تصاعد اتهامات للنهضة التونسية مع اقتراب الانتخابات التشريعية
تتصاعد عدة اتهامات لحركة “النهضة” (إسلامية) في الآونة الأخيرة بتونس، في قمتها امتلاكها جهازا سريا ضالعا في اغتيال كل من شكري بلعيد ومحمد البراهمي، القياديين في الجبهة الشعبية (ائتلاف لأحزاب أقصى اليسار).
تلك الاتهامات توجهها كل من الجبهة الشعبية (15 نائبا من أصل 217)، وهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، اللذين اغتالهما، عام 2013، تنظيم “أنصار الشريعة”، القريب من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
في الوقت نفسه، تم تسريب وثيقة من البنك المركزي التونسي، قبل أسبوعين، يطالب فيها بالتثبت من حسابات عشرات القياديين في “النهضة” (68 نائبا)، مع تلميح وسائل إعلام محلية بوجود شبهة تمويل أجنبي للحركة المشاركة في الائتلاف الحاكم.
منذ تصاعد الاتهامات لـ”النهضة”، بداية أكتوبر الماضي، دخل الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، الذي أنهى في سبتمبر/ أيلول الماضي الماضي توافقا مع الحركة، على الخط، وعرض مسألة “الجهاز السرّي” على مجلس الأمن القومي، الذي يترأسه، كما استقبل هيئة الدفاع عن البراهمي وبلعيد وزوجة بلعيد، وهو ما فُهم منه أنه يساند الاتهامات.
ويربط خبراء بين تلك الاتهامات والانتخابات التشريعية، المتوقعة في أكتوبر المقبل، ويفسرون تجاوب السبسي مع الاتهامات بتداعيات إنهاء التوافق مع “النهضة”، ورفض الحركة إزاحة رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، مثلما طالب بذلك الرئيس ونجله حافظ، رئيس الهيئة السياسية لحركة “نداء تونس” (ليبرالية- 41 نائبا)، قائدة الائتلاف الحاكم.
وقلل هؤلاء الخبراء من تأثير الاتهامات على نتائج “النهضة” في الانتخابات المقبلة، معتبرين أنها في وضع أفضل من انتخابات 2014، التي شهدت أيضا توجيه اتهامات للحركة.
توتير الساحة السياسية
الباحث الاجتماعي، هشام الحاجي، قال إنه “يجب التمييز بين مسارين من حيث التعاطي مع الاتهامات والشبهات والملاحظات التي قد توجّه إلى النهضة أو غيرها”.
وأضاف الحاجي: “أولا هناك مسار قضائي لا بد من احترامه وتوفير كل الشروط لاستقلالية القضاء والنأي به عن كل الضغوط حتى تظهر الحقيقة ويتحمل كل من أخطأ مسؤوليته”.
والمسار الثاني، بحسب الحاجي، هو أن “استهداف أي حزب سياسي يمكن أن يثير توترا إضافيا في الحياة السياسية، وقد تكون له نتيجة عكسية لمن يطلقون حملات الاستهداف، فالرأي العام يتفاعل بطريقة مختلفة، وقد يثير الاستهداف تفاعلا وتعاطفا مع الجهة المستَهدَفَة”.
نفت “النهضة” صحة الاتهامات الموجهة إليها، وندد مجلس شورى الحركة، قبل أسبوعين، بـ”مواصلة جهات سياسية تسميم المناخ الوطني، والإصرار على مهاجمة حركة النهضة، ومحاولة تشويهها بالكذب والتلفيق وتركيب الملفات”.
وحذر من “الضرر البالغ الذي تمثّله هذه الممارسات على المناخات الوطنية واستقلال القضاء وضرب هيبة الدولة ومؤسساتها”.
وشدد المجلس، في بيان، على أن “هذه الممارسات لن تزيد الحركة إلاّ تجذّرا في انتمائها الوطني، واستعدادها الدائم للحوار والتعاون مع القوى الوطنية لمزيد من تجذير التجربة الديمقراطية ومناعة بلادنا واستقلالها”.
ويُنظر إلى تونس على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة الناجحة في الدول العربية التي شهدت “ثورات الربيع العربي”، بداية من أواخر 2010.
السبسي على الخط
منذ نوفمبرالماضي، نبهت “النهضة” لخطورة إقحام مؤسسة الرئاسة في شؤون القضاء، وجددت الإعراب عن حرصها على التوافق مع السبسي.
وجاء ذلك إثر استقبال السبسي لهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي، ونشر دائرة إعلام الرئاسة بيانا حول اللقاء تضمن تصريحات للهيئة اعتبرت “النهضة” أنها “تهجمات باطلة وتهم زائفة تجاهها”.
وقال هشام الحاجي إن “اهتمام رئيس الدولة بملف الجهاز السري أو بمعرفة الجهة التي أمرت ونفذت اغتيال الشهيد شكري بلعيد تزايد وأصبح واضحا بعد انتهاء توافقه مع النهضة”.
