تعرف على استراتيجية مصر للقضاء على الهجرة غير الشرعية
لم يكن نداء “نبيل” لصديق عمره “فارس” مجرد نداء عادي، إنما صرخة ألم ووجع، بعد الفراق، ورغبة صادقة منه في أن يسمع صوته مرة، ولكن دون جدوى، لأن فارس احتضنته الأمواج المتلاطمة، ووجهت له الضربة القاضية لتنهي حياته أثناء محاولته الهجرة بطريقة غير شرعية وغير آدمية. هذا باختصار ما قدمته أغنية “فارس” التي أطلقتها اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، مطلع مايو الجاري، لتلخص الحقيقة المُرة عن النتائج القاسية للهجرة بهذه الطريقة.
في هذا التقرير، نحاول رصد جانب من جهود مصر للقضاء على هذه الظاهرة.
إطلاق المرحلة الثانية للحملة القومية للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية
في إطار الحملة الإعلامية التي وجه بإعدادها رئيس مجلس الوزراء، للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية، أطلقت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر، المرحلة الثانية للحملة القومية للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية.
وتهدف الحملة إلى توعية المواطنين بالمخاطر التي يتعرض لها الشباب خلال رحلة الهجرة غير الشرعية، مع تسليط الضوء على البدائل المتاحة، وتوضح أغنية “فارس” ما تواجهه أسر ضحايا الهجرة غير الشرعية من مآس في حالة هلاك أبنائهم، وتخاطب الشباب مؤكدةً دورهم في توعية بعضهم البعض، فضلًا عن دعوتهم إلى عدم الاستسلام لإغراءات سماسرة الهجرة، مع أهمية التمسك بالأمل والاستمرار في محاولة الحصول علي فرصة عمل كريمة.
تم إعداد أغنية “فارس” بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، والمنظمة الدولية للهجرة. وتمثل الأغنية المرحلة الثانية من الحملة القومية المعنونة “لا للهجرة غير الشرعية”، استكمالًا للموجة الأولى التي عبر عنها الإعلان التليفزيوني، الذي شارك فيه لاعب منتخب مصر لكرة القدم السابق، حازم إمام.
وحرصت اللجنة الوطنية، في توضيحها لمخاطر الهجرة غير الشرعية، على أن تبرز الحلول والبدائل المتاحة بدعوة مجموعة من شباب المنتجين الحاصلين على قروض جهاز تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، لعرض منتجاتهم في حفل إطلاق الأغنية، كما دعت اثنين منهم للحديث عن تجربتهم الناجحة في العمل والإنتاج، ليكونوا بمثابة نموذج لغيرهم من الشباب الآملين في غدٍ أفضل.
دليل استرشادى لحماية العمالة المصرية بالخارج
لم تتوقف الحملة المصرية المتواصلة باستمرار للقضاء على الهجرة غير الشرعية عند ذلك الحد، ولكنها تقوم بنشر مزيد من الوعي للوقاية من أثر تجارة الموت هذه، حيث قام قطاع الشئون القنصلية والمصريين بالخارج، بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لمكافحة ومنع الهجرة غير المشروعة والاتجار بالبشر التابعة لمجلس الوزراء، بتوزيع الدليل الاسترشادي – الذي أصدرته اللجنة الوطنية – لحماية العمالة المصرية بالخارج من صور الاتجار بالبشر والتعريف بهذه الجريمة، وذلك من خلال البعثات المصرية الدبلوماسية والقنصلية في الخارج، في إطار تطوير دور وزارة الخارجية المصرية وتعزيزه في مجال منع ومكافحة الاتجار بالبشر.
اعتبار الاتحاد الأوروبي مصر نموذجًا ناجحًا في مواجهة الهجرة والتهريب، لم يأت من فراغ، ولكنه كان نتيجة جهود متضافرة من عدة مؤسسات حكومية، بالتعاون مع عدد من مؤسسات المجتمع المدني. حيث شهدت مصر إطلاق مشروع مصري ـ إيطالي مشترك، لتدريب الآلاف من رجال الشرطة وشرطة الحدود من 22 دولة إفريقية على مكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية، ضمن مشروع يحمل اسم “إيتيا” وسيستمر لمدة عامين، ومن المقرر أن يتم تقييم نتائج المشروع خلال مؤتمر يعقد في إيطاليا في ديسمبر 2019.
وتعتمد السياسة المصرية في هذا الصدد على قاعدة أن القضاء على الهجرة غير الشرعية والسيطرة عليها لن يتم من خلال الإجراءات الأمنية فقط، بل من خلال تسوية الأزمات القائمة والدفع بجهود التنمية وتحسين مستوى المعيشة للشعوب.
دور وزارة الخارجية في مكافحة الظاهرة داخليًا
تعمل وزارة الخارجية، من خلال عضويتها باللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية، والإتجار في البشر، بالمشاركة مع جميع الجهات المعنية بموضوعات الهجرة، مثل: وزارة القوى العاملة والهجرة، وزارة التعليم العالي، وزارة الإعلام، وزارة التربية والتعليم، وزارة التنمية المحلية، وغيرها من القطاعات المعنية بمعالجة الموضوعات ذات الصلة بالهجرة. وتعمل اللجان المشار إليها على تأهيل القدرات الوطنية التي تتعامل مع موضوعات اختصاصاتها، وكذلك إعداد دراسات من أجل تحديد الظاهرة وأبعادها ومعالجتها من الجذور.
