تعرف علي طريقة تحمي الذاكرة البشرية في زمن الإنترنت وتساعدك على حفظ 100 وجه في 5 دقائق
بعدما أصبح جوجل يحل مكان الذاكرة لاسترجاع المعلومات، بات الكثيرون قلقين من فناء القدرة العقلية على استحضار المعلومة المطلوبة أو الذكرى.
فهل بإمكان المتنافسين في رياضة الذاكرة، الذين يمكنهم حفظ مئات الأرقام بغضون ثوانٍ، أن يوضحوا كيف يمكن استعادة الذاكرة وإنقاذها؟
هل تعلم أن هناك بطولات لـ «رياضة الذاكرة»؟
يمتلك أليكس مولن موهبة مميزة، تمكنه خلال 16 ثانية فقط من تذكر الترتيب الدقيق لمجموعة من البطاقات فور رؤيتها.
بدأ طالب الطب، البالغ من العمر 26 عاماً، باستخدام تقنيات تحسين الذاكرة، للحصول على شهادته الجامعية.
لكنه سرعان ما اكتسب هذه المهارات، فشارك في العديد من المسابقات، وأصبح في نهاية المطاف بطل العالم في الرابطة الدولية للذاكرة أو International Association of Memory لعام 2015.
وفي هذه البطولات التي تقام في شهر ديسمبر/كانون الأول 2018، يتنافس «رياضيو الذاكرة» على تذكّر الكثير من المعلومات خلال أقصر وقت ممكن.
تشمل المسابقة فئات حفظ البطاقات المتسلسلة، والأسماء، والوجوه، وتواريخ الأحداث التاريخية.
مولن صرح لصحيفة The ،Guardian قائلاً: «أول فوز لي في بطولة العالم كان غريباً للغاية، حيث كنت أتدرب بجد، ولم أكن أسعى للفوز».
وأضاف: «عندما فزت بالفعل بفارق ثانية واحدة خلال المنافسة العاشرة والأخيرة، لم أستوعب ما حصل».
ومع ذلك، فاز مولن بالبطولة مرة أخرى، خلال عام 2017، واحتل المرتبة الأولى عالمياً وحقق العديد من الأرقام القياسية بفضل مهاراته في الحفظ.
تخزين المعلومات الإلكتروني يفوق قدرات البشر
وفي هذا الإطار، يطرح العديد من الناس، أمثال مولن، تساؤلات مهمة في عالم أصبحت فيه قواعد البيانات الرقمية التي تفوق قدرتها على تخزين المعلومات قدرتنا بأشواط، بديلاً للذاكرة البشرية.
في المقابل، إن لم نعد بحاجة إلى الاحتفاظ بمذكرة ذهنية للحقائق أو للأرقام أو التواريخ، ألن نفقد حينها قدرتنا على حفظ المعلومات؟
في الواقع، نعلم أن الدماغ يتسم بالمرونة. فقد أظهرت دراسة نشرتها BBC عام 2000، أن سائقي سيارات الأجرة في لندن يتمتعون بقرن آمون أكبر مقارنة ببقية الناس.
وقرن آمون هي منطقة في الدماغ تؤدي دوراً مهماً في الذاكرة.
وربما يعود سبب ذاكرة السائقين إلى أنهم مضطرون إلى تعلم وحفظ بعض المعلومات، كتلك المتعلقة بأسرع الطرق في شوارع العاصمة.
لكن تأثير الإنترنت على الذاكرة البشرية لم يظهر بعد
وأفادت الأستاذة المحاضرة في علم النفس بجامعة ميدلسكس، إيما وارد، أن الإنترنت لم يكن يوماً جزءاً لا يتجزأ من حياتنا فترة كافية حتى يتمكن العلماء من فهم تأثيره على المدى الطويل على أدمغة الناس.
وقالت وارد إن «هناك أدلة تشير إلى أن تدريب الذاكرة يعد أمراً مفيداً، وذلك من خلال تمرين الذاكرة وتدريبها، من أجل تنشيط المسارات العصبية في الدماغ».
وأضافت وارد كذلك أن «المرء قد يجادل بأنه كلما أصبحنا أكثر اعتماداً على الوسائل والتكنولوجيا التي من شأنها أن تساعدنا على التذكر، أصبحت ذاكرتنا أقل كفاءة».
واعتبرت أنه «سيكون من المثير للاهتمام أن نفحص، خلال الأعوام القادمة، الأطفال الذين ترعرعوا مع مثل هذه التكنولوجيا المتاحة، لدراسة تأثيرها على الذاكرة والإدراك لديهم».
ومن هنا تنبع ضرورة تمارين الذاكرة
يعتقد عالم الأعصاب والمؤلف دين بورنيت، أنه لا بد من تمرين الذاكرة.
وقد صرح بورنيت قائلاً: «إنها وظيفة بيولوجية، شبيهة بغيرها من الوظائف، ومن ثم عدم استخدامها يعني أنها ستصبح أقل قوة وكفاءة مقارنة ببقية الوظائف التي نستخدمها معظم الوقت.
