تفاصيل جديدة عن تعذيب الباحث الأردني يونس قنديل.. كتبوا على ظهره بالسكين وأحرقوا لسانه وكسروا أصابعه
منهك الجسد، ومثقل بالهموم والأعباء، هكذا بدا الأمين العام لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود» يونس قنديل، وهو يرقد على فراش المرض في مستشفى الأردن، بالعاصمة الأردنية عمان، بعد الحادثة الوحشية التي تعرَّض لها على أيدي مجهولين.
بعد ترحيبه السريع طلب على الفور البدء بالحوار، لأنّه بدا وكأنه قد فقد التركيز مع من كانوا حوله.
وكانت الأجهزة الأمنية في الأردن عثرت على الكاتب يونس قنديل، بعد ساعات على اختفائه، تعرض خلالها للضرب والتعذيب من قبل مجهولين في العاصمة عمان. وقالت مؤسسته في بيان، إن قنديل تعرَّض للخطف من قبل 3 مسلحين، إذ تم إنزاله من سيارته بالعنف وتحت تهديد السلاح وأخذه لمنطقة نائية.
وأضافت المؤسسة أن قنديل تعرَّض هناك للضرب المبرح من قبل المسلحين، ومورست عليه شتى أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، وتم حرق لسانه وكسر إصبعه، والكتابة على ظهره بالسكين الحادة، كإشارة رمزية بشعة لإسكات لسانه وكسر قلمه، وطلب منه حرفياً أن يتوقف هو والمؤسسة عن الكتابة والحديث.
قنديل: خطفوني وأحرقوا ظهري ولساني
#فيديو.. قنديل: خطفوني وأحرقوا ظهري ولسانيتعرض أمين عام منظمة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والابحاث” الدكتور يونس قنديل للاختطاف والاعتداء عليه أمس الجمعة بحسب ما صرح لـ”الغد”.ومن المستشفى على سرير الشفاء، روى قنديل ما حصل له، معتبرا أن هذا بسبب “التهديد” الذي تعرض له على إثر المؤتمر الذي كانت تعد المنظمة لعقده في عمان.وبين قنديل أنه بعد أن تم تركه وشأنه، فك وثاقه وبدأ يستغيث إلى أن حضرت الشرطة.#الغد #الاردن
Gepostet von Alghad Newspaper am Samstag, 10. November 2018
تحدَّث قنديل عن ملابسات الاعتداء عليه، نافياً وجود علاقة بين منع السلطات الأردنية لعقد مؤتمر له وبين حادثة الاعتداء. وأوضح أنه لا يستطيع أن يضع رابطاً وثيقاً قبل أن يستدل عليه بحقائق بخصوص هذا الأمر.
قضية المؤتمر وضعت في سياق ساخن ومحتدم
ويرى قنديل أن موضوع منع المؤتمر خرج عن كونه متعلقاً بمؤتمر أو بعنوان محاضرة، فقد تحول لقضية رأي واهتمام عام، وتمّ التفاعل معه ضمن النسق والمناخ السياسي الأردني وضمن مناخ الاستقطاب في الرؤى والآراء والقضايا التي أثيرت حوله، مثل: قضايا علاقة الدين بالمجتمع وعلاقة الدين بالسياسة وعلاقة الكفر بالإيمان والإلحاد.
وشدّد على أنّه تم وضع قضية المؤتمر في سياق نقاشي هو في أساسه ساخن ومحتدم، ولذلك تم إسقاط خلفيات النقاش الأردني على المؤتمر بشكل تعسفي من كافة الأطراف، على حد تعبيره.
وتابع قنديل قائلاً: «لقد نسي الجميع أنّ هذا المؤتمر كان من المفترض أن يشكل استثناءً، وأن يخلق بيئة نقاش موضوعية أكثر، وأن يكون بعيداً عن الخطاب التحريضي والاتّهامي الذي بدأ يسيطر على الساحة الأردنية، سواء كان واقعياً أو في فضاءات التواصل الاجتماعي، فقد تم إسقاط آليات التواصل والتنابذ والتحارب الموجودة في هذه الفضاءات على كيفية التعامل مع المؤتمر والقائمين عليه».
