تستهدف القواعد الأمريكية بالعراق.. جماعات مسلحة أنشأتها إيران بعيداً عن الحشد، فهل يسيطر عليها الكاظمي؟
شهد العراق، فى الآونة الأخيرة ظهور جماعات شيعية مسلحة جديدة، منها من تبنت عدداً من الهجمات على القواعد الأمريكية بالعراق، ومنها من لم تعلن نشاطها حتى الآن، لكن جميعها تشترك في هدف واحد، هو تهديد القوات الأمريكية، وطردها من العراق.
أحدث تلك الجماعات التي يبلغ عددها المعلن إلى الآن خمس فصائل مسلحة جديدة، غير تابعة لهيئة الحشد الشعبي العراقي، هي مجموعة لواء ثأر المهندس، والتي أعلنت في بيان لها أنها استهدفت بنجاح قاعدة أمريكية بالقرب من بغداد الشهر السابق، وطائرة هليكوبتر أمريكية.
بجانب جماعة ثأر المهندس، هناك جماعة مسلحة أخرى يبدو أن نشاطها في ازدياد، هي جماعة “سرايا ثورة العشرين الثانية”، نسبة للاحتجاجات العراقية الواسعة ضد الاحتلال البريطاني في عام 1920.
ويقول أحد مقاتلي “سرايا ثورة العشرين الثانية”، لـ عربي بوست: “لا قائد موحد لنا، ولا ننتمي لهيئة الحشد الشعبي هدفنا فقط هو إخراج القوات الأمريكية المحتلة من العراق”.
عصبة الثائرين
بعد أن تورطت كتائب حزب الله العراقية، والمدعومة من إيران، والتي تعتبر إحد أكبر الفصائل المسلحة تحت مظلة الحشد الشعبي، في صراع مع القوات الأمريكية بالعراق، قبل اغتيال الولايات المتحدة لقائد قوة القدس الإيرانية، الجنرال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس المتحكم في هيئة الحشد الشعبي، في غارة جوية بطائرة بدون طيار، أوائل العام الحالي.
ظهرت جماعة “عصبة الثائرين”، لتعلن مسئوليتها عن الهجمات الصاروخية على معسكر التاجي في شمال بغداد، مما أسفر عن مقتل جنديين أمريكيين، وآخر بريطاني.
وربط البعض بين عصبة الثائرين وكتائب حزب الله، ووصفوا المجموعة الجديدة بأنها امتداد للكتائب، التي رأت أهمية الاختفاء قليلاً عن ساحة الصراع مع الولايات المتحدة.
من جهته نفى أحد قادة كتائب حزب الله العراقية لـ عربي بوست هذا الأمر موضحاً، أن عصبة الثائرين، مجموعة مستقلة تماماً عن الكتائب، وقال: “إذا أراد المقاتلون في المجموعة الجديدة المشورة، فلن نبخل عليهم”.
بعد هجمات شهر مارس، عادت عصبة الثائرين في شهر أبريل، التي على ما يبدو أنها أكبر المجموعات المسلحة الشيعية الجديدة، إلى الظهور مرة أخرى، بنشر مقاطع مصورة لأفرادها في عمليات استطلاع بجوار قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار، بجوار السفارة الأمريكية في بغداد.
كان الهدف من كل تلك المقاطع المصورة التي نشرتها المجموعة المسلحة، هو إثارة خوف ورعب القوات الأمريكية، والتهديد المباشر لهم، بأنه يسهل استهدافهم.
تهديد الهيئات الدبلوماسية
أيضاً في الأسابيع القليلة الماضية، أعلنت مجموعة مسلحة جديدة عن نفسها، وتسمى “اصحاب الكهف”، وكانت قد هددت بالانتقام لمقتل سليماني والمهندس، تزامناً مع إعلان جماعة أخرى، أطلقت على نفسها اسم “قبضة المهدي”، والتي هددت باستهداف أعضاء البعثة الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية إذا لم يغادروا العراق.
فاصبح الأمر واضحاً، أن الجماعات المسلحة الجديدة، هدفها القوات الأمريكية فقط، بعيداً عن الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
إيران والجماعات الجديدة
للوهلة الأولى، وبالرغم من نفي العديد من أفراد تلك الجماعات ارتباطهم بأي من الفصائل المسلحة العراقية المعروفة والمدعومة من إيران، داخل هيئة الحشد الشعبي، يبدو أن تلك الجماعات الجديدة تنفذ أجندة إيران بالانتقام بعيد المدى، لمقتل سليماني والمهندس.
فبعد الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة عين الأسد العراقية، والتي تستضيف قوات أمريكية، كانتقام لمقتل سليماني، صرح المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، آية الله علي خامنئي، بأن الهجوم ليس هو الانتقام الشديد لاغتيال سليماني، وإنما الانتقام الحقيقي سيكون بطرد القوات الأمريكية من المنطقة.
