ترامب يعترف بلصوصيّته: نريد حصتنا من النفط السوري
قدّم الرئيس دونالد ترامب عدة مسوغات لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا. فقد وصف البلاد بأنها ليست سوى «الرمال والموت»، وشكّك في مقاتليها الأكراد الذين تدعمهم الولايات المتحدة، فهم بحسب قوله «ليسوا ملائكة»، ليجادل في النهاية بأنه يحاول إنهاء تلك «الحروب التي لا تنتهي».
لكن خلال الأيام الأخيرة، استقر ترامب على احتياطيات سوريا من النفط مسوغاً جديداً لما يبدو أنه مسار معاكس لاتجاهه السابق، وقرر نشر مئات من القوات الإضافية في البلد الذي مزقته الحرب. إذ أعلن أن الولايات المتحدة «أمّنت» حقول النفط في شمال شرق البلاد الذي تسوده الفوضى، وألمح إلى أن السيطرة على المورد الطبيعي الرئيسي للبلاد تسوّغ قيام أمريكا بتمديد وجودها العسكري هناك.
«نريد حصتنا من النفط»
وأعلن الرئيس الأمريكي، أن بلاده ستأخذ حصتها من النفط السوري علانية، وذلك بعد انتهاء القوات الأمريكية من محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا، وتصفية زعيمها أبوبكر البغدادي. وقال ترامب في خطاب نقلته وسائل إعلام أمريكية، الأحد 27 أكتوبر/تشرين الأول: «لا ننوي البقاء بين تركيا وسوريا للأبد، حروبهما مستمرة منذ سنوات، ولكننا نريد تأمين النفط، ومن المحتمل أن نقاتل في حال اقترب أحد وحاول أخذه، هناك كميات مهولة من النفط، ومن المهم تأمينه».
وأضاف الرئيس الأمريكي أسباب ذلك بالقول: «أولًا لأن الدولة الإسلامية كانت تستخدمه، ثانياً لأنه مفيد للأكراد، ثالثاً لأننا سنأخذ منه أيضاً، قد نوكل شركة إكسون موبيل أو أي شركة أمريكية أخرى بالذهاب إلى حقول النفط في سوريا والتنقيب فيها»، بحسب تعبيره.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أن من أكبر المكاسب التي حققتها في الحرب على تنظيم الدولة، السيطرة على حقول النفط شرقي سوريا، التي كانت تشكل مصدر عائدات رئيسياً للتنظيم.
الأسبوع الماضي كذلك، قال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض، «لقد أمّنّا النفط»، قبل أن يذكرهم بكيف أنه دعا خلال حرب العراق إلى تولي الولايات المتحدة بيع نفطه لتحمل التكاليف الهائلة للحرب.
مضيفاً: «لقد قلت دائماً، إذا كنت ستدخل عليك أن تحتفظ بالنفط. والشيء نفسه أقوله هنا: علينا الاحتفاظ بالنفط».
ومعلقاً على الأمر مرة أخرى، أشار ترامب خلال حديثه في البيت الأبيض الجمعة إلى أن ذلك بالضبط ما فعله في سوريا، قائلاً للصحفيين: «لقد أمّنا النفط. ونحن لدينا كثير من النفط».
لصوصيّة ترامب
تقول صحيفة The New York Times الأمريكية، إن رسالة ترامب أتت صادمة لمسؤولين حكوميين سابقين ومحللي شؤون الشرق الأوسط، الذين يقولون إن السيطرة على حقول النفط السورية –والتي تعد ملكاً للحكومة السورية من الناحية القانونية- تطرح عدداً من الإشكالات العملية والقانونية والسياسية.
ويحذرون أيضاً من أن خطاب ترامب، الذي يعيد إحياء لغةٍ كثيراً ما استخدمها خلال حملته الرئاسية عام 2016 للانتقاص من خصومه على نطاق واسع، قد يؤكد أسوأ شكوك العالم في الدوافع الأمريكية في المنطقة. إذ ندد مسؤول في وزارة الدفاع الروسية يوم السبت بتصرفات ترامب، واصفاً إياها بأنها «لصوصية دولة على مستوى عالمي».
وقال بروس ريدل، وهو ضابط سابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية، عمل مستشاراً في شؤون الشرق الأوسط لعدة رؤساء أمريكيين، إن «لديه دفتراً صغيراً يسجل فيه التعهدات القديمة، وقد كان هذا أحد أكثر التعهدات تكراراً خلال الحملة: أننا سنأخذ النفط. والواقع أنه الآن في وضع يمكنه من الرجوع إلى دفتره واقتباسه: خذ بعض النفط».
قال مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) الجمعة إن الولايات المتحدة ستنشر عدة مئات من الجنود لـ «حماية حقول النفط» في شرقي سوريا، وذلك على الرغم من إعلان ترامب أكثر من مرة متباهياً، أنه سيعيد الجنود الأمريكيين إلى ديارهم من سوريا. وقال وزير الدفاع مارك إسبر إن الولايات المتحدة «ستحافظ على تواجد محدود في سوريا لمنع داعش من الوصول إلى حقول النفط والاستفادة منها»، تاركاً ما قال مسؤولون عسكريون إنه سيكون قرابة 500 جندي في البلاد، من مجموع 2000 جندي أمريكي كانوا منتشرين فيها قبل عام.
