تفاصيل الاتفاق بشأن الفيدرالية بين الأكراد وحلفاء الأسد الذي رعته روسيا
جاء إعلان ما يسمى “مجلس سوريا الديمقراطية”، الذراع السياسية لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، وحزب مقرب من روسيا والرئيس السوري بشار الأسد، توصلهما لاتفاق بشأن حكم فيدرالي في سوريا، ليدقَّ ناقوس خطر بشأن وحدة البلاد.
ويثير الاتفاق، الذي أعلن عنه خلال مؤتمر صحفي، عقده في موسكو، الإثنين، كلٌّ من قدري جميل، الأمين العام لحزب الإرادة الشعبية، وإلهام أحمد، إحدى قيادات “مجلس سوريا الديمقراطية”، القلق حول وضع العرب والتركمان والمسيحيين وغيرهم من الأقليات في شمال شرقي البلاد، في ظل هيمنة كردية على المنطقة التي تمثل ثلث مساحة البلاد.
اتفاق بشأن حكم فيدرالي في سوريا
الاجتماع الذي عُقد بين الجانبين برعاية روسية، أسفر عن توصلهما لاتفاق يقضي بتغيير نظام الحكم في سوريا، إلى فيدرالي.
ورغم أن حزب الإرادة الشعبية يقدّم نفسه كمعارضة للرئيس السوري، فإنه يُنظر إليه على أنه تابع غير مباشر للنظام ومقرب إلى روسيا، في إطار عملية لتوزيع الأدوار تنفذها دمشق وموسكو، ولذا فإن هذا الاتفاق يمكن أن يكون تمهيداً لما هو قادم بين دمشق والمجموعات الكردية.
وفي كلمة لهما خلال المؤتمر الصحفي، أعلن الجانبان أن الدستور الجديد لسوريا ينبغي أن ينص على ممارسة الشعب لسلطته المباشرة في مناطقه، بحيث يكون مستقلاً في شؤونه الداخلية، ومرتبطاً بالحكومة المركزية فيما يخص الشؤون الخارجية، والدفاع والاقتصاد.
وأوضحا أن الوضع الراهن لمناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال وشرقي سوريا، “ضرورة موضوعية وحاجة مجتمعية متعلقة بظروف البلد وحاجات المنطقة التي أنتجتها الأزمة الراهنة”.
كما أكد الجانبان التوصل لاتفاق بينهما يقضي بإمكانية ضم ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” إلى بنية الجيش السوري.
و”قوات سوريا الديمقراطية” أسستها وحدات حماية الشعب الكردية، الجناح المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني اليساري، الذي أسسه نشطاء أكراد سوريون أعضاء في حزب العمال الكردستاني التركي المصنف إرهابياً في تركيا وأوروبا.
قلق تركي
من جانبها، دعت وزارة الخارجية التركية روسيا إلى تجنب أي خطوات تخدم أجندات أطراف مرتبطة بتنظيم حزب العمال الكردستاني والمجموعات الكردية السورية المرتبطة به.
وقالت الخارجية التركية، إن أنقرة قلقة من دعوة موسكو مجموعة مما يسمى “مجلس سوريا الديمقراطية” إلى روسيا، مشيرة إلى أن هذه المجموعات تستهدف وحدة الأراضي السورية، وتمارس الاضطهاد على السكان في المناطق التي تسيطر عليها.
وقالت الخارجية التركية: “نتوقع من الاتحاد الروسي أن يتصرف وفقاً لروح (مسار) أستانة (حول سوريا)، والالتزامات التي تم التعهد بها في اجتماعات المسار، وتجنب الخطوات التي تخدم أجندة التشكيلات التابعة لتنظيم (ي ب ك/ بي كا كا) الإرهابي”.
وشدد البيان على أن هذه المجموعات تستهدف وحدة الأراضي السورية، وتمارس الاضطهاد على السكان في المناطق التي تسيطر عليها عبر اتباعها أجندات إرهابية وانفصالية.