ويقول أحد مقاتلي جماعة عصبة الثائرين، لـ عربي بوست، نتبع أوامر الولي الفقيه في إخراج القوات الأمريكية من العراق، في إشارة إلى آية الله علي خامنئي.
يرى محلل أمني إيراني، الذي فضل عدم الكشف عن هويته، أن الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد مقتل سليماني والمهندس، تسعى إلى اتباع استراتيجية جديدة، لتحقيق الهدف الرئيسي لها بطرد القوات الأمريكية من العراق.
فيقول لـ”عربي بوست”، “بعد الخلافات والمشاكل العديدة داخل الحشد الشعبي العراقي، فضل آية الله خامنئي، تأسيس جماعات مسلحة عراقية جديدة، تركز على هدف واحد، بعيداً عن الصراعات الحالية للفصائل القديمة”.
صراعات الحشد الشعبي
كان أبو مهدي المهندس، بمساعدة وتوجيه قاسم سليماني، هو المتحكم الأول في هيئة الحشد الشعبي، التي تأسست بعد فتوى دينية أصدرها الزعيم الشيعي العراقي، آية الله السيستاني، في عام 2014، داعياً من يستطيع حمل السلاح من العراقيين إلى التطوع للقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على ثلث الأراضي العراقية، مهددة بدخول العاصمة العراقية بغداد.
لكن في ذلك الوقت أسيء فهم فتوى السيستاني، والتي كان المقصد من ورائها التطوع ضمن الجيش العراقي الرسمي، لكن قد فات الأوان لتصحيح فتوى السيستاني، وتأسست هيئة الحشد الشعبي، التي ضمت ثلاثة تيارات مختلفة.
تيار الفصائل الموالية لإيران، وتعتبر من أكبر وأقوى الفصائل المسلحة داخل الحشد الشعبي، وتدين بالولاء لآية الله علي خامنئي، وساعدت الجمهورية الإسلامية في القتال مع صفوف بشار الأسد في سوريا.
التيار الثاني، وهو مجموعة الفصائل الموالية لآية الله السيستاني، والتي تأسست بالأساس للدفاع عن الأضرحة والمزارات الشيعية المقدسة، أعلنت عدم تدخلها في السياسية العراقية، على عكس الفصائل الموالية لإيران، وأيضاً منعها السيستاني من الاجتماع بأي قائد عسكري أجنبي، بالإشارة إلى قاسم سليماني، أو الذهاب للقتال خارج العراق.
التيار الثالث، هو الفصائل الموالية لـمقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي السياسي العراقي البارز.
بعد مقتل سليماني والمهندس، أصابت هيئة الحشد الشعبي، الكثير من المشكلات، التي كانت بدايتها، “من سيخلف المهندس”، بينما أعلنت الفصائل الموالية للسيستاني تمردها على سيطرة الفصائل المدعومة من إيران على هيئة الحشد الشعبي، وأمواله.
بعد عدة اجتماعات بين بيروت مع السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني، واجتماعات في طهران، والعراق، لحل الخلافات بين الفصائل الموالية للسيستاني والأخرى المدعومة من إيران، انتهت جميعها بالفشل، لرغبة القادة الموالين للسيستاني في السيطرة على الحشد، مقابل تقويض سلطة القادة الموالين لإيران.
جاءت اللحظة الحاسمة، لإعلان أربعة فصائل من الموالية للسيستاني، انفصالها عن هيئة الحشد الشعبي، واستعدادها للاندماج داخل القوات المسلحة العراقية، مما هدد باقي فصائل الحشد وخاصة الموالية لإيران، بسحب الشرعية الدينية من المؤسسة بأكملها.
مستقبل النفوذ الإيراني
شهد النفوذ الإيراني في العراق، في الأشهر الأخيرة تراجعاً ملحوظاً، فبعد حوالي ستة أشهر على اغتيال قاسم سليماني، لم تجد الجمهورية الإسلامية البديل له، ولم يستطع خليفته الجنرال إسماعيل قاآني ملء الفراغ الذي تركه سلفه.
كانت موافقة طهران على تعيين مصطفى الكاظمي، رئيساً للوزراء علامة واضحة على تراجع نفوذها، إلى جانب أن تلك الموافقة قوبلت بانتقاد شديد من قادة الفصائل المسلحة الموالية لإيران.
فعندما طرح الرئيس العراقي، برهم صالح اسم الكاظمي لتعيينه في منصب رئيس الوزراء اتهمته كتائب حزب الله العراقية المدعومة من إيران بتورطه في اغتيال المهندس وسليماني، حيث كان يرأس جهاز المخابرات العراقية منذ عام 2016، ويتمتع بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة.
يقول أستاذ العلوم السياسية، المقيم بطهران، عباس أمير آبادي، لـ”عربي بوست”، “مقتل سليماني كان ضربة موجعة لإيران، لكن لا أرى أن الموافقة على تعيين الكاظمي تراجع في النفوذ الإيراني في العراق، هو فقط مجرد تراجع مؤقت، للتخطيط للخطوة المقبلة”.
