كشفت دار مزادات “كريستي” الأمريكية في نيويورك، حقيقة شراء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، لوحة مخلص العالم (سالفاتور موندي) للرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي، في مزادها الأخير بقيمة 450 مليون دولار( ما يقارب نصف مليار دولار).
وأكدت الدار في بيان رسمي لها أن المالك الحقيقي للوحة مخلص العالم الأن هي دائرة الثقافة والسياحة في أبو ظبي، وليس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، كما روجت بعض وسائل الإعلام.
وكانت لوحة مخلص العالم، التي تقال أنها تجسد صورة السيد المسيح عيسى عليه السالم، كما تخيلها دافنشي، قد سجلت رقما قياسيا عند بيعها في المزاد الشهر الماضي وحققت 450 مليون دولار، متخطية كل التوقعات التي سبقت عرضها للبيع.
وأكدت دار “كريستي” هذه الصفقة القياسية، وجاء في بيان لها: “بوسع كريستيز تأكيد أن دائرة الثقافة والسياحة – أبو ظبي اشترت سالفاتور موندي للرسام ليوناردو دافينشي”.
كذب نيويورك تايمز عن لوحة مخلص العالم
وكانت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قد ادعت أن محمد بن سلمان هو من اشترى لوحة مخلص العالم الشهيرة، عن طريق أحد رجال الأعمال المقربين منه.
لكن دار كريستي أكدت أن شخصا جرى تكليفه بالشراء نيابة عن دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي.
واعترفت الصحيفة الأمريكية بكذبها وخطأها في الادعاء بأن محمد بن سلمان هو من اشترى لوحة مخلص العالم.
وقالت في بيان لها الأحد 10 ديسمبر، كان هناك “روايات متناقضة” حول ما يروج بأن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو من اشترى اللوحة.
وأضاف البيان “نحن سعداء لرؤية هذا الرسم الرائع متاحا للجمهور في (متحف) اللوفر أبوظبي”.
وأصبحت اللوحة التي بيعت الشهر الماضي أغلى لوحة تباع على الإطلاق. وفي المزاد اشترى اللوحة مشتر مجهول بالمزايدة عبر الهاتف بعد منافسة دامت نحو 20 دقيقة. وستضاف هذه اللوحة إلى مقتنيات فرع متحف اللوفر في العاصمة الإماراتية أبوظبي وستكون رؤيتها متاحة للزائرين قريبا.
وكان أحد المسؤولين السعوديين قد نفى أن يكون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هو من اشترى لوحة مخلص العالم.
قصة لوحة مخلص العالم (سلفاتور موندي) الغريبة
وتعني كلمة سلفاتور موندي باللاتينية القديمة، مُخلِّص العالم Savior of the World وهو موضوع اللوحة التي تصوّر المسيح كما رسمه دافنشي مطلع القرن السادس عشر الميلادي، وهو يرتدي لباساً من عصور النهضة، جالساً ورافعاً يده اليمنى في وضعية منح البركة، حيث يبدو أصبعان مرفوعان لأعلى هما السبابة والوسطى، في حين يحمل في يده اليسرى مفتوحة كرة من الكريستال البلوري ترمز إلى الكون والسماء.
وقد تم التعرف على عشرين نسخة من هذا العمل، تم رسمها بواسطة تلامذة #دافنشي وأتباعه، رسمت بواسطة الطباشير التحضيرية والحبر على قماش نسيجي.
ولفترة طويلة ظلت اللوحة الأصيلة التي رسمها دافنشي غير محددة، إلى أن تم اكتشافها وأعيد عرضها في العام 2011 في المعرض الوطني بلندن، بعد أن خضعت لعملية ترميم، ضمن معرض ضخم لأعمال الفنان دافنشي؛ أقيم في نوفمبر من ذلك العام.
وفي 15 نوفمبر من هذا العام عرضت اللوحة في مزاد من قبل كريستيز في #نيويورك حيث اشترتها أبوظبي، مقابل 450.3 مليون دولار، وهو رقم قياسي في تاريخ الفنون عبر التاريخ.
ملك فرنسا طلب رسم لوحة مخلص العالم
رسمت اللوحة بين عامي 1506 و1516 لأجل الملك لويس الثاني عشر ملك فرنسا وآن بريتاني التي كانت حاكمة ودوقة بريتاني والملكة القرينة لفرنسا.
وقد كانت ضمن المجموعة الفنية التي يملكها تشارلز الأول ملك إنجلترا في القرن السابع عشر؛ وفي الظهور قبل الأخير لها عرضت في لندن بالمتحف الوطني في الفترة من 9 نوفمبر 2011 إلى 5 فبراير 2012.
