تفاصيل الـ15 مليار دولار المعروضة على الإيرانيين
يبدو أن مبادرة ماكرون لحل الأزمة الإيرانية عادت للواجهة مرة أخرى بعد خروج ظهور موقف إيران من عرض أوروبي بقيمة 15 مليار دولار لحماية اقتصادها من العقوبات الأمريكية.
وسرب الإيرانيون مواقف متباينة من العرض، فقد نقلت وكالة رويترز عن محطة (برس تي.في) الإيرانية الرسمية الناطقة بالإنجليزية اليوم الأربعاء، أن إيران رفضت عرضاً بقرض قيمته 15 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي دون الخوض في التفاصيل.
بينما قالت وكالة أنباء فارس الإيرانية إن مسؤولاً إيرانياً كبيراً أكد، اليوم الأربعاء، أن طهران لن تعود للالتزام الكامل بالاتفاق النووي إلا إذا حصلت على 15 مليار دولار من مبيعات النفط على مدى 4 شهور، كما هو منصوص عليه في مسودة خطة فرنسية لإنقاذ الاتفاق.
وكانت فرنسا اقترحت تقديم خطوط ائتمان بنحو 15 مليار دولار لإيران حتى نهاية العام، بضمان إيرادات نفط في مقابل عودة طهران إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي المبرم في 2015، لكن العرض كان متوقفاً على عدم معارضة واشنطن له.
دعك من إيران.. الكل في انتظار واشنطن
يإأتي ذلك في ظل ترقب الجميع للموافقة الأمريكية علي العرض المالي الأوروبي وكذلك موقفهم من المبادرة التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لحل النزاع بين الإيرانيين والأمريكيين.
وقال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان يوم الثلاثاء إن المحادثات مع إيران بشأن فتح خطوط ائتمان بضمان عائدات النفط الإيراني مستمرة وإن الخطة ستعتمد في نهاية الأمر على إصدار الولايات المتحدة إعفاءات من العقوبات المتعلقة بصادرات النفط الإيرانية.
وقال لو دريان للصحفيين إن الفكرة هي «مبادلة خط ائتمان بضمان عائدات النفط في مقابل، أولا، العودة لخطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني)… وثانيا أمن الخليج وبدء مفاوضات بشأن أمن المنطقة و(البرنامج النووي) ما بعد 2025».
وأضاف «كل ذلك بافتراض أن يصدر الرئيس ترامب إعفاءات».
ويفترض أن مبلغ الـ15 مليار هي جزء من محاولة فرنسية أوروبية لحل الأزمة الإيرانية وهي تتداخل مع مبادرة ماكرون لإطلاق مفاوضات بين الأمريكيين والإيرانيين بما في ذلك عقد قمة محتملة بين الرئيس ترامب وحسن روحاني.
فما مبادرة ماكرون لحل الأزمة الإيرانية، وما العراقيل التي تقف أمامها؟، وما علاقتها بعرض الـ15 مليار دولار؟
مفاجأة في قمة مجموعة السبع.. مبادرة ماكرون لحل الأزمة الإيرانية
شهدت قمة مجموعة السبع ظهوراً مفاجئاً لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي كان قد وُضع على لائحة العقوبات الأمريكية قبل فترة وجيزة، وبدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب متجاوباً مع مساعي نظيره الفرنسي لحلحة الأزمة، بما في ذلك حديثه عن احتمال عقد لقاء بين الرئيسين الإيراني حسن روحاني والأمريكي دونالد ترامب.
لكن بعد انتهاء قمة مجموعة السبع، هل يمكن أن تنجح دبلوماسية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (الجريئة إلى حد ما) تجاه إيران؟
إذ لا تبدو الأمور سهلة أمام مبادرة ماكرون.
توضح تصريحات ماكرون وفريقه الذي يتولى شؤون السياسة الخارجية الفرنسية أنَّ هذه الدبلوماسية تنطوي على ثلاثة أهداف رئيسية:
- نزع فتيل التوترات المتزايدة في الخليج وتهدئتها
- منع عودة الأزمة النووية الإيرانية
- التوصُّل إلى تفاهم جديد بين طهران وواشنطن بتسهيل عقد قمة في المستقبل القريب تضم الرئيسين الأمريكي والإيراني.
