تعرف على الصحابى الذى هابه المقوقس وطلب رسولا غيره
عُرف القائد المسلم عمرو بن العاص، بخبرته العسكرية الكبيرة، ودهائه الاستراتيجى الكبير، وقد وضح ذلك فى فتح المسلمين لمصر عام 641.
وتحل اليوم الذكرى الـ1377، على سقوط حصن بابليون آخر معاقل الدولة البيزنطية بالقاهرة، بعد حصار طال لعدة أشهر، قبل أن يفتح الله عليهم البلد.
وكان له المقوقس حاكم مصر بعث إلى عمرو بن العاص رسلا لينهاه عن دخول البلاد، واستمرار القتال، وبحسب ما ذكر فى موسوعة “النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة” للمؤرخ ابن تغرى بردى، “إن عمرو بن العاص حبس الرسل عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم الموقس، وتساءل فى أصحابه “أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم ويستحلون ذلك فى دينهم، وإنما أراد عمرو بذلك أنهم يرون حال المسلمين”.
ورد عمرو الرسل بعد ذلك، ومعهم ثلاثة شروط هى “دخول الإسلام، أو دفع الجزية، أو القتال”، فسأل المقوقس الرسل، كيف رأيتموهم؟ فقالوا: “رأينا قوما الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم فى الدنيا رغبة ولا نهمة”، فما كان من المقوقس أن طلب من عمرو بإرسال رسول له للتفاوض.
فبعث عمرو بن العاص بعشرة أفراد أحدهم هو الصحابى عبادة ابن الصامت، وكان شديد السمار قوى البنيان طوله عشرة أشبار، وأمره عمرو أن يكون هو متكلم القوم وألا يتحدث إلا فى خلال الشروط الثالثة التى وضعها بنفسه للتفاوض، فلما رآه المقوقس قال: “نحوا عنى هذا الأسود وقدموا غيره يكلمنى، فقالوا جميعا: “إن الأسود أفضلنا رأيا وعلما وهو سيدنا والمقدم علينا، فتسأل المقوقس: “وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغى أن يكون دونكم، فقالوا: “كلا إنه وإن كان أسود كما ترى فإنه من أفضلنا موضعا ورأيا وليس ينكر فينا السواد، فقال له المقوقس: “تقدم يا أسود وكلمنى برفق، فأننى أهاب سوادك وإن أشتد كلامك على ازددت لك هيبة”.
وبدأ بن الصامت حديثه إلى المقوقس، موضحا أنه ترك خلفه ألفا من أصحابه فى مثل سواده وقوته وبنيانه، وليس لهم رغبة سوى الجهاد فى سبيل الله واتباع رضوانه، فقال المقوقس لأصحابه: “هل سمعتم من كلام الرجل قط! لقد هبت منظره وأن قوله لأهيب عندى من منظره، إن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها”.
فوجه المقوقس حديثه لعباده وأخبره بأن الروم يعدون جيشا لا يحصى عدده، وأنهم أى المسلمين لن يطيقوا ذلك، وعرض عليه أن يصرف لكل رجل منهم دينارين ولأميرهم مائة دينار ولخليفتهم ألف دينار، قبل أن تأتى قوة الروم الكبيرة، فرد الصحابى الجليل، بأنهم على استعداد للقتال والتضحية من أجل رضوان الله وجنته، وإن كم من فئة قليلة انتصرت بفضل الله، وليس أمامهم إلا الثلاث شروط التى وضعها عمرو بن العاص، لكن المقوقس رفض هو أصحابه بحجة أن تسليمهم يعنى الذل والعبودية، فخرج عبادة وأصحابه واستمر الحصار والقتال حتى توصل عمرو مع المقوقس فيما بعد واتفق على دفع الجزية، فكان بداية للعهد الإسلامى فى البلاد.