تحرّكات سياسية «معلنة وسرية» بقيادة الرئيس عباس لإفشال جولة كوشنر
ستشهد الأسابيع المقبلة تحركات سياسية فلسطينية على مستوى عالي، تشمل العديد من الدول العربية المركزية، وعدة دول أوروبية، خاصة تلك التي تتخذ مواقف مساندة للقضية الفلسطينية، بهدف «التصدي» لمخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بطرح خطته للسلام المعروفة باسم «صفقة القرن»، من خلال حشد موقف عربي معارض لهذه الخطة، بشقيها السياسي والاقتصادي، من أجل تصعيب عملية تمريرها.
وحسب المصادر، فإن معلومات رسمية وصلت القيادة الفلسطينية من العديد من «الأشقاء والأصدقاء»، ويقصد بها دول عربية وأجنبية، تفيد بنية ترامب طرح الخطة بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 9 أبريل المقبل بغض النظر عن نتائجها، خاصة وأنه قام بتأجيل طرحها أكثر من مرة.
وتدرك القيادة الفلسطينية حاليا، أن الجولة المقبلة المقررة لمستشار الرئيس الأمريكي وصهره جاريد كوشنر، ومبعوثه لعملية السلام جيسون غرينبلات نهاية فبراير الحالي، التي تشمل عدداً من البلدان الخليجية، ستخصص من أجل وضع تلك الدول في الصورة النهائية لخطة «صفقة القرن»، قبل إعلانها المرتقب.
ومن المقرر أن تشمل الزيارة كلا من السعودية وقطر والبحرين والإمارات وسلطنة عمان، . وترددت أنباء أن الهدف من الزيارة عرض «الجانب الاقتصادي» لـ «صفقة القرن»، غير أن قرب عملية طرحها، والمعلومات التي وصلت للقيادة الفلسطينية، تشير إلى أن الإدارة الأمريكية ستطرح ملامح الخطة الرئيسية بشقيها الأمني والاقتصادي.
وكان كوشنر قد أعلن منتصف شهر ديسمبر الماضي، أن الإدارة الأمريكية تتطلع إلى عرض خطتها للسلام في الشرق الأوسط خلال الأشهر المقبلة، وأنها لن تروق لجميع الأطراف.
تحرك فلسطيني لإحباط تحركات واشنطن
ومن أجل مواجهة هذا المخطط الأمريكي، الذي يعمل على تمريره عربيا، من أجل تجاوز «الرفض الفلسطيني» حيث لا تزال القيادة الفلسطينية على موقفها الرافض لعقد أي لقاءات مع مسؤولي واشنطن، بعد قرارات ترامب تجاه مدينة القدس، يتحرك طاقم فلسطيني بقيادة الرئيس محمود عباس حاليا، لإحباط المحاولة الأمريكية، والعمل على إفشال زيارة كل من كوشنر وغرينبلات المرتقبة، من خلال الحصول على موقف عربي موحد، يرفض أي فكرة حل تتجاوز المبادرة العربية، وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967.
وخلافا للزيارات المعلنة للمسؤولين الفلسطينيين، من بينها زيارة الرئيس عباس للسعودية، التي التقى خلالها أمس بالعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، هناك زيارات أخرى غير معلنة، يقوم بها الطاقم المشكل من قبل الرئاسة الفلسطينية، لمواجهة التحرك الأمريكي.
ويتردد أن اللواء ماجد فرج مدير المخابرات الفلسطينية، الذي رافق الرئيس عباس في زيارته للسعودية، سبقه بعقد اجتماعات مع مسؤولين كبار في المملكة، ومن المتوقع أن تنشط هذه الزيارات والاتصالات خلال الأيام المقبلة.
وقال باسم الأغا، سفير فلسطين في السعودية، إن زيارة الرئيس عباس، تأتي استمرارا للتواصل ما بين القيادتين في ظل الظروف الدولية الصعبة، وكذلك في ظل محاولات إنهاء القضية الفلسطينية.
ولا تخفي مراكز سياسية فلسطينية مهمة خشيتها من التحركات الأمريكية، وقدرتها على التأثير على عدة أطراف، ومن أجل ذلك تكررت أخيرا التحذيرات الفلسطينية الرسمية من عمليات «التطبيع» الجارية بين دول عربية وإسرائيل، خاصة بعد تكشف الكثير من اللقاءات التي أجريت بين مسؤولين عرب كبار وآخرين إسرائيليين، جرى خلالها الحديث عن تطوير العلاقات فيما بينهم، بعيدا خطة السلام العربية، التي تشترط قبل ذلك حلا للقضية الفلسطينية.
وبدا الأمر واضحا في تحذيرات كبار مسؤولي منظمة التحرير والسلطة، وداخل مقر الجامعة العربية.
وقال الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، في كلمة ألقاها خلال أعمال مؤتمر القيادات العربية، إن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي يعد «طعنة في الظهر، ومكافأة لسلطة الاحتلال التي تُمارس الاٍرهاب بكافة أنواعه بحق شعبنا».
وردد ما قاله الرئيس عباس، من «إن الفلسطينيين لم يفوضوا أي أحد بالتفاوض عنهم»، وقال «قرارنا مستقل وحر»، وإن «القدس ليست للبيع»، معربا عن أمله في أن لا يعقد أي أي لقاءات عربية – إسرائيلية على هامش»مؤتمر وارسو» الذي ينطلق اليوم الأربعاء، في العاصمة البولندية وارسو، والمقرر أن يبحث عدة قضايا شرق أوسطية، من بينها القضية الفلسطينية، وقررت القيادة الفلسطينية مقاطعته.
ولا تزال القيادة الفلسطينية تملك «ورقة رابحة» في هذا المجال، تتمثل في عدم قدرة أي طرف عربي، قبول تلك الخطة، ما دامت مرفوضة من قبل الفلسطينيين، خاصة وأن الأمر سيمثل حرجا كبيرا لذلك الطرف، بعدما كشف النقاب بأن مخطط واشنطن يرمي إلى «سلب» القدس والمسجد الأقصى من الفلسطينيين، وإلحاقه بحدود إسرائيل المقترحة في «صفقة القرن».
ويرجع المتابعون للملف أن قرار التضييق المالي الذي شرعت فيه الإدارة الأمريكية مؤخرا ضد السلطة الفلسطينية، من خلال وقف تمويلها، ومنع وصول أموال المانحين عليها، يهدف إلى إحداث «ضغط داخلي» على الرئيس عباس، في مسعى لتمرير المخطط السياسي الكبير، حيث يتوقع أن يواجه الفلسطينيون «صعوبات كبيرة»، بسبب خطوات واشنطن، التي ستترافق مع قرارات تنوي حكومة الاحتلال اتخاذها، تشمل خصم جزء من قيمة أموال الضرائب، التي تدفع لصالح عوائل الأسرى والشهداء.
وكان وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أعلن أن القيادة الفلسطينية تبحث رفع «دعوى قانونية» ضد الإدارة الأمريكية، بسبب ضغطها على الدول العربية، لمنعها من تقديم تبرعات مالية للسلطة الفلسطينية، وذلك بعد الكشف عن تهديد واشنطن للبنوك من مغبة نقل تلك الأموال للفلسطينيين.