وعلى ما يبدو أن إيران، اختارت الابتعاد عن السياسة الداخلية العراقية، والتركيز على البعد الأمني، بتأسيس جماعات مسلحة جديدة، لتنفيذ هدفها بطرد القوات الأمريكية من العراق.
محاولات الكاظمي
في محاولة من الكاظمي، لبناء علاقة طيبة مع الحشد الشعبي، بعد اعتراض بعض الفصائل على تعيينه، زار رئيس الوزراء الجديد، الشهر الماضي المقر الرئيسي لهيئة الحشد الشعبي، وخلال اجتماعه مع قادة الفصائل المختلفة، أكد مراراً وتكراراً، على أن الحشد الشعبي، مؤسسة عراقية، ولاؤها الأول والأخير للعراق.
كما أشار الكاظمي إلى ضرورة تنفيذ القانون، ودمج الحشد الشعبي داخل القوات المسلحة العراقية، لضمان حقوقهم كما قال.
في نفس الوقت، حاول الكاظمي، تلبية بعض من مطالب المتظاهرين العراقيين، الذين اتهموا بعض الفصائل الموالية لإيران بقتل المحتجين في أثناء التظاهرات واسعة النطاق والتي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
أمر الكاظمي قوات الأمن العراقية بإغلاق مقر فصيل ثار الله في محافظة البصرة، واعتقال قادته لإطلاق النار على متظاهري احتجاجات أكتوبر 2019.
كما اعتقلت قوات الأمن، ميثم العكيلي، وهو عضو بارز في سرايا الخراساني المقربة من إيران، والمتهم بخطف وقتل النشطاء السياسيين العراقيين.
لكن على ما يبدو أن زيارة الكاظمي لمقر الحشد الشعبي، لم تلق استحساناً كبيراً لدى القادة المدعومين من إيران، ففي 19 مايو/أيار أصاب صاروخ كاتيوشا المنطقة الخضراء، ليسقط بجوار السفارة البريطانية، في رسالة واضحة من الفصائل الموالية لإيران، مفاداها “مازلنا لا نريد التعاون معك”.
ظلت الهجمات الصاروخية من وقت لآخر، لكن بدون إعلان المسؤولية من جانب أي من الفصائل الموالية لإيران داخل هيئة الحشد الشعبي، مما يفسر أن تلك الهجمات تعود إلى الجماعات المسلحة الجديدة السابق ذكرها.
وقبل يوم واحد من بدء أولى جلسات الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، تم إطلاق صاروخ كاتيوشا على المنطقة الخضراء ليلة 10 يونيو/حزيران، دون وقوع إصابات.
عقبة في طريق الحوار
لم يكن الهجوم ليلة 10 يونيو/حزيران هو فقط الإعلان الرسمي للفصائل المسلحة أنها لا تدعم الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، دون التأكيد على خروج القوات الأمريكية من البلاد.
فقد حذرت الفصائل الموالية لإيران، حكومة الكاظمي، من ضرورة أن يكون الهدف الرئيسي من هذا الحوار، هو إخراج القوات الأمريكية، بالإشارة إلى المفاوضات الأمريكية العراقية عام 2008، والتي انتهت بانسحاب القوات الأمريكية من العراق بحلول عام 2011.
مازالت الهجمات الصاروخية التي تستهدف القوات الأمريكية مستمرة، في 13 يونيو/حزيران استهدفت عدة صواريخ قاعدة التاجي شمالي بغداد، دون وقوع إصابات، ويعتقد على نطاق واسع أن الجماعات المسلحة الجديدة المرتبطة بإيران، هي من تقف وراء تلك الهجمات.
يواجه الكاظمي الآن أهم عقبة في طريق، إرساء الاستقرار في العراق، وهي إخضاع كافة الفصائل المسلحة الشيعية لسلطة الدولة.
في عام 2016، و2018 كان قد أصدر رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، مرسوماً حكومياً، يلزم فصائل الحشد الشعبي، بالاندماج داخل القوات الأمنية العراقية الرسمية، وأن تخضع لسلطة رئيس الوزراء، ومنعها من ممارسة الأنشطة السياسية والاقتصادية، مثلما يسري القانون على القوات المسلحة للدولة.
حينها أعلنت الفصائل الموالية السيستاني ومقتدى الصدر، الموافقة على هذا المرسوم الحكومي، بينما رفضت الفصائل الموالية لإيران هذا الأمر رفضاً قاطعاً.
يحاول الكاظمي الآن، جاهداً، تنفيذ مرسوم العبادي، وتحويل تلك الفصائل شبه العسكرية، إلى جماعات عسكرية رسمية تخضع للقانون العراقي، لكن لن تكون الأمور بهذه السهولة. خاصة بعد ظهور عدد من الجماعات المسلحة الجديدة، فإذا افترضنا نجاح الكاظمي في تلك العملية الشاقة، وإخضاع كافة فصائل الحشد الشعبي لسلطة القانون، فإنه لن يستطيع التعامل مع الجماعات المسلحة الجديدة.