تسريبات عن قيام الجيش البريطاني بإرسال محققين إلى سجن أبو غريب
كشفت هيئة رقابة برلمانية أنَّ وزارة الدفاع البريطانية أرسلت سراً فريقاً من المحققين إلى سجن أبو غريب سيئ السمعة بالعراق، في ذروة فضيحة تعذيب السجناء وإهانتهم.
حسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، ظلت العملية سريةً على مدى سنوات، إلى أن اكتُشِفَت وثائق تدل على ذلك خلال التحقيق في الدور البريطاني ببرنامج وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية لترحيل المحتجزين إلى الخارج، لاستجوابهم في دول أخرى وإساءة معاملتهم.
كانت لجنة الاستخبارات والأمن البريطانية (ISC) قد أصدرت تقريراً دامغاً يُظهر أن أجهزة المخابرات البريطانية شاركت في أكثر من 50 عملية لترحيل المحتجزين، وأنها قدمت أسئلة لتُطرح على المحتجزين الذين يُعتقد أنهم تعرضوا لسوء المعاملة فيما لا يقل عن 560 حادثة.
ورغم اكتشاف اللجنة عملية أبو غريب السرية، فقد رفضت وزارة الدفاع البريطاني الإفصاح عن طبيعة مهمة محققيها بالسجن، وما كتبوه في تقاريرهم، وكيف ردت الحكومة عليهم.
وفي تعليقها لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني على قائمة من الأسئلة المتعلقة بهذا المقال، أجابت وزارة الدفاع البريطانية بشكل غير دقيق، بأنَّ محققيها لم يكونوا متمركزين بالسجن في أثناء سيطرة الولايات المتحدة عليه.
وعند طلب الموقع مزيداً من التوضيح من الوزارة، مشيراً إلى أنَّ السجن كان تحت سيطرة الولايات المتحدة عدة أشهر قبل وصول فريق المحققين البريطاني، لم يتلقَّ أي ردٍّ منها.
وشملت أسئلة موقع Middle East Eye البريطاني التي ترفض وزارة الدفاع الإجابة عنها الأسئلة التالية:
- ما هو دور المحققين في أبو غريب؟
- ما هو مضمون التقارير التي قدموها لرؤسائهم حول ظروف احتجاز ومعاملة المسجونين؟
- كيف ردت وزارة الدفاع؟
- هل علم وزراء الحكومة بالأمر؟
من المرجح أن يغذي هذا الرفض مطالب من أعضاء البرلمان البريطاني بفتح تحقيقٍ قضائي، للكشف عن أبعاد المسؤولية السياسية عن التعديات التي اكتشفتها اللجنة البرلمانية على حقوق الإنسان.
وفي الأسبوع الماضي، نشر موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريراً تضمَّن أن عدداً من أعضاء البرلمان البارزين كانوا حريصين على الضغط على الحكومة لإجراء تحقيقٍ جديد في عمليات ترحيل المحتجزين هذه؛ لكنهم ينتظرون هدوء الفوضى السياسية الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكسيت).
تحذيرات الصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية
حضر 3 محققين إلى سجن أبو غريب بين شهري يناير/كانون الثاني وأبريل/نيسان من عام 2004. وفي هذا الوقت احتوى السجن على 6000 سجين. وهذه الفترة كانت بعد ظهور أولى العلامات على وجود انتهاكات ضد حقوق الإنسان.
فقبل 7 أشهر، حذرت منظمة العفو الدولية علناً من أن المسجونين قد تعرضوا لإطلاق النار من قِبل القوات الأمريكية في أثناء احتجاجهم على اعتقالهم إلى أجل غير مسمى في سجن أبو غريب. وقبلها بـ3 أشهر، شهدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر سوء معاملة النزلاء في أثناء زيارة للسجن.
لم يبدُ أن هناك أي محاولة لإخفاء الانتهاكات عن أعين مفتشي الصليب الأحمر خلال زيارتهم. فبحسب تقرير المنظمة، الذي سُرب لاحقاً: «خلال الزيارة، شهد مندوبو اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشكل مباشر، ووثقوا مجموعة متنوعة من الأساليب المستخدمة لإجبار الأشخاص المحرومين من حريتهم على التعاون مع مَن يحققون معهم».
