ترامب يكرر خطة هزيمة هيلاري دون تغيير، فهل يفعلها ويفوز مرة أخرى؟
تجمعات انتخابية مكثفة في الولايات الحاسمة وبنفس ترتيبها تقريباً كما في الانتخابات الماضية، وفضيحة للمنافس يتم تفجيرها في الوقت الحاسم وتصبح هي القصة المسيطرة في خطاباته وبين أنصاره، كانت هذه هي خطة ترامب التي فاز بها أمام هيلاري كلينتون، ويكررها بالنصّ أمام بايدن، فهل يكرر فوزه؟
سياسي من نوع مختلف
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتأكيد سياسي من نوع مختلف ولا شك أن فترته الأولى في البيت الأبيض تقدم له الآن مزايا لم تكن متوافرة له في الانتخابات الماضية، مع التسليم بأنها أيضاً تضع أمامه عراقيل لم تكن موجودة، وبحسب ما ظهر من السمات الشخصية لترامب فإنه من النوع المحافظ والتقليدي ومحبّ للروتين، وهو ما ظهر جلياً في الأيام القليلة الماضية.
بحسب المراقبين، يسعى ترامب الآن لإعادة نفس أجواء الانتخابات الماضية قبل أقل من أسبوعين على يوم الانتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، بسبب اعتقاده الراسخ بأنه لابد وأن ينفذ نفس الاستراتيجية التي اتبعها المرة الماضية وفي نفس الولايات الحاسمة، وأبرز نقاط قوته هي مخاطبة تجمعات ضخمة من مناصريه بشكل مباشر والتركيز على التقليل من شأن المنافس وتصويره على أنه جزء من “عصابة من السياسيين الفاسدين الساعين لتحقيق مكاسب شخصية”، ومصوراً نفسه على أنه “من خارج الطبقة السياسية” ويريد إعادة السلطة للشعب.
وهذا بالتحديد ما يفعله ترامب الآن؛ فهو يحيط نفسه بنفس المستشارين مثل: جاريد كوشنر وستيفين ميلر ودان سكافينو وهوب هيكس، ويتجول في البلاد ليقيم تجمعات انتخابية في الولايات التي يحتدم فيها السباق، أحياناً ثلاث ولايات في يوم واحد. ومن مقر إقامته في فندقه بلاس فيغاس، أقام ترامب تجمعات لجمع التبرعات في مقاطعة أوريغون، ثم أقام تجمعات انتخابية في أريزونا، بل إنه حضر تجمعاً في نفس الكنيسة الإنجيلية التي زارها عام 2016 في نفس الفترة، حيث تجمّع حوله القساوسة ووضعوا أيديهم على رأسه وصلوا من أجله، بحسب تقرير لشبكة CNN.
هل يعيد التاريخ نفسه؟
خطة ترامب واضحة ولفتت أنظار الجميع، لدرجة أن صحيفة Sunday Times البريطانية تناولت القصة في تقرير بعنوان: “هل سيكسب دونالد ترامب الانتخابات؟”، رصدت القلق الذي أصبح بادياً على ترامب مؤخراً، رغم الثقة الزائفة التي يصدرها طول الوقت، فقد قال ترامب لحشد في مدينة ماكون بولاية جورجيا، ليلة الجمعة، 16 أكتوبر/تشرين الأول: “هل تتخيلون لو خسرت؟ سينتابني شعور سيئ. ربما سأضطر إلى مغادرة البلاد. لا أعرف”.
وطمأن ترامب الآلاف المحتشدين في ممر مطار وسط جورجيا الإقليمي بأن جو بايدن “أسوأ مرشح في تاريخ السياسة الرئاسية”. لكن هذا جعل شبح الهزيمة مقلقاً له أكثر. “وددت لو كان مرشحاً جيداً. الضغط عليَّ أكبر حين أترشح أمام شخصٍ مثل هذا”، حيث تضع التوقعات بايدن في موقعٍ متقدم يصعب اللحاق به. يضع موقع Five Thirty Eight احتمال فوز بايدن عند 87% في هذه المرحلة. بينما نموذج مجلة الإيكونوميست أكثر ثقة عند 91%.
