تعرف على راسبوتين.. راهب نجا من السم والطعن والرصاص وتنبأ بسقوط إمبراطورية روسيا
يصادف الثاني والعشرين من يناير، ذكرى ولادة واحد من أكثر الشخصيات التي عرفتها البشرية غموضاً، وهو غريغوري يفيموفيتش راسبوتين أو كما يلقب بـ «الراهب الروسي المجنون»، أو «عشيق ملكة روسيا».
فمن هو راسبوتين، ولماذا كان أحد أغرب الشخصيات التي عرفتها روسيا؟
من هو راسبوتين؟
غريغوري راسبوتين معالج روحي روسي، وُلد في قرية بوكروفسكوي الريفية الواقعة في سيبريا بروسيا، قبل أن يصبح مقرباً في ما بعد من العائلة الملكية والمجتمع المخملي والأرستقراطي في سانت بطرسبرغ، ليملك نفوذاً هائلاً داخل العائلة الملكية الروسية.
يعد أحد أكثر الرجال تميزاً في التاريخ، إذ كان في بداية الأمر مجرد فلاح، وأصبح رغم كونه أمياً مقدساً وسط الجهلة الفلاحين، ثم انتقل إلى مدينة سانت بطرسبرغ حيث عمل بمكر للدخول إلى القصر الملكي، إذ أنقذ ألكسي رومانوف، ابن القيصر نيكولا الثاني، من النزف حتى الموت حين كان مصاباً بالناعور.
فاقتنع القيصر وزوجته ألكسندرا فيودوروفنا بأنه قديس، وعاش السنوات السبع التالية ناصحاً لهما في القصر وقريباً منهما.
وشكّل النفوذ المتزايد لغريغوري راسبوتين أحد الأسباب التي سببت قيام الثورة الروسية عام 1917.
تم وصفه على أنه راهب أو متجول أو حاج، على الرغم من أنه لم يشغل أي منصب رسمي في الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وفق صحيفة The Guardian البريطانية.
وبعد السفر إلى سانت بطرسبرغ، إما في عام 1903 أو في فصل الشتاء من عام 1904 حتى عام 1905، أسرت شخصية راسبوتين بعض قادة الكنيسة والنخبة الاجتماعية والسياسية. وأصبح شخصية مجتمع، والتقى بالقيصر نيقولا الثاني في نوفمبر من عام 1905. وكانت أخلاقه غير مألوفة مترنحاً من السكر دوماً، وهاجم الجميع في البلاط دون اعتبار لمن يكونون.
مراحل حياة راسبوتين
ظهرت لدى راسبوتين في طفولته رؤى مستمرة عن القوى الإلهية وقدرات المعالجة الخارقة، إذ كان باستطاعته مثلاً أن يبرئ حصاناً بمجرد لمسه، لكنه اكتسب في فترة مراهقته اسم راسبوتين، أي (الفاجر بالروسية) بسبب علاقاته الجنسية الفاضحة.
وحين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كان أباً لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائماً ما يتناقض وأصول الحياة العائلية التقليدية، وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحول في حياته، هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة، حيث اتخذ صفة الرهبانية التي لازمته بعد ذلك طيلة حياته.
ومع تأثره بتجاربه الروحانية رحل راسبوتين عن قريته ليصبح مسافراً جوالاً في أنحاء روسيا وخارجها، وخلال هذه الرحلات لم يغتسل أو يبدل ملابسة لفترات بلغت عدة أشهر وكان يرتدي قيوداً حديدية زادت من المعاناة، وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل آثوس في اليونان، وساعدته على اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل «هيرموجن، أسقف ساراتوي».
كيف اكتسب راسبوتين نفوذه وشهرته؟
بحلول عام 1903، انتشرت إشاعة في سان بطرسبرغ عن أن هناك قوى صوفية قادمة من سيبيريا ذات عيون وحشية مضيئة ونظرة مجنونة.
بدا أن راسبوتين كان قد حدد موعداً لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب، وقد ساهم في ذلك أن الطبقة الأرستقراطية كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم، وكانت عمليات تحضير الأرواح أمراً مألوفاً.
وفي عام 1905، قابل راسبوتين عالم لاهوت كان هو كاهن الاعتراف الذي تلجأ إليه ألكسندرا فيودوروفونا زوجة إمبراطور روسيا الثاني.