وأكد البيان أن “قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني يمثلان معاً تنظيماً إرهابياً، يهدد الأمن القومي للبلدان المجاورة لسوريا وفي مقدمتها تركيا”.
وأشار البيان التركي إلى أن كافة البيانات المشتركة الصادرة عن مسار أستانة عقب اجتماعات رفيعة، تعهدت بمكافحة جميع أشكال الإرهاب والتصدي للأجندات الانفصالية التي تهدد وحدة الأراضي السورية، والأمن القومي للبلدان المجاورة لسوريا.
تحالف الأقليات
ويمكن النظر إلى هذا الاتفاق غير المباشر بين النظام السوري والمجموعات الكردية على أنه امتداد لسياسة النظام السوري الذي يقوده نخبة طائفية علوية القائمة على توسيع ما يُعرف بتحالف الأقليات في الشام في مواجهة الأغلبية السنية العربية.
إذ يتحالف الأسد وحزب الله في لبنان مع الزعيمين المسيحيين العماد ميشال عون وسليمان فرنجية، اللذين لم يخفيا من قبلُ القول إن تحالفهما مع الأسد منبعه أنه ينتمي إلى أقلية مثلهما.
وسيكون المتضرر الأول من هذا الاتفاق الأغلبية العربية السنية في سوريا التي طرد جزء منها وأصبحوا لاجئين، ويُعتقد أن العرب السُّنة لم يعدوا يمثلون أغلبية في البلاد بالنظر إلى أن النسبة الكبيرة منهم التي شردت من ديارها.
والآن، فإنهم سيصبحون مواطنين من الدرجة الثانية في مناطق سيطرة النظام تحت حكم يقوده العلويون، ومواطنين كذلك من الدرجة الثانية في مناطق سيطرة الأكراد في شمال شرقي سوريا.
والمفارقة أن السكان العرب في شمال شرقي سوريا يسمون الأكرادَ العلويين الجدد، كما قال بعض السكان لباحثين من معهد كارنيغي الأمريكي.
والآن بعد أن تعرضت الأغلبية العربية السنية لعملية تطهير طائفي من النظام عبر القتل والتهجير (اللذين أديا على الأرجح إلى فقدان سوريا أغلبيتها السنية العربية)، فإن الأكراد بدورهم يقيمون في شمال شرقي سوريا دولةً تشبه حالة الأبارتهايد في جنوب إفريقيا، حيث تحكم أقلية كردية أغلبيةً عربية سُنية.
فقد أتاح القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ككيانٍ سياسي، في مارس 2019، الفرصة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تُشكّل مظلة للمقاتلين الأكراد والعرب، للسيطرة على نحو ثلث الأراضي السورية، حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من غير الأكراد، حسبما ورد في ورقة بحثية أعدها الباحثان إليزابيث تسوركوف زميلة أبحاث في منتدى التفكير الإقليمي، المتخصصة بالشؤون السورية والعراقية، وعصام الحسن الباحث المقيم في دير الزور، والمتخصص بالسياسة القبلية، ونُشرت في موقع مركز كارنيغي.
وأُنشئ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي عام 2003، على يد عناصر سوريين في حزب العمال الكردستاني المسلح، المناهض للدولة التركية، والذي غالباً ما يشنّ هجمات من جبال قنديل العراقية، حيث مقرّ قيادة الحزب (والحزب مصنف حزباً إرهابياً في تركيا ومعظم الدول الغربية، ورغم الصِّلات المعروفة لحزب العمال بالاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، فإن الدول الغربية تصر على الفصل بينهما، كما تعتبره حليفها الأول في سوريا).
إنهم ينظرون إليهم كاحتلال أجنبي
غالب الظن أنَّ السكان المحليين بشمال شرق سوريا ينظرون إلى وجود قوات سوريا الديمقراطية”قسد” في المنطقة على أنه احتلال أجنبي، في ظل تمثيل حقيقي لأبناء المنطقة، حسب تقرير كارنيغي.