مزيد من الأخبار السيئة ولكن
لم تصِل ترامب أي أخبار سارة في الولايات المتنازع عليها، وحتى أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون بدأوا في شق الصف، إذ حذر بِن ساس من نبراسكا داعميه من “التسونامي الأزرق” القادم، وانتقد بشدة تعامل ترامب مع جائحة فيروس كورونا.
لكن التوقعات خابت في المرة السابقة، واستطلاعات الرأي لم تتنبأ بالنتيجة. وهذا بلدٌ ضربته الجائحة، وتتغير فيه التحالفات السياسية، ونظامه الانتخابي يئن من وطأة الضغط. قد يكون بايدن متقدماً الآن، لكن لا شيء مؤكداً، ويؤمن البعض بأن هناك بعض العلامات التي تصب في صالح ترامب. فالجمهوريون لهم الأفضلية في أعداد المصوتين المسجلين في الولايات المتأرجحة، بينما تباطأ الديمقراطيون في طرق الأبواب بسبب الجائحة. وربما يكون قد أضعف جهود الديمقراطيين في إقناع المصوتين بالإدلاء بأصواتهم حذر الحزب من نشر كوفيد-19.
فما زالت نسبة استحسان أداء ترامب في الرئاسة أعلى من نسبة المصوتين له في الاستطلاعات، ما يُشير إلى أن بعض الذين لم يقرروا الإدلاء بأصواتهم لمرشح معين بعد قد ينتهي بهم المطاف إلى انتخابه، كما حدث في المرة الماضية.
ورغم كل فورات القلق التي تعتريه، لم يستسلم ترامب بعد. إنه يفرغ كل ما في جعبته في حملة إعادة انتخابه، ولا يظهر أي آثارٍ طويلة المدى لإصابته بكوفيد-19. يوم الجمعة، 16 أكتوبر/تشرين الأول، عقد ترامب مؤتمرين انتخابيين في فلوريدا وجورجيا، ولعب الغولف في ميامي.
تكرار لفضيحة بتسريب إيميلات
ويأمل ترامب في إعادة سيناريو 2016 بـ”مفاجأة أخرى في أكتوبر/تشرين الأول”. وتماماً مثل المرة الأولى، استعمل ترامب رسائل البريد الإلكتروني، والحواسيب المحمولة والفساد المزعوم لخصمه، في 2016، كان تركيز ترامب على رسائل هيلاري كلينتون المحذوفة من أجهزة وزارة الخارجية، والحاسوب المحمول لصاحب الرسائل الجنسية أنتوني وينر، التي تحصل عليها مكتب التحقيقات الفيدرالي ضمن أحد التحقيقات. هذه المرة الحاسوب المحمول ينتمي لهانتر، ابن بايدن، ورسائل البريد الإلكتروني تكشف زعماً فساد عائلته وتربحهم من الوظائف.
مصدر هذه الرسائل مشكوك فيه نوعاً، إذ إنها خرجت من حاسوبٍ محمول تركه هانتر بايدن -في ما يُزعم- في محلٍ لتصليح الأجهزة بديلاوير في 2019. وقام مالك المحل، جون بول ماك آيزاك -على حسب المزاعم- بتمرير نسخة من القرص الصلب لمستشار ترامب رودي جولياني، الذي مررها إلى صحيفة نيويورك بوست. وفقاً لوكالة أسوشيتد برس، يحقق مكتب التحقيقات الفيدرالي في ما إذا كان التسريب مرتبطاً بحملة روسية مضللة.
وعلى كل حال، محتوى هذه الرسائل سيئ للغاية، ويُشير إلى أن هانتر بايدن استعمل منصب والده نائب الرئيس حينها في محاباة شركة الطاقة الأوكرانية Burisma، التي كان هانتر عضواً بمجلس إدارتها. وتتضمن الرسائل صوراً لهانتر في سريره مع أنبوبة زجاجية لاستنشاق المخدرات، ورسائل متوترة بين الأب والابن.