الذكريات هي بالأساس روابط بين الخلايا العصبية. ومن المتفق عليه، أنه للحفاظ على سلامة هذه الروابط، لا بد من «تنشيطها» بانتظام.
وفي الواقع، يعد استرجاع الذاكرة بمثابة تنشيط لها».
الذكريات لا تتلاشى، لكن جهد الدماغ يزيد للعثور عليها
ومع ذلك، يحذر بورنيت من أن الاستعانة بمصادر خارجية قد يجعلنا «نخسر» ذكرياتنا.
كما أن «ذكرياتنا لا تتلاشى أو تتحلل، إذ إن أدمغتنا تكافح دائماً للعثور عليها؛ نظراً إلى أننا نادراً ما نستخدمها».
وتعتقد وارد أن التكنولوجيا قد تؤثر علينا بطرق أكثر دقة.
إذ تستشهد بدراسة تمكن فيها المشاركون، الذين عرضت عليهم صورٌ مزيفةٌ لهم عندما كانوا أطفالاً وهم يركبون بالونات الهواء الساخن، من تذكر هذا الحدث الذي لم يقع.
وكثرة الصور تخلق ذكريات زائفة تشوش الماضي
وفي هذا الصدد، بينت وارد أن «الذكريات ليست شبيهة بخزائن الملفات».
في المقابل، تتكيف أدمغتنا مع ما نختبره حتى نتمكن من فهم العالم المحيط بنا.
لذلك، غالباً ما تكون ذكرياتنا تمثيلات مشوشة للواقع. وقد يخلق التعرض بكثرة لكميات هائلة من المعلومات والصور على الإنترنت ما يسمى «الذكريات الزائفة».
فعلى سبيل المثال، تقترح التجارب أن توثيق عطلتك بالكامل على هاتفك الذكي قد يصرف انتباهك تماماً عن البيئة المحيطة بك.
لكن في حال كان انتباهك مشتتاً، لا تعمل المسارات العصبية في الدماغ بطريقة تقوي الذاكرة، ما يجعلها عرضة للتشوه.
جوجل يحسن الذاكرة القصيرة وينشط الدماغ
لكن فيما يتعلق بجوجل، يختلف الأمر بعض الشيء.
فقد أظهرت دراسات أخرى أنه بإمكان التكنولوجيا أن تحسن الذاكرة قصيرة المدى وتحل بعض المشكلات.
وفي هذا المجال، قام أستاذ الطب النفسي والعلوم الحيوية بجامعة كاليفورنيا، غاري سمول، بمقارنة أدمغة كبار في السن.
بعضهم تنقصه الخبرة في مجال الإنترنت، والبعض الآخر لديهم خبرة واسعة في هذا المجال.
وجدت الدراسة أن النشاط العصبي يزداد لدى المجموعة الأولى بعد قضاء أسبوعٍ في البحث عن المعلومات عبر الإنترنت.
ويوضح سمول: «شهدنا زيادات كبيرة، خاصة في الفص الجبهي، وهو الدماغ المفكر، الذي يتحكم في الذاكرة العاملة».
فالذاكرة كالعضلات بحاجة إلى تمارين
ويعتقد سمول أن هذه الدراسة تكشف قدرة الانسان على تطوير الكفاءة المعرفية، حيث يشبّه الذاكرة بالعضلات.
ويفسر سمول ذلك، قائلاً إن «الأمر شبيه بما يحدث عندما تتدرب في صالة الألعاب الرياضية.
ففي البداية، يتطلب الأمر الكثير من الطاقة لرفع الأثقال، لكن مع التدريب المناسب، سيصبح بإمكانك رفع الكثير من الوزن بمجهود أقل».
إذا شعرت بأنك تحتاج للقيام بمثل هذا التدريب، فإن أخصائيي الذاكرة يؤكدون أن أي شخص بإمكانه تعلم تقنياته.
يمكن إخضاع ذاكرتك لاختبار عبر هذا الفيديو:
قصور الذاكرة.. أفضل طريقة لتمرين الذاكرة
تعتبر «طريقة المواضع» من أكثر الطرق شيوعاً لدى رياضيي الذاكرة، والتي يعرفها متابعو المسلسل التلفزيوني «Sherlock» باسم «قَصر الذاكرة».
وتتمثل فكرة هذه التقنية في حفظ إحدى القوائم، على غرار قائمة المهام، ثم ربط كل عنصر من القائمة بصورة.
ويمكنك بعد ذلك تخزين هذه الصور، التي لديك حرية اختيارها في مخيلتك، داخل إحدى غرف «قصرك» الخاص، الذي يكون في العادة منزلك أو أي مكان مألوف لديك.
ولتذكر القائمة، يمكنك تخيل نفسك بصدد السير والتنقل من غرفة إلى أخرى.
تساعد على حفظ 100 وجه في 5 دقائق
حققت كاتي كيرمودي، من مقاطعة تشيشير الإنكليزية، رقمين قياسيين عالميين، حيث سبق لها تذكر 105 أسماء ووجوه خلال 5 دقائق فقط، فضلاً عن حفظ 318 كلمة عشوائية في مدة لا تتجاوز 15 دقيقة.
