ترامب يواصل سياسة قطع التمويل لـ«معاقبة» الفلسطينيين وينهي آخر مصادر المساعدات المالية للمدنيين
علَّقت الولايات المتحدة وصول ملايين الدولارات لتمويل البرامج الخاصة ببناء العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين كجزءٍ من سياستها لإنهاء كل المساعدات المقدمة للمدنيين الفلسطينيين ، وفقاً لما قاله مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون مطَّلعون على التغير الحالي.
ةبحسب صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية ، إن خطوة حرمان الفلسطينيين -ومن بينهم أطفالٌ في كثيرٍ من الحالات- من الانتفاع من التمويل تغلق تماماً القناة الأخيرة المتبقية من المعونات الأميركية للفلسطينيين .
تمويل لتنظيم التبادل بين الفلسطينيين والإسرائيليين
كان الكونجرس قد اعتمد هذه الأموال في الميزانية في مخصصات السنة المالية 2017 التي تنتهي هذا الشهر. وفي الماضي، كان يذهب معظم هذا التمويل إلى برامج تُنَظِم تبادلاً بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وعادةً يكونون من الشباب. وكان يذهب بعضه إلى برامج لصالح اليهود الإسرائيليين والعرب.
وكان يأمل الداعمون أن يبقى هذا المبلغ المالي الأخير الذي يصل إلى 10 ملايين دولار متاحاً لتمويل مشاريع مع الفلسطينيين، حتى في ظل قطع إدارة ترمب لكل المساعدات الأخرى.
لكن في الأسبوع الماضي، أخبر مسؤولون من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مساعدي أعضاء الكونغرس أنَّ البرامج التي ينتفع بها الفلسطينيون إلى جانب الإسرائيليين لن تستقبل أي أموال جديدة، بحسب تيم ريسر، مساعد السياسة الخارجية للسيناتور باتريك ليهي النائب عن ولاية فيرمونت. ويُذكَر أنَّ ليهي هو من أسس البرنامج الأشمل الذي تديره الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
والوكالة كانت مضطرة للتوافق مع البيت الأبيض
قال ريسر إنَّ مسؤولي الوكالة لم يريدوا قطع المعونات الأميركية للفلسطينيين لكنَّهم اضطروا للتوافق مع البيت الأبيض، الذي لا يريد إرسال أي تمويل أميركي للفلسطينيين.
ونتيجةً لهذا، ستحصل البرامج التي ينتفع بها اليهود الإسرائيليون والعرب الإسرائيليون فقط على التمويل، على عكس المعتاد من هذا التمويل وبخلاف أغراض وأهداف الكونجرس.
وقال ريسر: «في الأساس، واجهت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية خيارين، إما إنهاء البرنامج وخسارة الأموال، أو الإبقاء على شيءٍ ما. وقررت دعم البرامج التي تتضمن يهوداً إسرائيليين وإسرائيليين عرباً».
وأضاف ريسر أنَّ البرامج الحالية التي حصلت على منح مقسَّمة على سنواتٍ عدَّة سوف تحصل على أموالها بالكامل.
وقالت الوكالةٍ في تصريح لها يوم الجمعة 14 سبتمبر إنَّها «حالياً غير قادرة على مشاركة الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة، نتيجةً لقرارات الإدارة الأميركية الأخيرة بخصوص المساعدات الفلسطينية». وأضافت الوكالة أنَّها «مستمرة في دعم أعمال المجتمع المدني في هذه القضايا داخل حدود إسرائيل».
واستجابة لضغط كوشنر قطع المعونات الأمريكية للفلسطينيين
هذا الضغط الواسع في اتجاه قطع كل المعونات الأميركية للفلسطينيين يقوده جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترمب وكبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط. كان كوشنر يعمل على مقترح سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويسعى لتطبيق أقصى قدرٍ من الضغط على الفلسطينيين أثناء التفاوُض.
وانتقد أيضاً السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس لرفض التفاوض، بعدما أعلن ترمب في ديسمبر/كانون الأول الماضي أنَّ الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمةً لإسرائيل.
وقال كوشنر لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية «لا أحد يستحق المساعدات الأميركية الخارجية».
مع العلم أن البداية كانت بقطع التمويل عن «الأونروا»
وفي أواخر شهر أغسطس/آب، أعلنت إدارة ترمب أنَّها ستعيد توجيه 200 مليون دولار خُصِّصَت العام الماضي من أجل المعونة الثنائية للفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة. وبعد ذلك بوقتٍ قليل، أعلن المسؤولون الأميركيون قطع التمويل عن وكالة مساعدات تابعة للأمم المتحدة تقدم معوناتٍ للفلسطينيين، وإعادة توجيه 25 مليون دولار كانت مُخصَّصة لبناء مستشفيات في القدس الشرقية ذات الأغلبية الفلسطينية.
حتى وقت هذه التحركات، كانت الولايات المتحدة واحدةً من أكبر المانحين الدوليين للمساعدات الفلسطينية.
وقبل الأسبوع الماضي، قال الداعمون لمساعدات الفلسطينيين إنَّهم يأملون أنَّ المسؤولين الأميركيين لن يحرموا الفلسطينيين من الحصول على تمويلٍ قدره عشرة ملايين دولار من برنامج الوكالة لإدارة الصراع والتخفيف من آثاره. يستقبل البرنامج إجمالي 26 مليون دولار سنوياً من الكونغرس، وأسسه السيناتور ليهي عام 2014. (وتُنفَق الملايين المتبقية في مناطق أخرى من العالم).
وهو الأمر الذي يعتبره البعض فشل البيت الأبيض في الدبلوماسية
وقال ريسر إنَّ هذا التغيير يعني أنَّ أعضاء الكونغرس سيعودون للنظر في فكرة تخصيص 10 ملايين دولار معظمها من أجل برامج التبادل الإسرائيلي الفلسطيني.