من بين هذه الوسائل إبقاء المسجونين عرايا في الظلام في زنزانات فارغة أياماً عديدة، وإجبار الرجال على ارتداء ملابس داخلية نسائية، وتقييد معاصم النزلاء بإحكام شديد، والتهديد والإهانات، والحرمان من النوم باستخدام الموسيقى الصاخبة والضوء الباهر.
وقال التقرير: «بعض المحرومين من حريتهم ظهرت عليهم علامات تعذيب جسدية، وأعراض نفسية».
وقد قُدم هذا التقرير إلى الحكومة البريطانية في فبراير/شباط 2004، بعد وقتٍ قليل من وصول محققي وزارة الدفاع إلى سجن أبو غريب، وقبل سحبهم بـ3 أشهر.
في الشهر التالي، حُكم على 16 جندياً أمريكياً بسبب دورهم بالانتهاكات. وفي أبريل 2004، ظهرت الصور التي أظهرت الإساءة إلى السجناء، أول مرة على قناة CBS التلفزيونية الأمريكية.
ويبدو أنَّه عند هذه النقطة سُحب المحققون البريطانيون.
«استغلال المحتجزين لأغراض استخباراتية»
توصلت لجنة الاستخبارات والأمن البريطانية إلى أنَّ أبو غريب كان واحداً من بين عددٍ من السجون التي عمل فيها المحققون البريطانيون وموظفون مدنيون تابعون لوزارة الدفاع، بعد أحداث 11 سبتمبر واجتياح العراق عام 2003.
ووجدت اللجنة أنَّ وزارة الدفاع البريطانية أرسلت 28 شخصاً إلى سجن قاعدة باغرام الجوية شمال كابول، بين ديسمبر 2001 ويوليو من عام 2002.
في هذه الفترة كان من المعروف أنَّ كثيراً من النزلاء قد تعرضوا للتعذيب، حيث وجدت اللجنة أدلة على أن ما لا يقل عن 11 فرداً من هذا الفريق البريطاني «تورطوا في استغلال المعتقلين الأمريكيين لأغراض استخباراتية».
وبداية من مارس 2003 وحتى أواخر 2004، تمركز 3 أشخاص من وزارة الدفاع البريطانية في سجن تحت إدارة الولايات المتحدة في قاعدة بلد الجوية شمال بغداد.
وتبين للجنة أنهم انسحبوا، بسبب «عدم كفاية المرافق للمحتجزين».
لكن ضابطاً زائراً من القوات الخاصة البريطانية صرح للصحفيين بأنهم اشتكوا من احتجاز مساجين قاعدة بلد في بيوتٍ للكلاب.
وفي حين اكتشفت اللجنة البرلمانية أن المملكة المتحدة كانت متورطة بعمق في انتهاكات حقوق الإنسان بالعراق وأفغانستان، يعتقد أعضاؤها أن الوكالات الاستخباراتية البريطانية حريصة الآن على تجنب الوقوع في مثل هذه الجرائم بالمستقبل.
لكن، في السر، أبدى عدد من أعضاء اللجنة قلقهم من أن محققي الجيش البريطاني يبدون غير مهتمين إزاء تورطهم في الإساءة إلى المعتقلين.
عام 2017، توصلت لجنة الدفاع بالبرلمان البريطاني، في تقرير لها، إلى أن محققي الجيش البريطاني انتهكوا حقوق مسجونيهم في العراق كنتيجة للتدريب الذي تلقوه؛ وهو ما «قد يعرضهم، من غير قصد، لاحتمالية انتهاك اتفاقيات جنيف خلال عملهم».
رغم أن لجنة الدفاع وصفت هذا بأنه «فشل من الطراز الأول»، فإن تقريرها ركز على تحقيق جنائي غير دقيق في الانتهاكات، بدلاً من التركيز على نظام التدريب الذي أدى إلى ارتكابها.