وقال لـ «عربي بوست» إنه يحمل المسؤولية لكل من قام بالتحريض وتفريغ المؤتمر من مجاله الفكري والأكاديمي ووضعه داخل الصراع السياسي، معتبراً أنّ هؤلاء أصدروا حكماً بناء على ما لا يعرفون، وبناء على اتهام لشيء لا يدركونه، فهم غير قادرين على تقييمه، وليسوا من أهل الاختصاص، لكي يصدروا حكماً على المؤتمر وطبيعته.
وأشار إلى أنّه وقعت بهذا الخصوص اختراقات كبيرة جداً من العديد من الأطراف، وهي التي أدت للتدنّي الشديد في مستوى التعامل مع القضية.
قنديل الذي استمر في رواية الحكاية الغامضة حول المؤتمر وحادثة استهدافه، أقرَّ بأنّه قد يكون هناك سوء اختيار في عنوان المؤتمر، أو قد يكون هذا سوء اختيار لمواضيع المؤتمر، التي تعدّ مثيرة لحفيظة شرائح كبيرة من الناس لأسباب معرفية وسياسية وأيديولوجية، بل وحتى دينية.
مؤسسته تراعي المقدس الديني وترفض التجريح
وحول طبيعة دور مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، يؤكدّ قنديل على أنّ مؤسسته التي يرأسها، تصر دائماً على عدم التجريح أو التطرق للحساسيات الدينية لأي طرف، لأنّهم كذلك لديهم حساسيتهم الدينية، منوهاً إلى أنّ من يتتبع المؤسسة وإنتاجها يرى أنّها لا تتبنى خطاب الإلحاد فقط، فهي لا تتبنى أيضاً خطاب القدح في الآخَر الديني، فهي تقدم قراءات في تاريخ الأديان وفي التجربة الدينية المسيحية والإسلامية واليهودية من دون قدح أو تجريح.
ويرفض قنديل رمي المؤسسة بالإلحاد والترويج لمثل هذا الفكر قائلاً: «المؤسسة لا تتعدى على المقدس لكونه مقدساً، لأنّ فكرة المؤسسة أصلاً قائمة على الاعتراف بالمقدس، وقائمة على الاعتراف بأنّ هناك إيماناً مرتبطاً بإله، وبتقديس الإنسان واحترامه وتكريمه كما كرَّمه الله بصفته المخلوق الأكرم لله»، مؤكداً أنّ منظومة التفكير في المؤسسة تستحضر فكرة المقدس ولا تتعداها.
وقال إن من يقرأ لائحة الشخصيات الموجودة والمتعاونة مع المؤسسة يدرك أنّهم من ذوي الاختصاص وذوي الخبرة والثقافة والاحترام، والبعيدين عن إثارة الأضواء والزوابع، مطمئناً الجميع بأنّهم ليسوا من أصحاب الأطروحات الشاذة التي تملك ذات البنية التعصبية في التعاطي مع الدين، أو تلك التي يملكها المتدينون المتعصبون في التعامل مع الأفكار الأخرى.
واعتبر أن الإلحاد والتطرف الديني من حيث البنية النفسية نابع من روح التعصب، خصوصاً في الخطاب العربي، التي ليس لها علاقة بالقيم ولا بالأخلاق ولا بالمعرفة.
الضغوطات حصلت ضد المؤتمر دون معرفة مضمونه
ويلقي قنديل باللائمة الشديدة على كل من فرّغ مضمون المؤتمر من إطار نقاشه الحقيقي، الذي كان من المزمع أن تحضره شخصيات مقربة من الأطروحة الإسلامية بشكلها الهوياتي، مشيراً إلى أنّ الضغوطات قد حصلت ضد المؤتمر قبل أن يتعرف أي أحد على محتواه ومضمونه الحقيقي، مؤكداً أنّ الحكم المسبق سعى ونجح في منعه، حتى بعد رفع قرار المنع ، لكنّه في النهاية أصدر القرار بمنعه.
