تسلَّق إلى قمة إيفرست مُتوقِّعاً العثور على مكبِّ نفايات.. لكن ما وجده كان مدهشاً!
وقف على ارتفاع 8.848 متراً فوق سطح البحر، على قمة العالم، إيفرست، حيث لطالما كان هذا حلم الطفولة للإعلامي والرحالة البريطاني بِن فوغل، الذي سافر عبر القطب الجنوبي والصحراء الكبرى وكَتَبَ 7 كُتب عن مغامراته خلال السفر.
يروي لصحيفة The Guardian البريطانية، كيف كان يقف حرفياً ومجازياً على قمة العالم منذ ما يزيد على أسبوعين مضيا.
“غمرتني أمواجٌ من البوادر الطيبة والدعم، ولكن كان هناك شيء واحد يتضح أكثر فأكثر. في ذهن الكثير من الأشخاص، فَقَدَ إيفرست مكانته الرفيعة، وصار اسمه مرادفاً للموت والاستغلال والتلوث”.
هل القمة مُغطاة بالقمامة؟
وأكثر سؤال أواجهه: “هل القمة مُغطاة بالقمامة؟”. تتمثل إحدى مهامي بصفتي راعي الحياة البرية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، في إعداد التقارير عن مظاهر الحياة البرية الباقية على سطح الأرض، وأنَّ أكون صوتاً لها. وأحد الأسباب التي أردت لأجلها تسلُّق جبل إيفرست، هو أن أتحقَّق بنفسي مما إذا كانت فعلاً “أعلى مكب نفايات في العالم”، كما يتردَّد غالباً.
ويتابع فوغل “أردت كذلك أن أضمن التزامي بالمعايير الأخلاقية للتسلُّق، وتقليل بصمتي البيئية في مقابل تعظيم أخلاقيات العمل مع شعب “شيربا”، وهم النيباليون الذين يساعدون في عمليات تسلُّق إيفرست. سمعت رواياتٍ عن جبل تكسوه القمامة والزجاجات المُهمَلة وفضلات الإنسان. حضرت نفسي لرؤية الأسوأ”.
تُقدِّر لجنة ساغارماثا لمكافحة التلوث أنَّ 100 ألف شخص، غالبيتهم من المُتجوِّلين، يزورون المنطقة كلّ عام في طريقهم إلى المُخيَّم الرئيسي لإيفرست، وهو واحدٌ من أشهر المسارات في العالم وأزحمها.
أضف إلى هذا العدد ألفَ شخص يصلون إلى المُخيَّم الرئيسي كل عام، للانطلاق منه إلى محاولات التسلُّق للقمة، ومن هنا ستدرك كيف اكتسب الجبل هذه السمعة، ولكن هذا ما حدث حسبما يروي فوغل: “بالكاد رأيت أية قمامة، منذ وصولي إلى المطار في مدينة لوكلا في نيبال، وحتى صعودي إلى القمة”.
ويتابع: “أخذ النيباليون على عاتقهم تنفيذ حملات تنظيف ضخمة خلال السنوات الأخيرة، ربما يكون ذلك لتحسين سمعتهم، ولكن أيضاً استجابةً لبعض الكوارث البيئية المأساوية. إذ دمَّرَ الزلزال الذي ضرب المنطقة عام 2015 المُخيَّم الرئيسي النيبالي؛ ليسفر عن خسائر رهيبة في الأرواح، وكذلك عن كارثة بيئية بعد أن تُرِكَت كل معدات المُتسلِّقين الذين أُنقِذوا من المنطقة”.
ووضعت الحكومة عدداً من الشروط، من بينها إلزام كل مُتسلِّق بالتخلُّص من 8 كيلوغرامات إضافية من القمامة (لا تشمل النفايات الخاصة به)، وكذلك حوافز لشعب شيربا بواقع دولارين اثنين لكلِّ كيلوغرام من القمامة يتخلَّصون منه. وفرضت “غرامات قمامة” على المُخيَّم الرئيسي، وسعت لمواجهة مشكلة الفضلات البشرية بتشجيع الأشخاص على أخذ أكياس معهم لاستخدامها في إزالة الغائط عن الجبل.