اشتعلت وسائل الإعلام المحافظة جراء هذا التسريب، لكن المنابر الإعلامية الأكثر ليبرالية تشكك فيه. واتخذت منصتا تويتر وفيسبوك خطوة غير معتادة حين فرضتا قيوداً على نشر مقالات نيويورك بوست الأسبوع الماضي، ومنع تويتر المستخدمين من نشر رابط المقال الأصلي.
ورغم التشكيك السائد في صحتها، تمنح فضيحة هانتر بايدن شيئاً لترامب ليتحدث عنه غير جائحة فيروس كورونا، التي ستدخل “موجة ثالثة” في الولايات المتحدة على إثر ارتفاع أعداد الحالات في الغرب المتوسط واقتراب عدد الوفيات من 220 ألفاً.
ويصدق أنصار ترامب الأمر تصديقاً راسخاً. أليس إدواردز، ربة منزل من أتلانتا، تقول: “إنه أمرٌ لا يصدق”، بينما تعرض صورة لهانتر بايدن في سريره يدخن الممنوعات عبر الأنبوب الزجاجي، وتضيف: “إن الإعلام لا يقول شيئاً عن الأمر ولا يتناوله”.
سأفوز.. سأفوز
تهتف الحشود في مؤتمرات ترامب الحالية: “احبسوه، احبسوه”، ويشجعهم الرئيس على تكرار ذلك الشعار القديم المفضل من 2016. لكن الهتافات هذه المرة لم تكن بالحماسة ذاتها والاقتناع ذاته. إنهم لا يكرهون بايدن بالطريقة نفسها التي يكرهون بها هيلاري كلينتون. وفي بلدٍ يعاني من الجائحة والأوجاع الاقتصادية، قد لا تكفي قصة ملتفة عن المنافع والمحسوبية في أوكرانيا لتجعل ترامب يقلب الموقف لصالحه.
وترى لي باليو، البالغة 50 عاماً من أتلانتا، أن تكرار سيناريو عام 2016 مطروح. “إن الاستطلاعات لم تكن دقيقة حينها وهي ليست دقيقة الآن. الأغلبية الصامتة ستربح مرة أخرى”، وكان ترامب قد كسب صوتها بالتزامه بمناهضة الإجهاض وتعيينه القضاة المحافظين، وربما أهمهم إيمي كوني باريت، التي انتهت جلسات الاستماع الخاصة بترشيحها الأسبوع الماضي. ومن المتوقع أن يتم تأكيد تعيينها في مجلس الشيوخ في تصويت يوم الخميس القادم. وتضيف بيليو: “لقد قام بعملٍ رائع في المحكمة العليا”، وإن خسر فإن “أساس بلادنا سيكون في خطر. لقد أسس الآباء أمريكا دولة مسيحية، وأظن أننا لن نرى ذلك أبداً مرة أخرى إن تولى بايدن الرئاسة”.
وهناك العشرات من المؤتمرات الحاشدة القادمة لترامب في الفترة المؤدية إلى الانتخابات، حيث يهيج الجماهير المحبة له بالهجوم على عائلة بايدن ويتعهد بالعودة إلى نعيم ما قبل الجائحة، وربما ستنقذه هذه المؤتمرات، لكن في أغلب أنحاء البلاد يبدو أن الأمر يزداد صعوبة، وأن تكرار نفس القائمة من المظالم والمكاره لن يقنع الناس بدرجة نفسها في خضم الأزمة.
في مؤتمر الجمعة، سمعنا أغنية Piano Man لبيلي جويل ثلاث مرات، وتبعها الهتاف المعتاد من أغنية لوشيانو بافاروتي الشهيرة: “عند الفجر، سأفوز، سأفوز، سأفوز”، وهذه الجملة سيستمر ترامب في تكرارها حتى يوم الانتخابات، وإن خسر، سيستمر على الأرجح في تكرارها رغم كل شيء.