وقال: «يعتبر السيناتور ليهي قرار قطع المعونات الأميركية للفلسطينيين عن الضفة الغربية وغزة دلالةً على فشل البيت الأبيض في الدبلوماسية. هذه ليست نظرة حزبية. إنَّما هي نظرة من أدرك أنَّك لا تدعم السلام بقطع برامج كانت مصممة من أجل تعزيز التسامح والتفاهم ومعالجة المشاكل المشتركة».
ويقول جويل برونولد، المدير التنفيذي للتحالف من أجل السلام بالشرق الأوسط، وهو ائتلاف من منظماتٍ أهلية تسعى للحصول على الدعم الأميركي من أجل أنشطة السلام والمصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إنَّ الأموال التي تدفعها الولايات المتحدة تشكِّل الربع تقريباً من التمويل السنوي العالمي لصالح مثل هذه الأنشطة. وأضاف أنَّ قيمة المنح بلغت ما يساوي 1.2 مليون دولار على مر ثلاث سنوات، وأنَّها حتى الآن الأكبر من نوعها.
ومن شأن ذلك أن يضر بمصداقية هذا البرنامج
وقال برونولد إنَّ قطع البرامج التي تفيد الفلسطينيين «سيضر بشدة بمصداقية البرنامج. إذا لم يغيروا من نهجهم، لا أتخيل موقفاً يدعم فيه الكونغرس نهجاً كهذا». وشدَّد برونولد على أنَّ أي مجموعة تلقت منحاً هذا العام من أجل البرامج الإسرائيلية ما زالت تقوم بعملٍ يستحق الاهتمام والجهد.
وأضاف أنَّ هذا التغيير سيترتب عليه عدم حصول الجماعات الفلسطينية الأهلية على أي تمويل، مضيفاً أنَّ بعض هذه الجماعات حصلت على منحٍ من قبل.
وقالت وكالة المعونة الأميركية قبل ذلك إنَّ أهداف التمويل هي «دعم الإسرائيليين والفلسطينيين للعمل على القضايا ذات الاهتمام المشترك». وفي العام الماضي،سعت طلبات التمويل إلى دعم «مشاريع عابرة للحدود تجمع الإسرائيليين والفلسطينيين معاً، والأنشطة التي تجمع الإسرائيليين والفلسطنيين والأردنيين محبَّذة للغاية».
وقدمت بعثة المعونة والسفارة 126 منحةً منذ 2004.
لكن ما الذي يقوم به هذا البرنامج؟
تتنوع أنشطة البرنامج كثيراً، مثل جمع مزارعي اللوز الفلسطينيين والإسرائيليين معاً، وتنظيم مبارايات كرة قدم للفتيات الفلسطينيات والإسرائيليات.
ووفقاً لإحدى صحف وقائع وكالة المعونة، فازت مجموعة Kids4Peace (أطفال من أجل السلام) بمنحة قدرها 800 ألف دولار من أجل مشروع «يربط أكثر من ألف شاب ووالد من القدس الشرقية والغربية ومجتمعات الضفة الغربية المجاورة في برامج عابرة للحدود». تتضمن هذه البرامج ورش عمل وزيارات منزلية ومشاريع خدمة مجتمعية واحتفالاتٍ بعطلات دينية.
ويقول الأب جوش توماس، المدير التنفيذي للمجموعة: «نحن قلقون من أن تؤذي هذه التغيُّرات في تقديم المعونة الأشخاص، الذين هم العنصر الأهم في أي اتفاقية سلام، عن طريق تعريض مشروعات المنظمات التي تشبه منظمتنا للخطر». وأضاف أنَّ المجموعة تلبي «احتياجاتٍ ضخمة لدى العائلات الفلسطينية والإسرائيلية».
من المقرر أن تنفذ منحة المشروع في عام 2019، وفي ظل القرار الحالي ستحتاج المجموعة إلى فصل الفلسطينيين من الأنشطة، لتكون مؤهلةً للحصول على أي منح مستقبلية.
تصرف «متهور» ويخلو من التعاطف
وقال ديفيد هاردن، وهو مسؤول سابق بوكالة المعونة الأميركية أدار مشاريع في الضفة الغربية وقطاع غزة لمدة 11 عاماً، واطَّلع على القرار الأخير: «خلاصة القول هي إن كنت فلسطينياً، فليس لديك الحق للحصول على أيٍ من هذا». ووصف القرار بالانتقامي. وأضاف: «ما إن توقف دعم المستشفيات في القدس الشرقية، وتمنع الفتيات من لعب كرة القدم معاً، حتى ينتهي الأمل».
وأضاف: «يجب أن تكون أنشطة المصالحة خارج الحسابات السياسية». وأشاد بفاعلية هذه البرامج للغاية.
وقال نيكولاس بيرنز، الأستاذ الجامعي بكلية كينيدي في جامعة هارفارد والدبلوماسي الأميركي الكبير السابق الذي عمل على قضايا فلسطينية: «قطع كل المعونات الأميركية للفلسطينيين ، الاقتصادية والإنسانية عن الشعب الفلسطيني هو تصرف متهور ويخلو من التعاطف، ولا يليق بأمة عظيمة كأمتنا».
وأضاف: «حاول الرؤساء الجمهوريون والديمقراطيون منذ عقود تقديم الولايات المتحدة في صورة الوسيط الأمين بين إسرائيل وفلسطين. تخلَّى الرئيس ترمب عن هذا الدور، وبدَّد نفوذنا ومصداقيتنا لدى العالم العربي في هذه القضية الحساسة. هذا سوء تصرف دبلوماسي من الدرجة الأولى».