وتعليقاً على نجاحها في إحراز هذه الأرقام، قالت كاتي: «أقوم بجولة خيالية حول منزلي وعدة بيوت أخرى سبق لي العيش فيها، ثم أتخيل وضع كلمتين في كل غرفة من هذه المنازل وأربط بينهما بطريقة مرئية، ثم أعمد إلى القيام بجولة خيالية عبر المسارات المختلفة وأتذكر الكلمات التي رأيتها سابقاً».
البعض يملك أكثر من قصر للذاكرة!
عالم الأعصاب المقيم بهولندا وصاحب العديد من الأرقام القياسية في رياضة الذاكرة، نيكولاي كونراد، أفاد بأنه يملك نحو 60 أو 70 قصراً للذاكرة، تتراوح مواقعها بين نهر التِيمز في لندن وقصر باكنغهام وآخر بمنزل مخصص لسكن الطلاب في ريدينغ.
ويستخدم كونراد أسلوباً مختلفاً لحفظ الأرقام الطويلة، حيث يعمد إلى إنشاء صورة لكل رقمين باعتماد نظام تذكر يتكون من «الشخص- والفعل- وعنصر من الذاكرة».
على سبيل المثال، يمكن تمثيل الرقم 19 عبر صورة زرافة (الشخص) تأكل (الفعل) الأوراق من شجرة فارعة الطول (عنصر من الذاكرة).
وعند متابعة هذه الصور واحدة تلو الأخرى، فإن أركان القصة ستتضح أكثر، ما يساعد الشخص على تذكر سلسلة كاملة من الأرقام.
أو يتخيل الأرقام على شكل صور ذات معنى
يستخدم مولين تقنية مشابهة، لكنه يشير إلى كل 3 أرقام بواسطة صورة واحدة.
وكي يتذكر رقماً مكوناً من 6 أرقام مثل 876518، يقول: «بالنسبة لي، يعتبر رقم 876 أشبه بنخلة كبيرة عادية مثل جميع أشجار النخيل التي تراها على الشاطئ، في حين يمثل رقم 518 وجبة توينكي جاهزة».
وأضاف: «في حال أردت تذكر الرقم بالكامل، يمكنني تخيل شجرة نخيل عملاقة مصنوعة من مادة التوينكي، حيث تنحدر منها ثمار جوز الهند عن جذع الشجرة، لتنساب الحشوة الكريمية للتوينكي».
لكن، هل تدريب الدماغ على الحفظ يجعله أفضل؟
في المقابل، يدرس العلماء التأثير الذي يمكن أن تحدثه تقنيات أبطال رياضة الذاكرة، فضلاً عن التساؤل عن قدرة الناس على إعادة تدريب أدمغتنا.
يبدو أن عالم الأعصاب بورنيت غير مقتنع بهذا الأمر، حيث يرى أنه لا يساعد على فهم أي شيء.
ويقول إنه «في حال كنت تقوم بحل الكلمات المتقاطعة كل يوم، ستجد أنك أصبحت بارعاً فيها، لكن ذلك لا يعني أن دماغك قد تحسن».
ويستطرد: «يعني ذلك أن دماغك أصبح جيداً في حل الكلمات المتقاطعة، لأنه يمتلك القدرة على التخصص بهذا المجال».
ففهم الأمور يرسخ المعلومات ويسهّل استحضارها
أما عالمة الأعصاب سوزان غرينفيلد، فترى أنه يجدر بنا تعليم الأطفال كيفية الربط بين النقاط المختلفة عوضاً عن محاولة استحضارها وتذكرها فقط.
تقول: «ما الحدث الأكثر أهمية؟ تذكر تاريخ معركة ما أو تذكر السبب الذي يجعل هذه المعركة مهمة وفهمها؟ يجب ألا نخلط بين حيل التذكر السريعة ومبدأ الفهم، ففي حال تمكنت من فهم شيء ما، لن تبذل جهداً إضافياً لتفهمه مجدداً، لأنه أصبح راسخاً في عقلك».
يعترف أبطال رياضة التذكر بأن قدراتهم المكتسبة عن طريق التدريب الشاق لها حدودها.
ويفيد كل من مولين وكيرمود بأنه في حال عدم ممارستهما ما يبرعان فيه، ستتلاشى قدراتهما على التذكر بمرور الوقت، فضلاً عن امتلاكهما عدة هفوات على مستوى التذكر في الوقت الحالي.
وتصرح كيرمود قائلة: «على الرغم من قدرتي على حفظ الأسماء جيداً في المسابقات، فإنني أنساها في الواقع. ففي أحد الأيام، لم أعجز فقط عن تذكر أسماء الأشخاص الذين سبق لي مقابلتهم، بل إنني لم أكن متأكدة من مقابلتي إياهم من عدمها».
وعلى الرغم من هذه النقاط السلبية، هناك فائدة كبيرة لا يمكن إنكارها فيما يتعلق بامتلاك ذاكرة خارقة، لن تنسى أين وضعت مفاتيحك بعد اليوم!