النتائج كانت مفاجئة..
وجاءت النتائج مُبهِرة: الطرق الريفية في بريطانيا العظمى بها قمامة أكثر من تلك الموجودة في الطريق إلى مُخيَّم قاعدة إيفرست؛ فعلى الرغم من المئة ألف شخص الذين يسلكونه، رأيت واحداً من أكثر دروب الحياة البرية التي صادفتها نظافةً وتنظيماً، يروي الكاتب البريطاني.
وواحدٌ من أكثر الأسئلة شيوعاً هو ما إذا كانت زجاجات الأكسجين تتراكم على القمة أم لا.
ويقول: “على الرغم من أنني على يقين من أنَّ تلك المسألة كانت تُمثِّل مشكلةً في الماضي، فهي بالتأكيد لم تعد كذلك اليوم. تُكلِّف كل زجاجة 500 دولار، وفي دولة يساوي فيها هذا الرقم متوسط الدخل السنوي، لا تُهدَر أية زجاجةٍ على الإطلاق”.
وقال: “رأيت أشخاصاً من الشيربا يتسلَّقون الجبل بأكمله لاستعادة زجاجة مُستخدَمة. وجدت بالفعل عدة زجاجات خلال تسلُّقي إلى قمة الجبل، ولكنها كانت مُخزَّنة من جانب المستكشفين لاستخدامها خلال التسلُّق، وقد أُزيلَت جميعها عن الجبل.
وكان مُخيَّم قاعدة الجبل خالياً أيضاً من القمامة؛ إذ فُصِلَت النفايات جميعها بعناية وحُمِلَت أسفل الجبل بواسطة حيوان الياك. وكان “مُخيَّم 2″ محلَّ تركيزٍ شديد، ولكن حتى هنا -أعلى شلال خومبو الجليدي- شاهدت فرقاً من الناس يجمعون بحذرٍ القمامة قبل الهبوط مرةً أخرى، عبر هذه البقعة الخطرة سيئة السمعة. وبعد تجاوز “مُخيَّم 2″ مباشرةً، رأيت جبلاً لا تشوبه شائبة”.
المشكلة الوحيدة هي..
اتسم المُتسلِّقون بكثير من الاحترام، حتى إنهم أزالوا غائطهم عن الجبل. ولكن تكمن المشكلة الأكبر في “مُخيَّم 4″، أو الممر الجبلي الجنوبي، وهو مكانٌ رديء تتراكم فيه خيام مَنزوعة، وأوتادها أطاحت بها رياحٌ سرعتها 100 ميل في الساعة، تهب باستمرار في أعلى منطقة تخييمٍ بالعالم.
وتتناثر على الأرض معداتُ استكشافٍ مُهمَلة، والتي تجمَّدَت في الجليد والثلج. سيكون من المستحيل تقريباً نزعها.
هذا المُخيَّم ليس مثالياً، ولكنه يُمثِّل في بعض نواحيه كبسولةً زمنية مُتجَمِّدة لعلاقة البشر بقمة إيفرست. إذ تسلَّق الآلاف منحدراتها سعياً لتحقيق أحلامهم وتطلُّعاتهم. وهي نسخة أكثر خشونة قليلاً عن الكوخين التاريخيين للقبطان البريطاني روبرت فالكون سكوت، والمستكشف أرنست شاكلتون في أنتاركتيكا، أي أنَّه تذكار -رغم قبحه- لعلاقتنا بالحياة البرية.
ونظراً لأنني قضيت وقتاً في الكثير من المواقع البرية الأشهر في العالم، يمكنني القول إنَّ نيبال عليها أنَّ تشعر بالفخر؛ فقد ضربت مثالاً لكيف يصلح الإنسان الضرر الذي تسبَّب فيه.
ويختم فوغل مقاله قائلاً: “في الوقت الذي نحوِّل فيه انتباهنا إلى المحيطات والمهمة شبه المستحيلة لصيانة بيئتنا البحرية، يمكننا التطلُّع إلى إيفرست كنموذجٍ رائع على القدرة للعودة بالزمن للوراء”.