ويستغرب قنديل من قضية المنع، مشدداً على أنَّ هذا المؤتمر يعدّ الثاني من نوعه بالأردن، ويضيف قائلاً: «تم نشر برنامج المؤتمر، وبناء على كلمة واحدة فيه تمّ أخذها كحجة للمنع، بالرغم من أنّ السعي للمنع حدث قبل صدور البرنامج»، مشدداً على أنَّ هناك تصيداً وكيدية سياسية، ليس لها علاقة بالمحاججة والتناقض الفكري الذي يحمله السياق الأردني وبين ما يطرحه المؤتمر.
ويمضي قنديل في تساؤلاته حول منع المؤتمر: «في نفس اليوم الذي منع به مؤتمر مؤسستنا حدث اختراق أكبر للحساسية الدينية الأردنية، لأنّه أقيم مؤتمر تطبيعي حضرت به شخصيات يهودية وصهيونية في فندق القدس بعمان، تحت عنوان «قوة القصة في التعليم الديني»، لكنّه لم يثر حفيظة الشعب الأردني، ولا ديمة طهبوب الناطق الإعلامي باسم جبهة العمل الإسلامي، مبدياً استغرابه من عدم وجود أي ردة فعل من قبل جماعة «الإخوان» تجاه هذا المؤتمر، الذي يعتبر خرقاً لكل المحظورات الخاصة بالأردنيين، الذين عادة ما يظهرون اعتراضهم على مثل هذه التجمعات والمؤتمرات.
وبهذا الخصوص أظهر الأمين العام لمؤسسة «مؤمنون بلا حدود» يونس قنديل، حرقة شديدة على مسألة منع مؤتمره أكثر من الحادثة التي تعرض لها، قائلاً: «لماذا تتم التعمية على هذا الحدث الجلل، وفقاً لأيديولوجية الإخوان المسلمين، والانتباه إلى حدث آخر، المتمثل في مؤتمر مؤسستنا»، معللاً ذلك بالقول: «لأنّه يأتي في سياق الاستعداء المسبق على المؤتمر وعلى المؤسسة منذ نشأتها وحتى تطورها الحالي».
هجوم على جماعة «الإخوان» وأفكارها على فراش المرض
وفي هذا الإطار يهاجم قنديل جماعة الإخوان، مؤكداً على أنّهم لا يقبلون نشوء أطروحة قائمة على مركزية الدين، مشيراً إلى أنّهم يربطون الدين بالطموح السلطوي الذي يبرر توظيف الدين، مشدداً على أنّ مفهوم الإيمان بالله لا يبحث عن السلطة على حساب قلوب الناس، وبسطوة القهر السياسي.
وذكر أن مؤسسته تدعو إلى الإيمان وفق نظرية القلب المحب، الذي يبحث عن رحابة الإيمان بالله بحثاً عن الأمن، ولكي يتخلص من الخوف بإرادة وطواعية دون أي ضغوطات.
ويعتقد قنديل أنّه إذا ما تدخلت السلطة القهرية في الإيمان، فهذا يعني أنّ هناك إكراهاً في الدين، فيصبح هذا خارجاً عن إطار الدين الحقيقي، الذي سيتحول حتماً إلى سلطة سياسية، مشدداً على أنّ الدين يفرض نفسه بمنطق الإرادة الحرة.
على فراش المرض لم يأل قنديل جهداً في بث أطروحاته، بل وحتى في رفض أطروحة جماعات «الإسلام السياسي»، مشدداً على أنّ قواعد الدين الصحيحة قد تم تحوريها من قبل هذه الجماعات، بعد أن حولوا فكرة «الإله» إلى نظام حكم إسلامي، وإلى فكرة «الجماعة الإسلامية» التي تمثل الله وتدعو لعملية الانتخاب والاختيار، وإلى الاحتشاد حول صناديق الاقتراع لأجل الوصول إلى البرلمان تحت ذريعة «الدخول إلى الجنة».
