تعرف علي أقوى أسلحة تركيا في المعارك بسوريا والعراق
خلال السنوات الأخيرة، حققت تركيا تطوراً نوعياً بارزاً في تطوير وصناعة الطائرات الاستطلاعية والهجومية بدون طيار، ما حجز لها مقعداً متقدماً بين عدد محدود من الدول حول العالم التي تصنع هذا النوع من الطائرات التي باتت الذراع الأطول والأقوى للجيش التركي في المعارك التي يخوضها ضد التنظيمات المسلحة داخل البلاد، وفي سوريا والعراق بشكل خاص.
وبدأت تركيا باستخدام هذه الطائرات التي طورتها تدريجياً في السنوات الـ10 الأخيرة خلال الحرب على تنظيم “بي كا كا” داخل البلاد، ولاحقاً بدأت باستخدامها لأهداف استطلاعية في الحرب على التنظيم شمالي العراق، وعمليتي درع الفرات وغصن الفرات ضد تنظيم الدولة والوحدات الكردية شمالي سوريا.
لكن ولأول مرة، استخدم الجيش التركي نسخات مطورة من هذه الطائرات في العمليات الهجومية خلال عملية “نبع السلام” ضد الوحدات الكردية شرق نهر الفرات شمالي سوريا، وأثبتت كفاءة عالية جداً في المعارك وصولاً لاستخدامها في تنفيذ عمليات الاغتيال المحدد للسيارات والأشخاص المطلوبين بشكل محدد جداً.
وتقول صحف تركية إن الطائرات الاستطلاعية بدون طيار خدمت الجيش التركي بشكل كبير جداً في العمليات الأخيرة في سوريا وساهمت في تقليل الخسائر في صفوف القوات التركية، حيث يجري رصد تحركات العناصر المسلحة بشكل دقيق ومنع تنفيذ هجمات ووقوع الجيش في كمائن الوحدات الكردية، وتقول تقييمات تقنية إن الطائرات الاستطلاعية التركية تتمتع بكاميرات متقدمة تقدم صوراً عالية الدقة.
كما ساعدت الطائرات الهجومية الجيش التركي على المناورة والتحرك في مناطق لم تتمكن الطائرات المروحية الهجومية والحربية من التحليق فيها بسبب الخشية من استخدام الوحدات الكردية أسلحة وصواريخ مضادة للطائرات وتجنب وقوع خسائر في صفوف الطيارين الأتراك والمناورة في مناطق يقع مجالها الجوي تحت السيطرة الروسية أو الأمريكية في شمالي سوريا، إلى جانب تنفيذ ضربات محددة ضد المجموعات المسلحة الصغيرة واستهداف سيارات المسلحين وهي تتحرك بسرعة عالية واغتيال شخصيات عسكرية محددة.
وخلال الأشهر الأخيرة، حقق الجيش التركي نجاحاً لافتاً في استهداف عدد كبير من قيادات تنظيم “بي كا كا” في شمالي العراق، ونشر مقاطع فيديو لطائرات تركية بدون طيار وهي تقوم برصد وتتبع عناصر وهم يسيرون على الأقدام قبل أن تقوم طائرات هجومية أخرى باستهدافهم، حيث أعلن عن قتل العشرات من العناصر القيادية الخطيرة المدرجة على لوائح أخطر المطلوبين.
وتقول تركيا إن طائراتها تتميز بقدرات كبيرة فيما يتعلق بدقة التصوير النهاري والليلي والطيران لساعات طويلة دون انقطاع، والطيران على ارتفاعات شاهقة، والتخفي عن أجهزة الرادار، والقدرة على حمل أوزان كبيرة والتزود بأنواع مختلفة من الصواريخ دقيقة التوجيه، ومهاجمة أهداف متحركة.
كما ظهرت هذه الطائرات في المعارك المتصاعدة في ليبيا، حيث يعتقد أن أنقرة زودت قوات حكومة الوفاق الليبية في طرابلس بها، وتمكنت من تغيير مسار المعركة لصالح حكومة الوفاق، ما مكنها من الصمود في وجه الهجوم العنيف الذي تنفذه قوات حفتر على العاصمة بدعم إماراتي مصري.
وبعد عقود طويلة من وقوعها تحت الابتزاز واضطرارها لـ”التوسل” لأمريكا وإسرائيل، حسب وصف مسؤولين أتراك، لبيعها طائرات بدون طيار، باتت أنقرة اليوم إحدى أهم الدول في العالم إنتاجاً لهذا النوع من الطائرات، ووصلت مرحلة تصديرها إلى العديد من الدول حول العالم.
هذا التحول، جاء في إطار خطة إستراتيجية واسعة يقودها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لتعزيز الصناعات الدفاعية التركية، ورفع نسبة اعتماد الجيش التركي على الصناعات الدفاعية الوطنية وتقليل الاعتماد على الخارج.