هل يلتقي ترامب وروحاني على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
وفي السياق نفسه، من المقرر أن يحضر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الإيراني حسن روحاني الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد في الشهر الجاري سبتمبر/أيلول.
ومن المحتمل أن تسفر مساعي ماكرون إلى عقد اجتماعٍ محتمل بين الرئيسين في نيويورك عن نتائج إيجابية. وفي الوقت الحالي، يبعث الجانبان برسائل مختلطة.
والنتيجة فرض كل لائحة من الشروط قبل عقد القمة المحتملة من قبل الطرفين، وتبدو معالجة هذه الشروط من قبل الوسطاء أمراً لعدم توفيت الفرصة التاريخية.
شروط الأمريكيين والإيرانيين لعقد القمة
إذ جعل روحاني رفع العقوبات الأمريكية شرطاً أساسياً لعقد لقاءٍ شخصي مع ترامب، وشكَّك ظريف في إمكانية عقد اجتماع، فيما أشار في الوقت نفسه إلى إمكانية كسر بعض الجمود في العداء الأمريكي تجاه إيران في المستقبل القريب، إذا توفَّر عملٌ تحضيري كافٍ.
وفي السياق نفسه، يتوجَّه وفدٌ إيراني إلى باريس لاستكشاف «التقدم الدبلوماسي».
وقد صرَّح محمود فايزي، مدير مكتب الرئيس الإيراني روحاني، بأنَّ المحادثات الأخيرة مع فرنسا تتعلق بحقوق إيران، والاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015، وتقليل الضرر الذي تسببه العقوبات الأمريكية.
واللافت أن الشرط الإيراني هو رفع العقوبات، بينما الفرنسيون يتحدثون عن طلبهم من ترامب إصدار إعفاءات من العقوبات وليس رفعها بالكامل.
ورداً على الشرط الذي أعلنه روحاني، وضع جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي كذلك شرطاً أساسياً لرفع العقوبات المفروضة على إيران: وهو استعداد إيران للدخول في اتفاقٍ جديد مع الولايات المتحدة يشمل القضية النووية وقضايا أخرى غير نووية.
يقول نادر انتصار الأستاذ الفخري للعلوم السياسية في جامعة جنوب ألاباما الأمريكية، وكافه أفراسيابي الخبير السياسي المتخصص في سياسة إيران الخارجية، في مقال لهما نشر في موقع Lobelog الأمريكي: ومن الواضح أنَّ كلا الطرفين لن يوافق على مطالب الطرف الآخر قبل إجراء مفاوضاتٍ مباشرة، لأنَّ فعل ذلك سيكون عكس الأولويات.
لذا يقترح الكاتبان أن يكون الهدف هو التفاوض دون أي شروط سابقة، والسعي إلى تحقيق انفراجةٍ حقيقية باللجوء إلى معايير الدبلوماسية الإبداعية المرنة.
ويريان أن ميزة تدخل ماكرون تكمن في أنَّه يحظى بدعم قوي من القوى الأوروبية الكبرى، وقد تمكَّن من كسب ثقة إيران ونيل اهتمام ترامب، وهذا تغييرٌ مُرحَّب به في موقف الرئيس الأمريكي الذي كان يتبناه منذ شهرين فقط حين انتقد ماكرون لإرساله رسائل خاطئة إلى إيران.
لماذا فكر ترامب في لقاء روحاني؟.. روسيا تدخل المنطقة المحظورة
يمكن القول إنَّ تغيُّر موقف ترامب في قمة مجموعة السبع يرجع إلى فشل الولايات المتحدة في بناء تحالفٍ دولي ضد إيران.
وقد سمح ذلك لإيران بالتقرُّب إلى روسيا، رداً على ضغوط الولايات المتحدة، بالاتفاق على عدة أمور من بينها التخطيط لإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في الخليج، الذي لطالما كان ساحةً محجوزة باسم الولايات المتحدة، في المستقبل القريب.