عالم لاهوت قام بتقديم راسبوتين إلى البلاط من خلال تزكية مسؤولي الكنيسة العليا وراهبتين سوداويتي الشعر كانتا تعرفان باسم «الغرابتان»، كانتا فعالتين بإمداد البلاط بالروحيين.
وكان للأسرة الملكية الروسية في الماضي تقليد استقبال الرجال المقدسين من أجل مناشدة تدخلهم بعدة طرق، خاصة تلك التي تؤمن مولد ذكر يرث عرش روسيا.
علاقة راسبوتين بالإمبراطورة ألكسندرا
سجل القيصر نيقولا الثاني في مذكراته اللقاء الأول براسبوتين في 14 نوفمبر عام 1905، قائلاً: «تعرفنا على غريغوري، رجل الرب، من أبراشية توبولساك».
وبنجاحه المعهود مع النساء والشابات ترك راسبوتين انطباعاً عميقاً لدى الإمبراطورة ألكسندرا فيوديوروفونا، إذ اقتنعت تماماً بقدراته حين استطاع بإعجاز أن يخفف من المعاناة والنزف الذي أصاب أليكسيس نيكوليافبتش، وريث عرش روسيا المريض بسيلان الدم الهيموفيليا، والذي قد ورثه عن أمه حفيدة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى.
المرض الذي عانى منه ولي العهد ومات به من قبل أخ الملكة واثنان من أبناء الأخوة وخالها.
يبدأ بنزيف تحت الجلد ثم يظهر ورم يتصلب يتبعه شللٌ مصحوباً بآلام شديدة، ولم يمضِ وقت طويل حتى أثبت راسبوتين قوته الخارقة لأكسندرا، فأصبح مستشارها الشخصي المؤتمن على أسرارها، يزورها في القصر في موعد أسبوعي محدد.
نفوذه تخطى التقاليد
ولم تكد تمضي فترة قصيرة حتى أصبح راسبوتين مستشاراً مقرّباً جداً من القيصر والملكة ألكسندرا.
وبعد هزيمة الجيش الروسي أمام الجيش الألماني واجتياح وارسو قام القيصر بتنحية عمه نيقولا الأكبر من قيادة الجيش وتولى بنفسه قيادة المعارك؛ وتوجّه إلى الخطوط الأمامية وترك السلطة بيد الإمبراطورة ألكسندرا.
فكان راسبوتين هو مستشارها وأقرب الأشخاص إليها، وكان تأثيره قوياً جداً على كل البلاط ولا يجرؤ أحد على اعتراضه.
وكان يشرف على كل الرسائل التي تصل من القيصر من الجبهة، وأشيع أنه كان يتولى النصح له في رسائل ترسل من قبل الإمبراطورة، وأصبح نفوذه على القرارات الداخلية والخارجية واضحاً.
ورغم كل الاعتراضات والنفور الشديد من أعضاء أسرة رومانوف الحاكمة على راسبوتين وأفعاله الشخصية تجاههم وعدم تعامله معهم بما يليق، إلا أنهم كانوا يعلمون تأثيره الواسع على القيصر والإمبراطورة وحاجتهم الشديدة إليه لعلاج ولي العهد.
وتقول إحدى النظريات المتعلقة بقدرة راسبوتين على وقف النزيف الذي أصيب به أليكسيس، ابن القيصر، بأنه استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثم تقليل القوة التي تدفع الدم إلى الدوران في جسده.
احذر من الدخول في حرب مع العثمانيين وإلا سينتهي حكم عائلتك!
كان راسبوتين معارضاً للحرب مع العثمانيين في البلقان سنة 1913، فقد حذّر قيصر روسيا من الدخول فيها.
أما الوطنيون المتعصّبون فقد ظلّوا يلحّون على قيام روسيا بالحرب بمساعدة الأرثوذكس.
كما أن راسبوتين حذّر القيصر من أن الدخول في الحرب سوف يعني نهاية حكم أسرة رومانوف وأن روسيا سوف تعاني، ولكن بالطبع الضغوط الداخلية لم تترك للقيصر أي خيار سوى الحرب.
اثنان من أنصاره تحالفا لقتله!