وتقوم وزارة الخارجية بالتنسيق فيما بين المنظمات الدولية ذات الصلة، والجهات الحكومية المعنية، فيما يتعلق بموضوعات الهجرة واللجوء ومكافحة الاتجار في البشر، باعتبار أن وزارة الخارجية هي نقطة الاتصال الرسمية المسئولة.
دور وزارة الخارجية على الصعيد الإقليمي والدولي
تؤكد مصر دائمًا أهمية مكافحة الهجرة غير الشرعية، في إطار تعاون جماعي، تحت مبدأ تقاسم الأعباء والمسئولية وبعيدًا عن المساعي ذات الطابع الانفرادي.
وتشارك مصر بشكل إيجابي وفعال في مبادرتيّ (الاتحاد الإفريقي والقرن الإفريقي، الاتحاد الأوروبي والقرن الإفريقي، المعروفة باسم عملية الخرطوم) حول مسارات الهجرة ومكافحة الإتجار في البشر وتهريب المهاجرين بالتعاون مع الدول الإفريقية المعنية في هذا المجال.
بروتوكول وزارة الهجرة لمكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية
وفي مارس 2017، وقعت وزارة الهجرة وشئون المصريين بالخارج بروتوكول تعاون مشترك مع وزارة الصحة والسكان، ومؤسسة “مصر الخير”، لنقل جثامين المصريين المتوفين بالخارج، في إطار مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية، والتشجيع على الهجرة الشرعية.
ويتم تنفيذ البروتوكول فيما بين الأطراف الثلاثة، وفقًا لعدة إجراءات، حيث تتلقى وزارة الصحة إخطارًا من وزارة الخارجية أو من وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج، أو من شركة مصر للطيران، بالنفقات المطلوبة لتجهيز ونقل جثمان المصري المقيم بالخارج أيًا كان سبب الإقامة.
مبادرة مصرية – إيطالية لتدريب شرطيي دول إفريقية على مكافحة الهجرة غير الشرعية
في مارس الماضي، أطلقت مصر وإيطاليا مبادرة مشتركة لتدريب الآلاف من رجال الشرطة من 22 دولة إفريقية على مكافحة تهريب البشر والهجرة غير الشرعية، وتتضمن المبادرة تنظيم دورات تدريبية لمدة عامين في القاهرة، بهدف تعزيز مهارات رجال الشرطة الأفارقة، الذين سيقومون بدورهم بتدريب زملائهم في بلادهم الأصلية. ويهدف البرنامج التدريبي أيضًا إلى جمع مختلف الثقافات المهنية والعملية عن طريق منح المشاركين الفرصة في تطوير الاتصال، الذي يمكن من تفعيل التعاون الدولي.
وبالإضافة إلى مصر وإيطاليا، يوجد شركاء في المشروع من دول شمال ووسط إفريقيا كافة، الواقعة على ممرات الهجرة، مثل الجزائر وبوركينا فاسو وتشاد وساحل العاج وإريتريا وإثيوبيا وغامبيا وجيبوتي وغانا وغينيا وكينيا وليبيا ومالي والمغرب والنيجر ونيجيريا والسنغال والصومال والسودان وجنوب السودان وتونس.
تفاصيل مبادرة “عملية الخرطوم”
في مواجهة الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي، أطلق وزير الخارجية الإيطالي، في نوفمبر 2014، “عملية الخرطوم” المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ودول القرن الإفريقي لمكافحة أسباب الهجرة غير الشرعية وتبعاتها.
واعتمدت المبادرة على تبنى نهج مشترك في كل دول أوروبا، نهج متكامل يشمل الدبلوماسية والأمن والتنمية، من أجل صياغة سريعة لمشاريع للحصول على تمويل أوروبي لدعم اللاجئين. وتضم عملية الخرطوم دول الاتحاد الأوروبي، ودول القرن الإفريقي التي ينطلق منها سنويًا عشرات الألوف من المهاجرين غير الشرعيين، وكذلك بلدان المعبر، أي عشر دول إفريقية.
وتولت مصر رئاسة لجنة التسيير لعملية الخرطوم خلال عام 2014، ثم انتقلت الرئاسة إلى بريطانيا في نوفمبر 2015، وأخيرًا إلى إثيوبيا.
مشاركة مصرية فاعلة في مبادرة الاتحاد والقرن الإفريقي
استضافت مصر المؤتمر الإقليمي الثاني لمبادرة الاتحاد الإفريقي والقرن الإفريقي، بمدينة شرم الشيخ، في سبتمبر 2015. حيث استضافت مصر في هذا الإطار الاجتماع المشار إليه للجنة التسيير المنبثقة عن الإعلان في أبريل 2015، بمدينة شرم الشيخ، وتم تقديم مجموعة من المشاريع والأفكار الإفريقية للتنمية، ومعالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية.
كما شاركت مصر بفاعلية في عملية التحضير والصياغة في قمة فاليتا حول الهجرة (نوفمبر 2015)، حيث تولت الدفاع عن وجهة النظر الإفريقية باعتبارها رئيسًا لمبادرتي الاتحاد الإفريقي – القرن الإفريقي، والاتحاد الأوروبي – القرن الإفريقي، بالتنسيق مع مفوضية الاتحاد الإفريقي.
واستضافت مصر بالأقصر، في نوفمبر 2017، المؤتمر الأول من نوعه الذي يضم كافة العمليات التي تتناول مسار الهجرة بين إفريقيا وأوروبا، حيث يركز المؤتمر على مكافحة عمليات تهريب المهاجرين والاتجار في البشر، مع التركيز على القصر غير المصحوبين.