وإذا لم تتراجع إدارة ترامب عن سياسة «الضغط الأقصى» التي تنتهجها ضد إيران، فسيستمر الاتجاه الحالي نحو إقامة تكافل استراتيجي أكبر بين طهران وموسكو، وهو ما يمثل نكسة لمصالح أمريكية حيوية في الشرق الأوسط.
وليس ذلك فحسب، فإيران تمتلك ورقة ضغط تتمثَّل في قدرتها على تهديد سلامة ناقلات النفط التي تمر عبر مضيق هرمز، بالإضافة إلى التهديدات التي تشكلها القوات التابعة لها بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، التي تعد بمثابة دروعٍ رادعة من منظور الأمن القومي الإيراني. ولعل أكبر ورقة ضغط في يد إيران هي تهديدها بأنَّها قد تتخلى عن التزامها ببعض بنود الاتفاق النووي الذي أبرم في عام 2015، وهو ما أثار مخاوف لدى الدول الغربية من الانتشار النووي.
تفاصيل المبادرة الفرنسية.. خطوة مقابل خطوة
وبالرغم من توازن التهديدات والتهديدات المضادة من كلا الجانبين، يمكن أن تبدأ الولايات المتحدة وإيران في التفاوض وفقاً للنهج الذي اقترحته الحكومة الفرنسية وهو كالتالي:
- رفع العقوبات الأمريكية المفروضة على النفط مقابل التزام إيران ببنود الاتفاق النووي
- ثم إجراء مفاوضاتٍ مباشرة بين الجانبين من أجل كسر الجمود في العلاقات الأمريكية الإيرانية.
ولكن على ماذا سيكون التفاوض.. قضايا جديدة إلى جانب الملف النووي؟
لا شك أنَّ مثل هذه المفاوضات ستتضمَّن قضايا إقليمية أخرى مثل الحرب في اليمن، التي دارت حولها جولات من النقاش بين إيران وأوروبا حتى الآن، وصارت هذه الجولات تشهد الآن مشاركة مسؤولين حوثيين.
وهنا يمكن للولايات المتحدة، التي ألمحت إلى التفاوض مع الحوثيين، أن تنضم إلى هذه المحادثات، وبذلك تضيِّق الفجوة الحالية بينها وبين أوروبا بشأن طريقة التعامل مع إيران. ويرجع الفضل في ذلك إلى أنَّ ماكرون -الذي أغضب بعض المسؤولين الأمريكيين الذين يفضلون الحلول العنيفة باحتضان ظريف، متحدياً الخطوة التي اتخذتها أمريكا مؤخراً بمعاقبة ظريف من أجل إضعاف موثوقيته- نجح إلى حدٍّ ما في إقناع ترامب بأنَّه قادر على التوصل إلى طريقة عمل مناسبة مع القيادة الإيرانية الحالية، التي أثبتت مرونتها على مرِّ العقود الأربعة الماضية.
وبفضل ذلك، هدَّأ ترامب من لهجته الحادة تجاه إيران، وأيَّد علناً مبادرة ماكرون تجاه إيران، التي تُبشِّر بـ «إضفاء النهج الأوروبي»، بوتيرةٍ بطيئة لكنَّ نأمل أن تكون ثابتة، على سياسة ترامب (التي تميل إلى الحلول العنيفة حتى الآن) في التعامل مع إيران.
ولكن هناك مَن يضغط على ترامب لوقف قافلة التفاوض حتى قبل التحرك.. عدو ماكرون الأول
بيد أنَّ إسرائيل -التي تشعر بالقلق إزاء إعادة التقارب بين الولايات المتحدة وإيران- تتعمَّد تأجيج العداء ضد إيران ومؤيديها في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتُحرِّض الدولة العبرية على اتباع العنف، الذي قد يقضي على جميع المساعي الدبلوماسية ويعيق قضية السلام بين طهران وواشنطن.
ويمكن لإسرائيل أن تقضي على مبادرات ماكرون بتأجيج نيران الحرب مع إيران، وهي حربٌ من شأنها أن تتضمَّن مشاركة القوات الأمريكية المتركزة في العراق ومنطقة الخليج.