اثنان من أنصار راسبوتين السابقين وهما راهب يميني متعصب يدعى ليودور، وهيرموغين أسقف ساراتوف، وكانا على اقتناع تام بأن راسبوتين ما هو إلا تجسيد للشيطان.
الراهب المتطرف ليودور كان يدعو إلى تدخّل روسيا في حرب البلقان ضد المسلمين، وشنّ حملة لدى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية كي يطرد راسبوتين ويحرمه من الرهبنة.
كما قدم ليودور دعاوى كثيرة حول تصرّفات جنسية فاحشة من جانب راسبوتين، وأشاع أن المدعي العام متعاطف مع راسبوتين، وطلب ليودور من المجمع الكنسي طرد راسبوتين، وإلاّ سيعتبر نفسه مطروداً.
وفي عام 1911، استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيام بمعجزاته وضرباه بصليب، وأبلغ راسبوتين الإمبراطورة بالواقعة وادعى أنهما حاولا قتله لتقوم الإمبراطورة بعزلهما.
وفي بداية عام 1913، تآمرت المجموعة نفسها لاستدراج راسبوتين إلى منزل في سانت بطرسبرغ تحت إغراء الجنس، حيث يمكن اغتياله، لكن راسبوتين شعر بالمؤامرة، ولم يأتِ في الموعد المحدد إلى ذلك البيت.
وفي العام التالي 1914، وبينما كان في طريقه لإرسال ردّ لبرقية تلقاها رأى متسولة تعترض طريقه وتطلب منه نقوداً.
مدّ راسبوتين يده إلى جيبه، فأخرجت سكيناً وهاجمته، وكانت هذه المرأة هي مجرد عاهرة سابقة مشوهة مجدوعة الأنف تدعى شيونيا جاسيايا، كان ليودور قد دفعها لقتل راسبوتين.
أصابت الطعنة المعدة، وتمكن راسبوتين من إعاقة المرأة، وسرعان ما تجمع الناس حول المتسولة وجذبوها إلى الوراء.
القبض على شيونيا والاعتراف الصادم!
لما علمت زوجة القيصر بمحاولة الاغتيال، تصرّفت بسرعة وألقت القبض على شونيا التي كانت مصابة بالزهري.
وعند استجوابها نفت علاقة الراهبين بالأمر، وقالت إن سبب محاولتها قتل راسبوتين أنه جعلها تنزلق في عالم الدعارة.
وأضافت أنها شاهدت راسبوتين يغتصب إحدى الراهبات على مقربة منها.
وبعد فترة سجن قصيرة أُعلن أنَّ المرأة مجنونة، وبذلك أُودعت مصحاً عقلياً في مدينة تومسك حيث قبعت هناك حتى قيام الثورة، ثم اختفت عن الأنظار، وانقطعت أخبارها.
أما الراهب ليودور فقد تخفى في ثياب سيدة وهرب عبر الحدود إلى فنلندا.
وهكذا كانت نهاية أول مؤامرة على حياة راسبوتين، الذي ظل يحاول منع القيصر من التورّط في الحرب.
رسالة راسبوتين إلى قيصر روسيا
رغم أنه كان يمكث في المستشفى بسبب إصابته، إلا أن راسبوتين ظلّ يسعى لدى القيصر الروسي كي يبقى بعيداً عن الصراع وكتب له الرسالة التالية:
«مرة أخرى أقول: هناك غمامة عاصفة مريعة تسري في سماء روسيا. أرى كارثة، ظلاماً، حزناً.. ولا ضياء. إنه بحر من الدموع والدماء.. ماذا أقول؟ لا أجد كلمات تصف ذلك الرعب. جميعهم يريدون منك الاندفاع نحو الحرب، لكنهم لا يعلمون أن الدمار ينتظر».
لم يرد القيصر على الرسالة وبدأ بحشد قواته استعداداً للحرب العالمية الأولى التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من 4 ملايين روسي أرواحهم.
وبالعودة إلى سان بطرسبرغ ومع غياب القيصر استطاع راسبوتين اكتساب المزيد والمزيد من القوى السياسية وساهم في تعيين وطرد الوزراء، والسيطرة على قرارات حكومة روسيا داخلياً، لأنَّ القيصر كان منشغلاً بأمور الحرب.