وكان ترامب قد تحدث لأول مرة عن تأييده استيلاء الولايات المتحدة على نفط دول أخرى، في أبريل/نيسان 2011، عندما انتقد قرار الرئيس باراك أوباما بسحب القوات الأمريكية من العراق. وقال ترامب حينها لصحيفة The Wall Street Journa: «كنت لآخذ النفط. لم أكن لأترك العراق وأدع إيران تأخذ النفط».
ثم عاد ليشرح في مقابلة مع شبكة ABC News بعد ذلك ببضعة أيام، قائلاً: «في الأزمنة السابقة، كما تعلم، عندما تخوض حرباً تكون الغنائم من حق المنتصر. إذ كان الأمر ببساطة: تدخل في حربٍ، تنتصر في الحرب، فتأخذ الغنائم».
ترامب يعود لسوريا لأجل النفط فقط
خلال تلك السنة، لم يؤيد ترامب استيلاء الولايات المتحدة على نفط العراق فقط، بل وأيضاً ليبيا، التي كان أوباما قد تدخل في الحرب الأهلية الجارية فيها آنذاك». وقال في تصريح لـ Fox News: «كنت لأدخل فقط لآخذ النفط. لقد أصبحنا كما لو أننا مجموعة من الأطفال. نخوض حروباً ونغادر، نحن ندخل، نخوض حروباً، ونخسر أرواحاً، ونخسر مالاً، لنغادر بعدها».
لكن بمجرد توليه منصبه، تخلى ترامب عن الفكرة إلى حد كبير حتى وقت قريب، عندما عادت إلى الظهور بعد قراره الذي انتُقد على نطاق واسع بإخراج القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا، والتي كانت تساعد الميليشيات الكردية في محاربة فلول تنظيم داعش في المنطقة. منحت هذه الخطوة تركيا الضوء الأخضر عملياً لاقتحام المنطقة ودحر هؤلاء الأكراد، الذين لطالما اعتبر الأتراك تهديداً لأمنهم.
يأتي تغيير ترامب لتفكيره بعد محادثات عدة مع السيناتور ليندسي غراهام، النائب الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، والذي يتحدث كثيراً مع الرئيس، وقد أخذ لمدة طويلة يدافع عن وجود أمريكي أكبر في سوريا، لأسباب مثل محاربة قوات داعش في المنطقة، واحتواء تأثير روسيا وإيران هناك.
كما تشاور ترامب في هذا الموضوع مع النائب السابق لرئيس أركان الجيش الأمريكي، جاك كين، الذي زار البيت الأبيض في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، وعرض للرئيس خريطة لسوريا تبين أن 70 % من حقول النفط فيها تقع في المناطق الشمالية الشرقية، التي كانت تحت السيطرة الأمريكية. وحذر السيد كين، الذي رفض التعليق عندما تحدثنا إليه، من أن حقول النفط في خطر الوقوع في أيدي وكلاء إيران في المنطقة.
عزّز غراهام حجته أيضاً بأن السيطرة الأمريكية على حقول النفط «ستحرم إيران والأسد من استفادة مالية هائلة»، على حد تعبيره، في بيان صرح به الأسبوع الماضي.
الأرباح إلى خزائن الولايات المتحدة
لكن غراهام تقدم بالجدال إلى خطوة أبعد من ذلك، مقترحاً أن أرباح النفط السوري ينبغي أن تذهب إلى خزائن الولايات المتحدة، كما ألمح ترامب سابقاً فيما يخص العراق. فقد قال غراهام: «يمكننا أيضاً استخدام بعض عائدات بيع النفط لدفع مقابل التزاماتنا العسكرية في سوريا».
قدم ترامب هذا الأسبوع فكرة مشابهة، قائلاً: «سنعمل على شيء مع الأكراد حتى يكون لديهم بعض المال، ويكون لديهم بعض التدفقات النقدية». ليضيف بعد ذلك أنه قد «تذهب إحدى شركات النفط العملاقة التابعة لنا إلى هناك، وتشرف على القيام بذلك على الوجه الصحيح».
لكن خبراء الطاقة والأمن يقولون إنه من غير المرجح أن تكون هناك أي شركات أمريكية مهتمة بالمخاطر الهائلة والأرباح المحدودة التي قد تترتب على مثل هذا الترتيب. إذ حتى في ذروته، كان إنتاج النفط السوري متواضعاً. وأي إمكانات قصيرة الأجل لتحقيق إيرادات محدودة بشدة، بسبب التحديات اللوجيستية التي تطرحها بنية تحتية دمرتها الحرب، وخطوط أنابيب تمر عبر مناطق عدوانية، علاوة على الانخفاض غير المعتاد في مستويات النفط بحد ذاته.
