّ وتيرة وحجم الانتهاكات داخل سجون النظام وفروع الأمن لم تتغير.
يمكن لإرث الانتهاك الجنسي أن يكون مدمراً، وقد تستمر الصدمة سنوات بعد الخروج من السجن. إذ وصف أكثر من ثلاثة أرباع الرجال الذين أجريت معهم المقابلات إصابتهم بالاكتئاب، وومضات التذكر والكوابيس منذ مغادرتهم السجن.
وسجل علماء النفس في مدينة غازي عنتاب، وهي مدينة تقع جنوبي تركيا وتعد مركزاً للسوريين الفارين من الحرب، حالات انتحار يعتقدون أنها مرتبطة بالانتهاك الجنسي الذي تعرضوا له في سجون النظام السوري.
الدمار النفسي
وقال جلال نوفل، وهو طبيب نفسي يعمل مع المحتجزين السابقين في غازي عنتاب: «أولئك الرجال القادمون من مجتمعات محافظة عادة ما يغادرون شاعرين بالدمار والإهانة بوصفهم رجالاً. عادة ما يعتقد المرضى الذين نراهم أنهم لا يستطيعون التعافي من ذلك».
وقال نوفل لصحيفة “واشنطن بوست”: «لم يتحدث رجل من مدينة دوما مع أسرته لمدة ثلاثة أيام بعد عودته، ثم قتل نفسه. ولم نعرف قصته الكاملة إلا من زملائه السابقين في الزنزانة بعد موته».
المساعدة المتاحة لإعادة تأهيل المحتجزين السابقين ضئيلة، إذ تفوق الحاجة قدرة المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية العاملة في سوريا وفي البلدان التي تستضيف لاجئي الحرب، ويكون الرجال أقل احتمالية بكثير من النساء لطلب المساعدة.
ووفقاً لمنظمة أطباء بلا حدود، فإنَّ نسبة الرجال من بين الناجين من العنف الجنسي من 61 بلداً ممن طلبوا المساعدة بين عامي 2004 و2014، كانت 5٪ فحسب.
وقال ناجون، في المقابلات التي أجروها مع منظمة محامون وأطباء من أجل حقوق الإنسان، إنهم عادة ما كانوا يختارون العزلة، وفي كثير من الأحيان كانوا ينسون تفاصيل عن حياة أسرهم في الوقت الذي يكونون فيه غير قادرين على التخلص من ذكريات الوقت الذي قضوه في السجن. شبَّه أحد الرجال نفسه بطائر صغير. وقال رجل آخر، عرف باسم عبدالله في التقرير، لأحد الباحثين إنه كان يعيش في خوف دائم.
وقال عبدالله: «لقد ماتت الروح يا دكتور».