ويبدو أن التكليف برسم هذا العمل جاء تقريباً حوالي سنة 1500 ميلادية، بعد وقت قصير من غزو لويس الرابع عشر لدوقية ميلانو، وسيطرته على جنوة في الحرب الإيطالية الثانية. وكان دافنشي نفسه قد انتقل من ميلانو إلى فلورنسا سنة 1500م.
أما وصول اللوحة إلى إنجلترا فيرجح إلى أن ذلك حصل مع الفرنسية هنريتا ماريا عندما تزوجت من تشارلز الأول ملك إنجلترا في عام 1625، وأصبحت ملكة إنجلترا واسكتلندا وإيرلندا بهذا الزواج، وهي ابنة هنري الرابع ملك فرنسا وشقيقة لويس الثالث عشر.
نسخ وتقليد لوحة مخلص العالم
هكذا ظلت اللوحة في غرفة الملكة هنريتا ماريا في بيت الملكة ببلدة جرينتش في إنجلترا، وقد قام الفنان وينسيسلاوس هولار بعمل نسخة منها ظهرت في عام 1650، وفي عام 1649 كان تشارلز الأول قد أعدم في نهاية الحرب الأهلية الإنجليزية وقد تم إدراج اللوحة الأصيلة ضمن مجرودات المجموعة الملكية التي قدرت جملتها بثلاثين جنيها إسترلينيا.
بيعت ممتلكات تشارلز تحت إشراف حكومة الكومنولث الإنجليزي، وفي عام 1651 تم بيع اللوحة لتسوية الديون، لكن أعيدت إلى تشارلز الثاني في عام 1660 وكانت ضمن مقتنيات قصر وايت هول في عام 1666م.
من ثم ورثها جيمس الثاني ويرجح أنها ذهبت بعد ذلك إلى عشيقته كاترين سيدلي، كونتيسة دورتشستر، وقد أنجبا ابنة أصبحت الزوجة الثالثة لجون شيفيلد، الدوق الأول لباكنغهام ونورمانبي، الذي قام ابنه، السير تشارلز هربرت شيفيلد، وقد حمل لقب البارونيت الأول، ببيع اللوحة في مزاد عام 1763 إلى جانب الأعمال الفنية الأخرى من بيت باكنغهام، عندما تم بيع المبنى إلى جورج الثالث.
اختفاء لوحة مخلص العالم وظهورها
اختفت اللوحة بعد ذلك إلى أن اشتراها جامع اللوحات البريطاني، فرانسيس كوك، وهو نبيل وأحد أغنياء إنجلترا، وذلك في عام 1900، وقد ضمها لمجموعاته الفنية في دوتي هاوس في ريتشموند؛ ومنذ ذلك الحين كانت اللوحة موضع اهتمام الخبراء والمختصين بأعمال دافنشي.
بمرور السنين فقد تعرضت اللوحة للتضرر، ما أدى إلى صيانتها من قبل تلامذة دافنشي وأخيرا السير فرانسيس كوك، البارونيت الرابع، وهو حفيد فرانسيس الأول، الذي قام ببيعها بعد ذلك في مزاد عام 1958 بمبلغ 45 جنيها استرلينيا، وقد بيعت على أنها عمل لتلميذ دافنشي، جيوفاني أنطونيو بولترافيو، الذي ظلت اللوحة تعزى إليه حتى عام 2011.
رحلة لوحة مخلص العالم الأخيرة
في عام 2005 لم تحقق اللوحة سوى 10 آلاف دولار في مزاد في نيو أورليانز من قبل مجموعة من تجار الفن من ضمنهم روبرت سيمون، المتخصص في اللوحات العتيقة والأصيلة، وقد ظهرت اللوحة كما لو أنها نسخة مقلدة قبل أن ترمم وتأخذ وضعها الطبيعي، وقد اشتغلت على ذلك مرممة شهيرة تدعى ديان دواير موديستيني في جامعة نيويورك عملت عليها لسنوات، ومن ثم صدرت مصادقتها كرسم لدافنشي.
وفي مايو 2013 قام الملياردير الروسي دميتري ريبولوفليف، الذي يعد أحد أغنى 20 شخصية روسية وفقا لفوربس، بشراء اللوحة مقابل 127.5 مليون دولار، من تاجر اللوحات الفنية السويسري إيفا بوفييه وقد أدت هذه الصفقة مع مبيعات أخرى إلى نزاع قانوني بين الطرفين.
وقبل أن تباع في المزاد الأخير بنيويورك فقد عرضت اللوحة خلال 2017 في هونغ كونغ ولندن وسان فرانسيسكو ومن ثم نيويورك، قبل أن تتخذ طريقها باتجاه أبوظبي.
وقد كان أعلى سعر دفع في سوق الفن قبل الصفقة الأخيرة من نصيب لوحة بابلو بيكاسو “نساء الجزائر” التي بيعت في مزادات كريستيز في نيويورك، يوم الاثنين 11 مايو 2015 بـ 179.4 مليون دولار