ترامب يستخدم المال للضغط علي الفلسطينيين لإجبارهم علي الاستسلام السياسي
يبذل الرئيس دونالد ترامب كلَّ جهده للضغط على الفلسطينيين؛ بغية إجبارهم على الاستسلام السياسي، والسلاح الذي اختاره لذلك هو المال، إذ يشرف ترامب، بتعاونٍ كامل مع الحكومة الإسرائيلية، على حملةٍ عالمية لضمان نضوب الأموال الداعمة للفلسطينيين.
ويتعرَّض لهذه التقليصات المالية كل شيء، بدءاً من المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية، إلى الرعاية الصحية والتعليم للاجئين الفلسطينيين، وتقع الحكومة الفلسطينية في القلب من هذه الهجمة.
لذا، فعندما أوردت شبكة CNN، الأحد الماضي، أنَّ إدارة ترامب سوف تستضيف «ورشة اقتصادية» في البحرين، لتشجيع استثمار رأس المال في الضفة الغربية وغزة والمنطقة، فيما يُعد الجزء الأول مما يسميه الرئيس «صفقة القرن»، بدا الأمر استمراراً لتلك الجهود.
لماذا يعد مؤتمر البحرين الخطوة الأولى في انهيار خطة ترامب؟
يُقال إنَّ الخطة تتناول 4 مكونات أساسية: البنية التحتية، والصناعة، وتمكين الناس والاستثمار فيهم، وإصلاحاتٍ في مجالات الحوكمة «لجعل المنطقة صالحة للاستثمار قدر الإمكان». وفي حين أنَّ جميع هذه الأمور تبدو جيدة من الناحية النظرية، فقد تكون هذه هي الخطوة الأولى في انهيار خطة سلام ترامب، لهذه الأسباب:
1- أمريكا فقدت نفوذها على المجتمع الفلسطيني
يقول سام بحور، مستشار أعمال فلسطيني-أمريكي، في مقالة له بموقع Lobelog، إن الجانب المشرق المفاجئ لهذا أنَّ الولايات المتحدة قد فقدت ما تبقى من نفوذها على المجتمع الفلسطيني، ذلك أنَّ عملية السلام التي تحتكرها الولايات المتحدة لمَّا دُفعت إلى الانهيار التام، فهمت الإدارات الأمريكية السابقة أنَّ إبقاء عمليات الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) في الضفة الغربية وغزة منح الولايات المتحدة بعض النفوذ المالي، بعد أن فقدت كل مصداقيتها السياسية.
والآن بعد أن أنهى ترامب مهمة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في تل أبيب، التي كانت فيما مضى تخدم الضفة الغربية، أصبح للفلسطينيين حرية التفكير دون أن تكون أغلال التمويل الأمريكي حول أعناقهم.
ولم تستسلم إدارة ترامب، إذ يبدو أنَّ البيت الأبيض سوف يلوح بمليارات الدولارات، من خلال «مؤتمر البحرين» الذي أعلن عنه حديثاً، لحمل الفلسطينيين على قبول الخطة.
2- إسرائيل مدمنة للاقتصاد الفلسطيني
صهر الرئيس وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، قال متحدثاً الأسبوع الماضي أمام معهد واشنطن، حول خطة الإدارة المقبلة للسلام في الشرق الأوسط: «أعتقد أنَّنا طورنا خطة عمل جيدة».
يقول بحور، الذي يشغل منصب رئيس مؤسسة «أمريكيون من أجل اقتصادٍ فلسطيني قابل للنمو» (AVPE): بوصفي شخصاً يكسب عيشه من صياغة خطط عمل حقيقية، فإنَّني أفهم أنَّه لو عمل شخصٌ وفقاً لافتراضات مضللة، فإن أفضل خطط العمل سوف تنهار انهياراً محققاً.
يبدو أنَّ كوشنر لا يدرك مربط الفرس بالكلية: إسرائيل مدمنة للاقتصاد الفلسطيني، ومن دون التغلب على هذا الإدمان ليست هناك فرصة لنجاح أية «خطة عمل» كبيرة. وعلاوةً على ذلك، فإنَّ «وثيقته العملياتية المفصلة» التي يصفها بأنَّها «واقعية، وقابلة للتنفيذ… وسوف تصب في مصلحة كلا الجانبين» تكاد تكون محض هلوسة، بالنظر إلى حقيقة أنَّها تتجاهل الحاجة إلى إنشاء دولة فلسطينية، يقول بحور.
3- الاقتصاد تحت ظل الاحتلال ليس شيئاً جميلاً كما يصوره كوشنر
إن تصميم إسرائيل على السيطرة الكاملة على الاقتصاد الفلسطيني لأكثر من 5 عقود قد أصبح عقبةً أساسية في جعلها تدرك أنَّ احتلالها يجب أن ينتهي. ومثل التعافي من أنواع الإدمان الأخرى، فسوف يتطلب هذا الإدمان دعماً خارجياً. وينبغي أن يكون هذا الدعم مستنداً إلى قيام دولٍ أخرى بمساءلة إسرائيل لإنقاذها من نفسها، بدلاً من بناء «خطة عمل» لمحاولة تصوير «الحياة تحت حذاء الاحتلال العسكري الإسرائيلي بوصفها شيئاً جميلاً نوعاً ما».
