تذكرون الفتاة التي قتلت إسرائيل عائلتها أمام عينها على الشاطئ؟ الآن أصبحت محامية وتريد مقاضاة تل أبيب
طوال 14 عاماً لم تفارق مرارةُ الحرمان قلبَ الفتاة الفلسطينية هدى غالية، التي فقدت أفراد عائلتها أمام ناظريها، في مجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي عام 2006، إذ لم يبلغ عمرها آنذاك 12 ربيعاً، لكنها أصبحت اليوم محاميةً وهدفها مقاضاة إسرائيل.
عودة للماضي: في نهار يوم الجمعة التاسع من يونيو 2006، وعلى شاطئ بحر بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، أفاقت الطفلة هدى على مقتل والدها وخمسة من أشقائها، بقذيفةٍ من بارجة إسرائيلية، استهدفتهم أثناء استجمامهم على الشاطئ، ليكون البحر شاهداً على رحلةٍ كُتب لها أن تُحال إلى مجزرة.
مصوّر تلفزيوني فلسطيني وثّق آنذاك تفاصيل المجزرة، إذ التقطت عدسته الطفلة هدى وهي تبحث عن والدها وأشقائها، قبل أن تجدهم مضرجين بدمائهم على رمال الشاطئ؛ لتبدأ بالصراخ والنحيب.
أثارت حينها مشاهد المجزرة التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد العائلة المسالمة، سخطاً كبيراً على مستوى العالم ضد تل أبيب.
بداية جديدة: لم تستلم هدى لآلام الفقدان، وحصلت اليوم وبعد 14 عاماً، على إجازة مزاولة المحاماة بعد إتمامها دراسة الحقوق؛ فتلك الطفلة -التي وثّقت عدسات الكاميرات بكاءها على صدر والدها المُسجى بدمائه على الشاطئ- أضحت محاميةً تسعى لمحاكمة مَن حرَمها حنان الأب.
شقّت المحامية الواعدة طريقها أملاً في تحقيق مبتغاها في مقاضاة إسرائيل، بعد أن تعذّر ذلك طوال سنين مضت، وتقول هدى في حديث لوكالة الأناضول: “لم يكن سهلاً على طفلة مثلي في ذلك الوقت، العيش بعد فقدان أبِ وخمسة أشقاء، فكل طفل يودّ أن ينعم ويكبر في حضن والديه، إلا أنني سُلبت هذا الحق منذ طفولتي، حين كُنتُ في أمسّ الحاجة لحنان الأب وعطفه”.
تتابع مستذكرة الحادث الأليم: “رأيت والدي وإخوتي مُلقون على الأرض أمام ناظري، وقد فارقت أرواحُهم أجسادَهم، حين كُنا في خضم رحلة ترفيهية بعد انتهاء العام الدراسي”.
ذكرياتٌ أليمة: تُشير هدى إلى أن الرحلات إلى الشاطئ باتت تجبرها على استرجاع ذكرياتها الأليمة، مشيرةً إلى أنها لم تعد تحبذ هذه الرحلات منذ وقوع المجزرة، حيث يمر الصيف تلو الآخر ونادراً ما تذهب العائلة إلى الشاطئ.
أضافت المحامية أن القوات الإسرائيلية لم تدع عائلتها وشأنها، “فبعد سنوات قليلة قَتلت إحدى شقيقاتي وزوجها، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة 2008 – 2009، لتُضيف صفحة جديدة في سجلها الأسود”.
ما تزال مشاهد فقدان العائلة ملازمة لذاكرة ووجدان هدى، حسبما قالت، مضيفةً: “إلا أن ذلك شكّل حافزاً شخصياً يدفعني نحو السعي لاستعادة ولو جزء بسيط من حقنا، لذا قررتُ دراسة الحقوق لأغدو محاميةً أدافع عن حق أبناء شعبي المظلوم”.
تستدرك المحامية قائلةً: “لست وحدي من فقدتُ والدي وأشقائي بفعل مجازر الاحتلال، فهناك مئات العائلات الفلسطينية، التي نزعت قوات الاحتلال البسمة من شفاه أطفالها، وسلبتها أبسط حقوقها”.
خلال الشهور التي تلت الحادثة، وثّقت المراكز الحقوقية في تقاريرها شهادة “هدى” وباقي أفراد عائلتها الناجين من المجزرة؛ لكن كما تقول هدى: “لم تتوصل إلى نتائج عملية تُفضي إلى دفع إسرائيل ثمن جرائمها بحق شعبنا الأعزل”، وتتابع: “هذا الأمر دفعني لمحاولة بذل جهد شخصي على أمل أن تأتي فرصة مناسبة”.
تحدّي الظروف: كانت هدى قد أنهت دراسة الثانوية العامة صيف عام 2012، والتحقت بكلية القانون في الجامعة الإسلامية بغزة، بعد أن حصلت على منحة دراسية، إلى أن أتمّت درجة البكالوريوس عام 2017، ومُنحت مؤخراً إجازة مزاولة مهنة المحاماة.
تستعد الفتاة الفلسطينية للالتحاق بالدراسات العليا (الماجستير) في نفس التخصص، وذلك على نفقة الجامعة.
تُقرّ الفتاة بصعوبة طريقها نحو تحقيق أملها في مقاضاة إسرائيل، لا سيما في ظل إرادة دولية مُنحازة، لكنها في ذات الوقت تؤمن بأنه لا يضيع حقّ وراءه مُطالب، و”سيأتي اليوم الذي تُحاسب فيها إسرائيل على جرائمها”.
كما تأمل هدى في تلقّي العون والمساعدة من المؤسسات الحقوقية، العربية أو الدولية، لتحقيق مسعاها، في ظل اعتزام محكمة الجنايات الدولية فتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، إلا أنها لم تتلقّ بعد تواصلاً من أي جهة.
في هذا السياق أوضحت أنها “ستسعى جاهدة للانخراط في عمل المؤسسات الحقوقية، كخطوة أولى على طريق الوصول إلى محاكمة فعلية لقادة الاحتلال”، لكنها استدركت: “اليد الواحدة لا تُصفق، والأمر يحتاج جهود الجهات المعنية كافة، خصوصاً في ظل مواجهة خصم كإسرائيل”.