وتبنّت الإدارة الذاتية خطاب الحكم الذاتي القائم على “أخوة الشعوب”، وفي الوقت نفسه، أبدت رفضها التخلي عن أي سلطة فعلية في مجال صناعة القرار، وتسليمها إلى الجماعات الكردية أو إلى القيادة السياسية والعسكرية الاسمية للمشاركين العرب في الإدارة الذاتية و”قسد”، حسب التقرير.
يقول السكان المحليون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة “قسد”، إنَّ تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولِّد مشاعرَ استياء لدى العرب المثقَّفين والمتمرِّسين، الذين يعتبرون أنفسَهم غير معنيين بإدارة مناطقهم.
الواقع على الأرض في شمال شرقي سوريا يكشف أن الكومونات وغيرها من وحدات الحكومة المنتخبة هي بصورة أساسية عبارة عن وسيلة لتوزيع الخدمات وجمع المعلومات والسيطرة على السكان والإيحاء ظاهرياً بالمشاركة الشعبية، حسب التقرير.
فصناعة القرار لا تزال مركَّزة في أيدي الكوادر، أي كبار العناصر في حزب العمال الكردستاني، من رجال ونساء، الذين تدرَّبوا في جبال قنديل وأدّوا دوراً ناشطاً في التمرد ضد تركيا، أو في التعبئة باسم حزب العمال الكردستاني في أوروبا.
وهم مَن يتولّون عادةً اتخاذ القرارات الكبيرة والصغيرة في المناطق ذات الأكثرية الكردية والعربية على السواء.
وفي حين عُيِّن العرب في مناصب عسكرية ومدنية قيادية بجميع المناطق ذات الأكثرية العربية، يتخذ الكوادر الحزبية الكردية الذين يوصَفون بأنهم “مستشارو” القادة العرب المحليين، معظمَ القرارات، ويتجاوزون أحياناً العرب المكلَّفين رسمياً بالمسؤوليات والمهام.
ويصف أحد النشطاء في دير الزور الكوادر الأكراد في الهيئات التي يتولى العرب رسمياً قيادتها، بأنهم “العلويون الجدد”، في إشارة إلى الطائفة التي ينتمي إليها آل الأسد، الذين يشغلون معظم المناصب النافذة في سوريا.
وقال زعيم إحدى القبائل الكبيرة في دير الزور: “يأتون من الجبال (جبال قنديل) ويحاولون أن يحكموا مناطقنا التي لا يفهمون طبيعتها”.
بعضهم يسخر من العرب
“كل قائد عربي يتبع قائداً كردياً أعلى منه”، حسبما قالت الرئيسة المشتركة لأحد المجالس المدنية في منطقة ذات أكثرية عربية، عن نظرة شائعة لدى زملائها في المجلس: “نحن نثق بشريكنا الكردي، لكنه لا يثق بنا”.
وقد رفض النشطاء والمهنيون العرب، على نطاق واسع، تسلُّم مناصب في مؤسسات الإدارة الذاتية التي يرون فيها أوراق تين لتغطية الأجهزة المركزية الحقيقية.
وقد أدَّى ذلك، وفقاً لسياسيين ونشطاء وشخصيات قبلية في دير الزور، إلى تجريد العرب في المحافظة من إمكاناتهم، الأمر الذي يُسهم بدوره في التجدد المقلق للهجمات التي تشنّها خلايا نائمة تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في المنطقة.
لماذا تمثل سياسات الإدارة الكردية بسوريا خطراً على العالم كله؟
داعش نشأ في العراق بسبب تهميش السُّنة العرب، وكثير من مناطق سُنة العراق متاخمة لشمال شرقي سوريا وهي متشابهون في الطباع.
وقد ينبعث التنظيم مجدداً من سوريا، بسبب تهميش العرب السُّنة في شمال شرقي البلاد.
وقد حذَّر الرئيس المشترك لأحد المجالس المدنية في شرقي سوريا من أن ظهور داعش في العراق مردُّه إلى حرمان السُّنّة من حقوقهم، ومن أن السيناريو نفسه قد يتكرر في شرقي سوريا، بسبب حرمان العرب السُّنة من حقوقهم.