المشكلة أن ترامب ضعيف أمام نتنياهو في هذا التوقيت تحديداً
وليس من الواضح في الوقت الراهن ما إذا كانت إدارة ترامب لديها ما يكفي من الوسائل لكبح جماح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي يستعد للفوز مرةً أخرى في الانتخابات المقبلة.
ويرغب رئيس الحكومة الإسرائيلية في رؤية استمرار حملة الضغط الأمريكي على إيران. فضلاً عن أنَّ أوروبا بأسرها ليس لديها نفوذ على إسرائيل.
ومن المستبعد أن يتمكن ماكرون وغيره من القادة الأوروبيين من التأثير على إسرائيل لتغيير سياستها المناهضة لإيران.
لكنَّ ترامب، الذي يدين لبعض المتبرعين اليهود الأثرياء بإسهاماتٍ كبيرة في حملته الانتخابية، من المستبعد أن يُخاطر بتدهور علاقته مع إسرائيل، نظراً إلى أنَّ أولويته الحالية هي فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
من سيختار ترامب في النهاية.. نتنياهو أم ماكرون؟
ولذلك، فإذا حان وقت اتخاذ القرار، واضطر ترامب إلى الاختيار بين دبلوماسية ماكرون المقنعة ودبلوماسية نتنياهو القهرية، فمن المرجح أنَّه سيختار الثانية وليس الأولى.
لكنَّ تصريحات ترامب السابقة، التي توضِّح أنَّه سأم الحروب وأنَّه يعتزم إنهاء الحروب الأمريكية الباهظة التكلفة، تعني أنَّ هناك حدوداً تُقيِّد قدرة إسرائيل ومؤيديها في واشنطن على توجيه البيت الأبيض نحو الدخول في مواجهة مع إيران، ما يعزز قابلية مبادرة ماكرون للتطبيق.
وكذلك يحظى بعض القادة الأوروبيين ببعض النفوذ على ترامب في هذه القضية.
عرض الـ15 مليار بديل لمبادرة ماكرون
إذا رفض ترامب التعامل الدبلوماسي مع إيران، يمكن لأوروبا حينئذٍ أن تمضي قدماً في خططها للالتفاف حول العقوبات الأمريكية على إيران عن طريق الآلية المالية المعروفة باسم إينستكس التي أعلنت إيران اليوم رفضها.
فوفقاً لبعض التقارير، اقترح ماكرون مدَّ خط ائتمان بقيمة 15 مليار دولار إلى إيران عبر آلية إينستكس. وصحيحٌ أنَّ ترامب أبدى بعض التأييد لتلك الفكرة، لكنَّه من المرجح أن يعارض أي خطوات أوروبية أخرى ساعية إلى التخفيف من تأثير نظام العقوبات.
أي أنه في حال رفض الأمريكيون تجميد العقوبات النفطية مع قبولهم إطلاق المفاوضات، فإن عرض الـ15 مليار دولار يجنب إدارة ترامب حرج تعليق عقوبات كانوا قد فرضوها للتو.
لقد عزَّز التدخُّل الذي يراعي أدق التفاصيل من جانب ماكرون احتمالية عقد لقاء بين ترامب وروحاني يلبي احتياجات الرئيسين وأولوياتهما. وفي سعيه إلى معالجة هذه الأزمة الدولية الخطرة، ملأ ماكرون فراغاً قيادياً مهماً.
يقول الكاتبان هناك ضرورة تاريخية لإجراء محادثة بين ترامب وروحاني، ونأمل أن يتحقق ذلك في غضون الأسابيع المقبلة. لكنَّ تحقيق ذلك سيتطلب خطوات عاجلة لبناء الثقة من كلا الجانبين.
ويبدو أن المواقف الإيرانية بالتلميح إلى إمكانية قبول رشوة الـ15 مليار دولار مقابل وقف رفع نسبة التخفيض هي محاولة للضغط على الأوروبيين وبالأكثر الأمريكيين لإصدار إعفاءات من العقوبات النفطية، تمهيداً لإطلاق مسيرة التفاوض المحتملة.