يردف بحور: نتكلم هنا عن الحقوق الاقتصادية، بالإضافة إلى حقوق الإنسان: أي حقوقنا في أصولنا الاقتصادية، من أرض وماء وآبار غاز طبيعي، وبحرنا الميت وشواطئنا على البحر المتوسط وحدودنا وما أشبه ذلك، والقدرة على توظيف هذه الأصول في إطار خطة تنمية اقتصادية يحددها الفلسطينيون، تكون حرةً من أجندات الإسرائيليين أو المانحين. أما إلقاء المزيد من أموال المساعدات الإنسانية والتنموية في الخزائن الفلسطينية فلن يحل الصراع.
4- التبعية الفلسطينية على اقتصاد المُحتل
منذ بداية الاحتلال العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة منذ 51 عاماً، ربطت إسرائيل بصورةٍ ممنهجة اقتصاد المنطقة باقتصادها. وقبل اتفاقية أوسلو، كان هذا الربط القسري أكثر جلاءً في تقييد إسرائيل للشركات الفلسطينية، وسيطرتها على حرية حركة العمالة الفلسطينية.
ومنذ ما يقرب من عقدٍ من الزمان قبل اتفاقية أوسلو، كانت إسرائيل تصدر تصاريح عمل لعشرات آلاف العمال الفلسطينيين، للسماح لهم بدخول إسرائيل للعثور على عمل. وكذا، فقد وُجدت العمالة الفلسطينية في إسرائيل في مجالات البناء والزراعة والفنادق وما أشبه ذلك.
ولما كان العمال الفلسطينيون يُعاملون بوصفهم قوة عمل من الدرجة الثانية، فقد تعرضوا لظروف سمحت للشركات الإسرائيلية بالاستفادة من الأجور المنخفضة دون الخضوع لقانون العمل الإسرائيلي، بل إنَّ الكثير من العمال الفلسطينيين وجدوا أنفسهم يبنون المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية التي تهدد وجود المجتمعات الفلسطينية ذاتها. وبالنسبة للفلسطينيين، فقد كانت القدرة على العمل في أي مكان بينما هم واقعون تحت الاحتلال الإسرائيلي مسألة بقاء. وبالنسبة للكثيرين لا يزال الأمر كذلك.
وفرضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضرائب على الفلسطينيين الذين تحتلهم، واستخدمت جزءاً من هذه الضرائب لإغراق المناطق الفلسطينية بالبنى التحتية والبضائع إسرائيلية الصنع. وقد خلق هذا الأمر مزيداً من الاعتمادية الفلسطينية على اقتصاد المحتل.
وبعد الارتباط الهيكلي بالسوق الإسرائيلية لعقود، فإنَّ قرار إسرائيل بالانفصال أحادي الجانب، أو «فك الارتباط» كما كان يطلق عليه عن الفلسطينيين، ترك القطاع الخاص بخياراتٍ قليلة بخلاف اتباع الخطط الإسرائيلية. في البداية حاولت إسرائيل القضاء على العمالة الفلسطينية في إسرائيل، وهو ما زاد من معدل البطالة في الضفة الغربية وغزة بين عشيةٍ وضحاها.
وبعد تطبيق هذه الصدمة على السوق، قرَّرت إسرائيل إعادة الارتباط مع العمالة الفلسطينية، واليوم تصدر عدداً من التصاريح مثل العدد الذي كانت تصدره أثناء العقد الذي سبق أوسلو، وربما أكبر. وهذا كله خدمةٌ للاقتصاد الإسرائيلي، لا الفلسطيني.
وعلاوةً على ذلك، فإنَّ الاستيلاء على الأراضي لإنشاء جدار الفصل فصل المزارعين الفلسطينيين عن أراضيهم، مما تسبب في ضغطٍ كبير على الزراعة الفلسطينية. أضِف إلى هذا القيود المستمرة التي فرضتها إسرائيل على الأرض والمياه، والتي يمكن رؤية نتائجها في الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، إذ انخفضت الزراعة من 12% قبل اتفاقية أوسلو إلى أقل من 5% اليوم.
الحل الكامل: تأسيس دولة فلسطينية مستقلة
بحسب بحور، فإن قابلية أي اقتصاد فلسطيني مستقبلي للنمو يحب أن تكون ضمن سياق قطاعٍ خاص مستدام، يستطيع تنفيذ التالي:
1- خلق فرص عمل مستدامة، وتطوير منتجات وخدمات تنافسية للسوق المحلي أولاً، ثم التصدير بعد ذلك.
2- يجب أن يكون القطاع الخاص الفلسطيني قادراً على استيعاب خريجي الجامعات الفلسطينية في اقتصادٍ قائم على المعرفة.
3- في الوقت ذاته يجب أن يستوعب القطاع الخاص عشرات الآلاف من عمال البناء الذين تستخدمهم إسرائيل لخدمة اقتصادها.
4- إنَّ الاقتصاد الفلسطيني القابل للنمو يجب أن يكون قادراً على إطعام نفسه، وهو ما يتطلب تحرير موارد الأرض والمياه من السيطرة الإسرائيلية.
الخلاصة: ثمة مسؤولية تاريخية تجاه الفلسطينيين تقع على عاتق المجتمع الدولي، لاسيما بعد هذه السنوات الكثيرة من مراقبة الاحتلال الإسرائيلي عن بعد، وبعد عقدٍ من تسديد الفاتورة مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية دون انقطاع. ويكمن التحدي اليوم في إزالة الاحتلال العسكري الإسرائيلي، والسماح للقطاع الخاص الفلسطيني بالاضطلاع بدوره الطبيعي، لكي يصبح أساساً لدولةٍ مستقبلية.