تدخلات إيران وتركيا لتقاسم النفوذ في المنطقة العربية
أعادت اتهامات المتحدث باسم الجيش الليبي، أحمد المسماري، تركيا بالتدخل في الشؤون الداخلية الليبية تحذيرات الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط لتمادي تركيا أثناء كلمته خلال قمة تونس 2019.
وتحمل الاتهامات الليبية دلائل مادية من تهريب السلاح إلى مليشيات طرابلس عن طريق السفن التركية، كما أن الطائرات المٌسيرة التي أسقطها الجيش الليبي مصدرها تركيا، ويضاف للأدلة ما كشفته صحيفة محلية ليبية من هويات لفريق خبراء عسكريين أتراك، بينهم جنرال رفيع المستوى، يعملون في غرفة عمليات بالعاصمة طرابلس لصالح حكومة فايز السراج.
إيران وتركيا .. نزوات تاريخية
منحت تداعيات ما يسمى (الربيع العربي) الإيرانيين والأتراك فرصة مواتية للتوسع والبحث عن نفوذ في الدول العربية، فالرغبة لدى طهران وأنقرة لم تكن وليدة مرحلة الاختلالات الناجمة في 2011 إنما كانت مخزونة لدى قيادات العاصمتين المتربصتين بالفرص المواتية.
تنطلق إيران من مفهوم (تصدير الثورة) التي جاءت بالخميني حاكماً على إيران بعد إسقاط حكم الشاه 1979، بيد أن الأتراك لم يكونوا أصحاب رغبة توسعية حتى صعود رجب طيب أردوغان للسلطة السياسية عام 2002.
إيران خاضت حرب الثماني سنوات مع العراق على إثر خلاف حدودي وكشفت الحرب عن الرغبة الإيرانية في التمدد نحو البلاد العربية باستعادة أمجاد وهمية للإمبراطورية الفارسية، ولم يخف الإيرانيون تلك الرغبات بإعلانهم سيطرتهم على أربعة عواصم عربية.
كذلك تركيا التي دخلت في خلاف حدودي مع سوريا على لواء إسكندرون، كما أن الأتراك وبعد العام 1991 تجاوزا الحدود العراقية بمبررات ملاحقة الأكراد، وعندما وصل حزب العدالة والتنمية للحكم بدأت تركيا تبدي رغباتها في التوسع والنفوذ في جوارها العربي باستعادة أحلام الدولة العثمانية.
يتقاطع الأتراك والإيرانيون في أطماعهم وتتباين مصالحهم وحتى مشاريعهم، وإن كان الطرفان يعملان على هدم الدولة الوطنية العربية ليتمكنا من السيطرة عليها عبر أدوات محلية موالية لمشاريع إيران وتركيا.
توافق أنقرة وطهران
على الرغم من اختلاف المشروعين التركي والإيراني في محدداتهم السياسية والاستراتيجية، إلا أن الرغبة تجمعهم في تقاسم النفوذ في المنطقة العربية.
ففي سوريا على الرغم من الاختلافات الجوهرية في سياساتهما المعلنة تجاه سوريا، حيث تتبنى تركيا هدف إسقاط النظام السوري ودعم المعارضة بالسلاح وتوفير معسكرات التدريب لهم، في حين تتبنى إيران مواقف داعمة للنظام السوري، بل وتسانده بكافة أشكال الدعم، إلا أنهما نجحا في تغليب المشترك واحتواء المختلف فيما بينهما ورسم الحدود الفاصلة بين المشروعين الإقليميين لكل منهما.
وعلى ذلك احتلت تركيا في يناير 2018، مدينة عفرين السورية تحت دعاوي حماية الأمن القومي التركي، الأمر الذي ترفضه كل المواثيق والأعراف الدولية، وتدعي تركيا أنها تواجه وحدات حماية الشعب الكردية والتي تعتبرها امتدادا سوريا لحزب العمال الكردستاني في تركيا والذي تصنفه إرهابياً، بل إن الحقيقي هو أن التدخل التركي جاء نتيجة للنجاحات من توازن القوى القائم في شمال سوريا، والذي بات يميل كثيراً لصالح الأكراد والنظام السوري.
إلى جانب ذلك تدعم تركيا العديد من الفصائل السورية المسلحة التي تتبني فكرا متطرفا، وتمدهم بالسلاح والمعدات بل الأمر امتد لمشاركة هذه الجماعات في العمليات التركية في عفرين ضد الأكراد، كما دعمت تركيا العديد من الجماعات المصنفة أنها إرهابية في العديد من الدول العربية، مثل جماعة الإخوان، بل وتقديم كافة الدعم وتوفير المنابر الإعلامية لهم، والتي تهدد أمن واستقرار العديد من الدول العربية، عوضاً عن تقديم الدعم للعديد من الجماعات المتطرفة في سوريا وليبيا، وهو ما شكل تحديا آخر جديد تواجهه الدول العربية.
أما إيران، فتساند النظام السوري وتعتبره حليفها، لأنها تعتبر سوريا مفتاح السيطرة والتمدد في الوطن العربي، وأقرب إلى مراكز القوى في لبنان والعراق. حيث تحتل سوريا بموقعها الاستراتيجي مكانة هامة في الهلال الخصيب لما له من أبواب جغرافية مفتوحة تساعد إيران في استمرار توغلها ونفاذها في الجسد العربي.
وفي العراق: تتقاطع المصالح التركية الإيرانية خاصة تجاه الأكراد، في حين تختلف وجهة النظر لكلا الدولتين تجاه العراق، حيث تتنافس كلا الدولتين في السيطرة وتعظيم النفوذ للتأثير في المجريات الداخلية في ظل تعاظم السيطرة الإيرانية داخل العراق.
الأتراك يرون في الموصل أرضاً عثمانية يحاولون ضمها ومازالوا عبر تدخلاتهم العسكرية، ويعملون على تكريس نفوذهم في الشمال العراقي، بينما الإيرانيون ومنذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003 أوجدوا مليشيات طائفية متعددة داخل الجغرافية العراقية وعززت ذلك بنفوذ موالين لها في السلطة السياسية الحاكمة للعراق مستغلة الانسحاب الأميركي والفراغات المتروكة.
الموقف العربي
بعد سقوط صنعاء بيد الانقلابين الحوثيين في سبتمبر 2014 بدأ التحالف العربي في تفعيل أدواته السياسية والعسكرية لوقف التدخلات الإيرانية التي وصلت للعراق وسوريا واليمن ولبنان عبر ميليشياتها الإرهابية.
التصدي العربي للتدخلات الإيرانية أثمر في الواقع الجيوسياسي في الحفاظ على أمن مضيق باب المندب بعد تحرير مدينة عدن واستطاعت الدبلوماسية العربية أن تشكل موقفاً حيال الاتفاق النووي مع إيران بضرورة أن يكون لدول الخليج العربية مشاركة في أي اتفاق حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني مع ضرورة وقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية العربية ووضع حد للبرنامج الصاروخي المهدد لأمن واستقرار المنطقة.
في المقابل مازال الموقف العربي متردداً تجاه تركيا التي بدورها تتحرك في البلدان العربية عبر جماعة الإخوان، وعلى الرغم من أن تركيا لا تخفي عداءها لعدة عواصم عربية وتحاول السيطرة عليها ولو بالتدخل العسكري كما يحدث في ليبيا فإن الجامعة العربية لم تخرج من إطار توجيه التحذير للأتراك