وتم طرد الأشخاص المعارضين لراسبوتين؛ وبدأ تقريب الموالين له وتعيينهم في أخطر المناصب.
سرت الشائعات أن راسبوتين يخطط مع زوجة القيصر لعقد اتفاق سلام مع ألمانيا بشكل سري ومنفصل.
وبنفوذه الطاغي على قرارات القيصر السياسية زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانت منها البلاد، حتى أن مدينة سان بطرسبرغ أصبحت تعرف باسم «مدينة إبليس».
نبوءته بالقتل
وفي ديسمبر/كانون الأول عام 1916، كتب راسبوتين خطاباً للقيصر يتنبأ فيه بقتله، وكتب: «إذا قتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حياً لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أن كل أولادك أو أقاربك، سوف يقتلهم الشعب الروسي، سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذه الحياة. صل أرجوك، صل، وكن قوياً، وفكر في عائلتك المصونة».
وبعد ثلاثة وعشرين يوماً بالتحديد قام اثنان من أقارب القيصر نيقولا الثاني بقتل راسبوتين.
وبعد مرور تسعة عشر شهراً على مقتله أُعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين.
بالتأكيد كانت حياة راسبوتين شديدة الغرابة، لكن القصص المحيطة بموته هي الأغرب على الإطلاق.
كيف مات راسبوتين؟
كل ماهو معروف عن مقتل راسبوتين أنه ذهب ذات ليلةٍ إلى قصر يوسوبوف في سانت بطرسبورغ بدعوةٍ من الأمير فيلكس يوسوبوف، وبعد أيامٍ عُثِرَ على جثمانه في نهر نيفا المتجمِّد. ولا أحد يعرف بالتحديد ما وقع بين هذا الحدث وذاك.
أشهر روايةٍ للأحداث تأتي من الأمير يوسوبوف نفسه في مذكراته بعنوان «Lost Splendour».
بحسب يوسوبوف، حين وصل راسبوتين إلى القصر، أُخذ إلى القبو بالأسفل حيث قُدِّم له الكعك ونبيذ ماديرا.
وبالأعلى، بثَّ جهاز فونوغراف نغمات «Yankee Doodle Dandy» لخداع الراهب وإقناعه بوجود حفلة صاخبة.
وكان يوسوبوف وشركاؤه قد دبَّروا الأمور بعناية. إذ كان الكعك المقدَّم إلى راسبوتين مسمَّماً بما يكفي من سيانيد البوتاسيوم لقتل ديرٍ كاملةٍ من الرهبان.
لكن راسبوتين ظل يأكله من دون أن يتأثر أبداً!
طعام ونبيذ مسمومان ورغم ذلك لم يتأثر!
سكب الأمير يوسوبوف نبيذ الماديرا، متعجباً من صمود الراهب، في كأسٍ مسمومةٍ بالسيانيد وأعطاها إلى راسبوتين.
وعوضاً عن فقدان وعيه في غضون ثوانٍ، كما هو الأثر المتوقع لتناول جرعةٍ ضخمةٍ من السيانيد، واصل راسبوتين ارتشاف النبيذ برباطة جأش.
وتجرَّع الراهب كأساً مسمومةً ثانيةً دون أثرٍ واضحٍ عدا صعوبةٍ بسيطةٍ في البلع.
وحين سُئل عمَّا إذا كان يشعر بتوعُّكٍ، ردَّ: «نعم، رأسي ثقيل ولديَّ شعور بالاحتراق في معدتي».
وبعد تناوله كأساً ثالثةً من النبيذ المسموم، بدا منتعشاً فقط. ولمَّا كان قد استهلك مخزونهم الكامل من السيانيد، تحيَّرت جماعة المغتالين متسائلين عما ينبغي أن يفعلوه وقتها، واتفقوا على إطلاق الرصاص عليه.
أطلقوا عليه الرصاص!
بدا أن الرصاصة قد اخترقت جسده بالقرب من قلبه، أي موت محتوم؟، أو أنّ هذا ما حسبوه.
لكن سرعان ما فتح راسبوتين عينيه، وانقضَّ على يوسوبوف، مستاءً بالطبع ممَّا جرى.