ووفق تصريحات مختلفة لأردوغان، فإن الصناعات الدفاعية الوطنية باتت تغطي أكثر من 65٪ من احتياجات الجيش التركي، حيث يهدف إلى رفع هذه النسبة إلى أكثر من 90٪ بحلول عام 2023، بعد أن كانت قبيل وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2003 لا تتجاوز الـ30٪، معتبراً أن هذه الطريقة الأساسية لتعزيز استقلالية القرار التركي.
وفي خطاب له، الأحد، في الذكرى الـ81 لوفاة مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، جدد أردوغان التأكيد على أهمية الصناعات الدفاعية التركية، لافتاً إلى أن بلاده باتت الآن تصنع بنفسها الطائرات بدون طيار، وباتت من بين دول معدودة في العالم في هذا المجال، وقدم شرحاً مطولاً حول رفض واشنطن ودول في الناتو بيع الأسلحة لتركيا من خلال التذرع بالكونجرس والبرلمانات.
وتعرضت تركيا لابتزاز كبير جداً من قبل أمريكا وإسرائيل على مدى سنوات طويلة، وبينما رفضت واشنطن أكثر من مرة بيعها طائرات بدون طيار بحجة عدم موافقة الكونغرس، ربطت إسرائيل عملية بيع طائرات جديدة بدون طيار أو إصلاح الطائرات القديمة التي جرى شراؤها سابقاً، بتنازلات سياسية حادة إلى جانب الحديث عن اختراق إسرائيل للأنشطة التي تقوم بها هذه الطائرات.
وكانت تركيا تعتمد بدرجة كبيرة على طائرات الاستطلاع الإسرائيلية من طراز “هيرون” التي تعرضت لمشاكل تقنية جدية وتعطل أغلبها عن العمل، في ظل رفض إسرائيلي بيع تركيا طائرات أحدث أو تقديم الدعم الفني وبيعها قطع الغيار لإصلاح الطائرات القديمة التي كانت تعاني أيضاً من سوء التصوير ومشاكل في الإقلاع على ارتفاعات مناسبة.
وتحدثت مصادر تركية عن مشاكل أعمق في الطائرات الإسرائيلية تتمثل في الاختراق الاستخباري والمعلوماتي الذي أفشل جدواها في الحرب على حزب العمال الكردستاني، وسط شكوك بأن المخابرات الإسرائيلية كانت ترسل المعلومات التي تجمعها هذه الطائرات للتنظيم.
وفي محاولة للتغلب على هذه المعضلة، وضمن الخطة الشاملة لتطوير الصناعات الدفاعية التركية، ركزت أنقرة على مشروع صناعة طائرة تركية بدون طيار والتي شهدت تطوراً متسارعاً على مدى السنوات الماضية، وصولاً لصناعة عدة نسخ من هذا النوع من الطائرات، بعضها مخصص لعمليات الاستطلاع والتطوير وجمع المعلومات، والبعض الآخر مخصص للعمليات الهجومية الدقيقة.
وحديثاً، أعلنت شركة “بايكار” التي تصنع هذا النوع من الطائرات ويقودها صهر الرئيس التركي “سلجوق بيرقدار” أنها انتهت من اختبار أحدث نسخة لها وهي طائرة “أقنجي” الملقبة بـ”السمكة الطائرة” التي يمكنها التحليق حتى ارتفاع 40 ألف قدم، والطيران حتى 24 ساعة متواصلة، وحمل أسلحة بوزن ألف و350 كيلوغراما، ومزودة بأدوات متطورة عديدة، مثل منصة دعم إلكتروني، وأنظمة مراسلة عبر الأقمار الصناعية، ورادارات جوية، ورادارات تحديد العوائق، ويبلغ عرض أجنحتها 20 مترا، وتتميّز بقدرتها على الطي ومزودة بأحدث الأنظمة والأسلحة المطورة محليا.
وبعد أن كان الجيش التركي يمتلك عدداً قليلاً من الطائرات القديمة، تسلم حتى الآن قرابة 60 طائرة من الصناعات الدفاعية، وتقول هيئات دولية متخصصة بالصناعات الدفاعية إن الطائرات التركية بدون طيار تتمتع بامتيازات عالية، كما يؤكد خبراء أن الطائرة التركية تفوقت على نظيرتها الإسرائيلية التي تعتبر من الأفضل في العالم، وباتت تركيا واحدة من 6 دول في العالم فقط تصنع الطائرات بدون طيار، قبل أن تنتقل إلى مرحلة تصديرها إلى الخارج.
فبعد بيع قطر مجموعة من هذه الطائرات، سلمت تركيا أوكرانيا الدفعة الأولى من هذه الطائرات في إطار صفقة كبيرة لتزويد كييف بعدد غير محدد منها، حيث شملت هذه الصفقات بيع محطات التحكم والأدوات الخاصة بهذه الطائرات إلى جانب تقديم الدعم التقني واللوجستي.