يختلف الحديث عن تحويل النفط السوري إلى أرباح نقدية، عن الرسالة التي يعتمدها كبار مسؤولي إدارة ترامب، بمن فيهم إسبر، الذي قال الأسبوع الماضي إن المهمة الأمريكية في سوريا لم تتغير عن هدفها الأصلي المتمثل في هزيمة الدولة الإسلامية.
لكن الرئيس كان قد تباهى مراراً وتكراراً بأن الجماعة المسلحة هُزمت بالفعل. ومع ذلك، فإنه على الرغم من أن داعش حالياً لا يسيطر على أي منطقة، ولا يمثل تهديداً كبيراً لاحتياطيات النفط، فإن الخبراء يحذرون من إمكانية عودته وتجدد خطره.
ومع ذلك، قد توفر السيطرة على النفط كجزءٍ من الحرب على داعش غطاءً لخطوات تحركها، على الأقل جزئياً، دوافع يقول المحللون إنه لا أساس شرعياً لها في قانون محلي أو دولي.
سقطت «شرعية» محاربة داعش.. لماذا لا يرحلون؟
يقول آرون شتاين، وهو خبير في الشؤون السورية والتركية في «معهد أبحاث السياسة الخارجية»، إن «إسبر حريص جداً على القول إن الأمر كله يتعلق بداعش. وذلك لأن شرعية التواجد هناك بُنيت بالأساس على محاربة داعش».
حين أرسلت إدارة أوباما قوات إلى سوريا لمحاربة تنظيم داعش قبل عدة سنوات، اعتمدت على الإذن باستخدام القوة العسكرية الذي أقره الكونغرس بعد أيام من هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001، والذي منح الحكومة سلطة واسعة لمحاربة القاعدة والتنظيمات التابعة لها. واحتجت إدارة ترامب بالإذن نفسه لتنفيذ أنشطتها في سوريا، رغم أن العديد من النقاد قالوا إنه حتى الإدارة السابقة بالغت في التذرع به لدعم معركتها ضد داعش في سوريا.
سؤال ملكية النفط السوري
ثم هناك السؤال الأساسي حول ملكية النفط. يقول بريت ماكغورك، مبعوث الرئيس ترامب السابق إلى التحالف المكون من 70 دولة لهزيمة داعش، في حلقة نقاش حول سوريا استضافتها مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات يوم الإثنين الماضي: «النفط، شئنا أم أبينا، ملك للدولة السورية».
وقال ماكغورك إن وزير خارجية ترامب الأول، ريكس تيلرسون، درس القضية وخلص إلى أنه لا توجد وسيلة عملية تمكّن الولايات المتحدة من التربح من سيطرتها على المناطق الغنية بالنفط.
وقال ماكغورك: «ربما يوجد محامون جدد الآن، لكن كان من غير القانوني أن تستولي شركة أمريكية على هذه الأصول وتستغلها».
وقال ماكغورك إن الطريقة القانونية الوحيدة لجني الأموال من حقول النفط السورية هي العمل مع روسيا ونظام بشار الأسد لوضع العائدات في حساب ضمان للمساعدة في تمويل إعادة الإعمار في سوريا بعد الحرب. لكنه قال إن روسيا لا تهتم كثيراً بهذه الفكرة، حتى قبل أن تعلن أمريكا عن تقليص دورها في البلاد هذا الشهر. ولم يبدِ ترامب أي رغبة في استخدام النفط لتمويل إعادة إعمار سوريا.
وقال شتاين إنه يعتقد أن الهدف الحقيقي لبعض المسؤولين والمستشارين في إدارة ترامب هو حماية حقول النفط لا من داعش ولكن من قوات الأسد، لحرمانه من الأموال اللازمة لإعادة بناء بلده، وبالتالي ضمان أن تظل سوريا عبئاً مالياً على حليفتها إيران.
نهب البلاد
وفي الأيام الأخيرة، اعتبرت حكومات أجنبية معادية تصريحات ترامب دليلاً على الدوافع الأمريكية اللصوصية والشريرة.
إذ قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية، اللواء إيغور كوناشينكوف، أمس السبت 26 أكتوبر/تشرين الأول: «ما تفعله واشنطن الآن، أي الاستيلاء على حقول النفط والسيطرة عليها في شرقي سوريا في ظل سيطرتها المسلحة، هو بكل بساطة نهب دولي للبلاد».
فيما كتبت وكالة أنباء فارس الإيرانية التابعة للدولة قائلة إنه رغم «زعم واشنطن بأن هذه الخطوة تتماشى مع حملتها المزعومة لمكافحة الإرهاب في سوريا، يرى المحللون أنها ليست أكثر من عذر لفرض السيطرة على عائدات النفط السورية».
وشكك ريدل في أن يستمر الرئيس في إصراره على السيطرة على حقول النفط. ففضلاً عن التحديات العسكرية والفنية والقانونية الكثيرة، هناك الرأي العام الذي يجب مراعاته.
يقول ريدل: «دعونا نفترض أنه يفعل ذلك حقاً. ودعونا نفترض أننا سنرسي سابقة الوجود في الشرق الأوسط للاستيلاء على النفط. إنها رمزية مشينة حقاً».