ويستمر قنديل -وهو متعب الجسد وقد أعياه المرض- في شرح سياق الفكرة، قائلاً: «أنا لا أريد لهذا الإله العظيم الذي أعبده أن يتم توظيفه سياسياً، وما أطرحه يتناقض مع أطروحة الإخوان فكرياً وممارسة»، الأمر الذي يجعل الإخوان يرفضون أي نشاط تقوم به مؤسسة «مؤمنون بلا حدود»، معتبراً أنّ كل من لا يقبل «الإخوان» يتم إقصاؤه بين الدوائر المتلاحقة، فهم ذهبوا بحسب وصف قنديل إلى الحد الأقصى من التهم، كالرمي بالإلحاد، وبأنّ الطرف الآخر «لاديني»، أو «كافر» أو أنّه «موجه لضرب الدين»، وكل هذا بحسب العرف «الإخواني».
الأمر الذي جعل قنديل ينتفض من على سريره، الراقد عليه، ليعلن تحديه لكل من يسوق الاتهامات حول المؤسسة وشخصيته، قائلاً: «أتحدى أن يُخرج لنا هؤلاء أيَّ كتاب أو دراسة أو بحث صادر من المؤسسة، تروّج لأي فكرة إلحادية، كما أتحدى أن يُتحفنا هؤلاء بأي فكرة إلحادية من المحاضرات والإصدارات والمنشورات الخاصة بي»، مشدداً على أنّ جميعها متسقة مع تعاليم إعادة تعريف الإيمان، كأفق للإنسانية الحرة التي تشمل جميع الناس.
عروض من جهات لإعادة إحياء المؤتمر ورفض من المؤسسة
وحول إمكانية عقد وتنفيذ المؤتمر من جديد، بعد حادثة الاعتداء عليه، يؤكدّ قنديل: «بالنسبة لقضية عقد المؤتمر لا نعرف حتى هذه اللحظة متى ستكون، مؤسستنا مفتوحة، والأردن بلدنا، وأهله هم أهلنا، وأتمنى أن تتاح الفرصة لرفع سوء التفاهم الذي وقع حول المؤتمر».
ويشدد قنديل على إمكانية إيجاد فرصة جديدة لعقد المؤتمر، أو إمكانية إعادة تصدير المؤتمر بإطار أو فكرة جديدة، لكنّ مؤسسته لا تفكر في ذلك، باعتبار أنّه ليس هدفاً بحد ذاته، مشيراً إلى أنّهم غير معنيين باستفزاز أي طرف، فالقضية ليست قضية فرض رأي أو مكاسرة.
وأوضح أنّ المؤسسة تلقت عشرات العروض لعقد المؤتمر من جديد في العديد من الجهات والأماكن، كمصر والمغرب وتونس وأوروبا، لكنّ المؤسسة رفضت ذلك بشكل قاطع، مؤكداً أنّ عمل المؤسسة لن يتوقف أبداً بعد منع المؤتمر، والحادثة التي تعرض لها.
ونفى قنديل تعرضه لتهديدات مسبقة قبل عقد المؤتمر وبعده، وعلّق قائلاً: «لم أتعرض لأي تهديدات من هذا القبيل، لكن هناك شبكة هجوم ممنهجة على المؤسسة، ونحن نعرف هذه الجهات والشخصيات، فنحن من احترامنا حتى للمخالفين والخصوم لا نرد، ولا نتصادم مع أحد، غير معنيين بالتصعيد، الناس تشتمنا، وتقدح بنا، لكن نحن نأمر بالعفو ونعرض عن الجاهلين».
وأضاف قائلاً: «لدينا رسالة وفكرة وأخلاق لا نستغني عنها، وليس من أهدافنا أن ندخل في عملية مكاسرة مع الآخرين، فنحن نقدم فكرة ونعرضها للنقاش كما لا نسعى لتطوير آليات محددة لإجبار الناس على تبنيها واتباعها».