ووقع عراكٌ محتدمٌ قبل أن يتمكَّن الأمير من الإفلات والهروب صاعداً سلَّم القبو. وتبعه راسبوتين.
وفي النهاية خرجت الجماعة إلى فناءٍ، حيث صُوِّبت أربع رصاصاتٍ أخرى نحو جسد راسبوتين قبل أن يسقط أرضاً.
ولضمان ألا يزعجهم مجدداً، لفَّ المغتالون جثته وربطوها بقطعة من الكتان الثقيل، ووضعوها في عربةٍ، وأخذوها إلى جزيرة بتروفسكي حيث أُلقِي بها في النهر المتجمِّد أسفل أحد الجسور.
نظريات موت راسبوتين
ويكاد عدد النظريات المحيطة بسبب إخفاق السيانيد في قتل راسبوتين يساوي عدد النظريات المحيطة بكيفية وفاته الحقيقية. والمفاجئ أن النظريات مستندة إلى أسسٍ علمية.
النظرية الأولى: هي أن مسمِّميه ببساطةٍ لم يتقنوا عملهم. فإما لم يستخدموا ما يكفي، وإما كان مخزون السيانيد لديهم قديماً ففسد متحولاً إلى مادة أقل سميةً بكثير. ومع أنها نظرية معقولة، لكن ما زال من المحال الجزم بصحَّتها بعد مرور قرنٍ كاملٍ على الواقعة.
النظرية الثانية: هي أن راسبوتين كان قد قرَّر التحصُّن ضد السم بعد علمه باحتمال أن يحاول أحد ما قتله (إذ كان قد نجا بالفعل من محاولتَي اغتيال).
وربما وجد إلهاماً في قصة ميثراداتس، ملك البنطس في القرن الأول قبل الميلاد، الذي صنع ترياقاً للسم خشية أن يحاول أحد قتله.
وبتناوله كميات غير مميتةٍ من كل أنواع السم المعروفة، اكتسب مناعة ضدها. وعندما تعرَّض ميثراداتس للتهديد من شعبه، حاول قتل نفسه بالسم، لكن فشلت المحاولة واضطُر إلى اللجوء إلى أحد الحراس ليقتله بسيفه.
أما النظرية الثالثة: فهي أن راسبوتين كان مصاباً بالتهاب المعدة الكحولي، الذي قد يؤدي إلى خفض كمية حمض المعدة. ودون وجود حمض في المعدة، لا يمكن أن يُحوَّل سيانيد البوتاسيوم إلى سيانيد الهيدروجين، وبذلك تنخفض درجة سميَّته انخفاضاً كبيراً. وهو تفسير معقول آخر، لكن أحداً لا يعرف حق المعرفة ما إذا كان راسبوتين مصاباً بهذا المرض.
وتفرض النظرية الرابعة: أن مسمِّميه قد أعطوه دون قصدٍ ترياقاً إلى جانب السم.
إذ بيَّنت دراسات أن الجرذان عند إطعامها السكَّر مع السيانيد تزيد نسبة نجاتها بكثير عن الجرذان التي أُطعمت السيانيد من دون السكَّر.
ومع أن النظرية غير مثبتةٍ، فهي تفرض أن السكَّر يرتبط بالسيانيد ارتباطاً يسمح بإفرازه قبل أن يمتصَّه الجسد بأكمله. وبهذا ربما قد أخطأ المغتالون الاختيار حين أعطوه السيانيد داخل كعكة ونبيذ مُحلَّيَين بالسكَّر.
النظرية الخامسة: هي أن يوسوبوف قد اختلق القصة برمَّتها، وأن راسبوتين ببساطةٍ قد أُردي قتيلاً بالرصاص بُعَيد دلوفه إلى القصر على يد شخصٍ أو أشخاصٍ مجهولين. والأرجح أن هذا أقرب بكثير إلى الحقيقة، لكنه لا يضاهي إطلاقاً إثارة القصص التي تحكي عن راهب «لا يمكن قتله».
لم يمت لا بالسم ولا بالرصاص.. بل من البرد!
عندما عثرت الشرطة على جثة راسبوتين بعد يومين من إلقائه دل تشريحها على وجود مياه في الرئتين، وأن راسبوتين كان ما زال حياً عندما ألقي به في النهر، ولكن برودة الماء تسببت بوفاته.