واعتبر أن هذا التدخل من السبسي “قد يؤثر على تقبل المواطن العادي، الذي يعتقد أن السبسي من الناحية المبدئية، ومن خلال مهامه كرئيس لمجلس الأمن القومي، معني بمعرفة كل ما من شأنه أن يمثل تهديدا للأمن القومي.. واغتيال زعيم سياسي أو امتلاك حزب سياسي لتنظيم أمني هي من أكثر الأشياء التي تهدد الأمن القومي”.
ورأى المدير السابق للمعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية، طارق الكحلاوي، أن “تدخل الرئيس إلى حد الآن إعلامي”.
وأردف أن “الرئيس لديه فقط ورقة العلاقات الخارجية ومجلس الأمن القومي”.
وتابع: “في العلاقات الخارجية تحرك الرئيس متأخرا نوعا ما، ونلاحظ أنه بصدد السفر أكثر من السابق، ويبدو أنه يريد أن يلعب دورا أكثر في السياسة الخارجية”.
وقلل الكحلاوي من جدوى تحرك السبسي من أجل “اللعب على التناقضات الإقليمية، فالأطراف التي يمكن أن تكون معنية بوضع تونس مهتمة بأوضاعها الداخلية، مثل الجزائر”.
واستطرد: “وبالنسبة للقوى الإقليمية الأخرى فالطرف القريب من النهضة، مثل قطر، ليس في وضع سيء مقارنة بالسابق”.
وزاد بأن الإمارات والسعودية، وهما الخصم المقابل لـ”النهضة” والذي يمكن أن ينسق معه السبسي إقليميا، “لا يبدو أنهما في وضع قوة في الفترة الأخيرة”.
وخلص إلى أن “الوضع الإقليمي ليس مناسبا ليتحرك السبسي بشكل ناجح خارجيا ضد النهضة”.
وقال إن “مجلس الأمن القومي وضع القضية في جدول الأعمال في أحد الاجتماعات دون أي استتباعات، فالوزراء الموالون للشاهد لم يكونوا متحمسين جدا لمحاولة السبسي استعمال المجلس في الصراع مع الشاهد والنهضة”.
وحول احتمالات تراجع السبسي عن تأييد الاتهامات الموجهة إلى “النهضة”، قال إن “هذا متوقع، فالسبسي براغماتي، ويستخدم الملفات حسب مصلحته”.
وضرب مثلا بأن “السبسي وعد بكشف الحقيقة في الاغتيالات السياسية خلال حملته الانتخابية، عام 2014، وفيما بعد لم يعر الموضوع أي اهتمام، باستثناء استقبال المحامين أو ممثلين عن عائلات الشهيدين بلعيد والبراهمي”.
رهان الاتهامات
“النهضة” في أحد ردودها على اتهامات الجبهة الشعبية وهيئة الدفاع عن بلعيد والبراهمي دعت إلى “عدم العمل على تسميم الأجواء من جديد خدمة لأجندات سياسية ضيقة تتعارض مع المصلحة الوطنية، أملا في إرباك المسار الديمقراطي، وتعطيل مسار الاستحقاق الانتخابي”.
وقال الحاجي إن “المعطى الانتخابي حاضر في هذه الاتهامات (الموجهة إلى النهضة)، وهذا لا يمكن إنكاره، خاصة وأن العد التنازلي للانتخابات قد انطلق”.
وأضاف أن “مثل هذه الحملات وقع اعتمادها في الانتخابات التشريعية السابقة (أكتوبر 2014)، وفي الانتخابات البلدية (مايو الماضي)، ولم تحقق المطلوب، فحافظت النهضة على حضورها”.
وحلت “النهضة” في المرتبة الثانية خلف “نداء تونس” في الانتخابات التشريعية، عام 2014، بينما تقدمت على “نداء تونس”، في أول انتخابات بلدية منذ الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي (1987: 2011).
وزاد الحاجي بأن “نتائج استطلاعات الرأي الحالية تمنح النهضة موقعا في الانتخابات القادمة، فالانتخابات لا يمكن كسبها إلا بأحزاب قوية وبرامج قادرة على نيل رضا الرأي العام”.
ووفقا لنتائج أحدث استطلاع، نشرتها مؤسسة “سيغما كونساي” الأحد الماضي، تصدرت “النهضة” نوايا التصويت بـ33.3 في المئة، تلتها “نداء تونس” بـ15.5 في المئة، ثم التيار الديمقراطي (يساري اجتماعي– 3 نواب) بـ10 في المئة، والجبهة الشعبية 8.9 %، ثم الحزب الدستوري الحر بـ6.5 في المئة.
وبحسب الكحلاوي فإنه “من البديهي أن أحد أسباب الاتهامات هو قرب الاستحقاق الانتخابي وطبيعة الاتهامات التي تؤكد على علاقة النهضة بالإرهاب وبالاغتيالات السياسية، وهي المضامين نفسها التي تمّ التأكيد عليها في 2014، وطبيعي أن نجد التوجهات ذاتها في الانتخابات القادمة”.
وختم بالتشديد على أن “النهضة في وضع أفضل من 2014 على مستوى موازين القوى”.