تحذيرات فلسطينية من انفجار الأوضاع مع ارتفاع الاستيطان حول القدس في عهد ترامب
بما يشير إلى الارتباط الوثيق بين الإدارة الأمريكية وحكومة تل أبيب، وتلقي الأخيرة دعما لا محدودا في ملف الاستيطان، الذي دفع بنيامين نتنياهو لإعلان خطته لضم مستوطنات الضفة، أظهرت معطيات جديدة، وثقها تقرير الاستيطان الأسبوعي الصادر عن منظمة التحرير الفلسطينية، أن البناء الاستيطاني في محيط مدينة القدس المحتلة وصل منذ فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية إلى مستويات قياسية مقارنة بالأعوام الـ20 الأخيرة.
وقد بدا الأمر واضحا مع بداية وصول ترامب إلى البيت الأبيض، واتخاذه سلسلة قرارات معادية للحقوق الفلسطينية، ومخالفة للقوانين الدولية، منها الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال، ونقل سفارة بلاده إليها، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، ووقف الدعم المقدم للفلسطينيين، وإعلان فريقه الخاص بوضع خطة السلام “صفقة القرن” دعمه الكامل للاستيطان، وضم مستوطنات الضفة الغربية.
وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية إن تعميق سلطات الاحتلال الاسرائيلي الاستيطان “يكشف زيف الجهود الأمريكية لتحقيق السلام”، لافتة إلى أن ما توفره الإدارة الأمريكية من دعم وإسناد للاحتلال والاستيطان، وعجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالاستيطان، “يدفع دولة الاحتلال للتمادي في عمليات فصل القدس بشكل نهائي عن محيطها الفلسطيني وربطها بالعمق الإسرائيلي، في إطار المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير الواقع التاريخي والقانوني القائم”.
وأكدت أن هذا كله يهدف إلى إجبار سكان القدس على الرحيل عنها ليسهل بعدها إحلال أعداد كبيرة من المستوطنين مكانهم.
يشار إلى أن التقرير الجديد، الصادر عن المكتب الوطني للدفاع عن الأرض التابع لمنظمة التحرير، أشار إلى أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي، رفعت من وتيرة البناء الاستيطاني في محيط مدينة القدس المحتلة في عهد إدارة ترامب، وسط تبدل في تعاطي البيت الأبيض سياسيا مع النشاطات الاستيطانية المخالفة للقوانين الدولية في الضفة الغربية المحتلة، علما بأن الإدارات الأمريكية السابقة عكفت على اعتبار الاستيطان عائقا أمام “عملية السلام” في الشرق الأوسط.
وبيّن التقرير الفلسطيني الجديد أن إدارة ترامب غضت الطرف عن النشاط الاستيطاني في الأرض الفلسطينية، حتى إن وزارة الخارجية الأمريكية أوقفت، في أبريل/نيسان الماضي، استخدام تعبير الأراضي المحتلة، في إشارة إلى الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
ووفقا للتقديرات، فإن إسرائيل أقامت، منذ احتلال مدينة القدس الشرقية عام 1967، عشرات المستوطنات في محيط مدينة القدس، وأقامت فيها أكثر من 55 ألف وحدة سكنية على أقل تقدير، فيما طرأ خلال الفترة بين العامين 2017 و2018، عقب فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، تصاعد هائل في وتيرة البناء الاستيطاني في المدينة المحتلة، حيث تمت المصادقة على بناء 1861 وحدة استيطانية جديدة، بارتفاع يبلغ 58% مقارنة بالعامين 2015 و2016، في ظل تفاوت كبير في تراخيص البناء الممنوحة للمقدسيين، الذين تتجاوز نسبتهم 38% من مجمل سكان القدس، ولم تتجاوز نسبة تصاريح البناء التي وافقت لهم عليها لجنة التخطيط والبناء التابعة للحكومة الإسرائيلية في بلدات وأحياء القدس المحتلة 16.5% فقط من مجمل التراخيص.
ووثق التقرير قيام سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمواصلة مخططاتها الاستيطانية بوتيرة متصاعدة، لافتا إلى أنه في الأسبوع الفائت أعلن نتنياهو عن إقامة حي استيطاني جديد في مستوطنة “دوليف” وسط الضفة الغربية المحتلة، وأنه سبق ذلك مصادقة ما يسمى “مجلس التخطيط الأعلى” التابع للإدارة المدنية للاحتلال خلال شهر آب/أغسطس الجاري، على إيداع مخطط لبناء 200 وحدة سكنية جديدة في مستوطنة “ميتساد”، وعلى سريان مخطط لبناء 100 وحدة سكنية في مستوطنة “إيبي هناحال”، الواقعتين شرقي الكتلة الاستيطانية “غوش عتصيون” في منطقة بيت لحم.
وسرد التقرير الهجمات التي شنها المستوطنون وسلطات الاحتلال على المناطق الفلسطينية خلال الأسبوع الماضي، التي تخللها شق طرق استيطانية جديدة، ومصادرة أراضٍ وهدم منازل ومنشآت زراعية فلسطينية، لصالح توسيع المستوطنات.
والمعروف أن الدعم غير المحدود المقدم من إدارة ترامب لحكومة اليمين الإسرائيلية دفع نتنياهو الأحد للإعلان عن مخطط لضم مستوطنات الضفة الغربية، وقال خلال افتتاحه العام الدراسي الجديد في المدارس المقامة في مستوطنة شمال الضفة: “تذكروا وأنتم في هذا المكان، أن هذه أرض إسرائيل، أرضنا لن يقتلعنا منها أي أحد، وسنفرض السيادة اليهوديّة على كافة المستوطنات كجزء من دولة إسرائيل”.
وقد عبر سابقا السفير الأمريكي ديفيد فريدمان عن دعمه لعملية ضم إسرائيل لمستوطنات الضفة الغربية، وهو أمر شجع نتنياهو على اتخاذ هذا القرار.
في السياق، تواصلت حملات الرفض الفلسطينية لقرارات الضم التي بدأت بتحذير من منظمة التحرير والرئاسة بأن ذلك الأمر سيشعل المنطقة ويفجر الصراع. وقالت حركة فتح، التي يتزعمها الرئيس محمود عباس، إن تصريحات نتنياهو تمثل “عدوانا على الشعب الفلسطيني وانتهاكا سافرا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية”.
وأكدت أن الشعب الفلسطيني سيقاومه بكافة الأشكال، مؤكدة أن هذا “النهج العدواني والعنصري والتوسعي” لحكومة اليمين المتطرفة الإسرائيلية يستمد التشجيع والدعم من إدارة الرئيس ترامب التي تحاول تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى بـ”صفقة القرن”.
ودعت فتح الأمة العربية إلى “النهوض واستشعار الخطر على نفسها، وعلى مصيرها كأمة من سياسة الاحتلال والتوسع الإسرائيلية”.
من جهتها، قالت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إن تهديدات نتنياهو بضم مستوطنات الضفة ستؤدي إلى مزيد من “الانفجار وإلى تصدي ومقاومة أبناء شعبنا لهذه الخطوات التصعيدية”، مؤكدة أن الرد على الجرائم الإسرائيلية المتواصلة أو أية خطوة تستهدف فرض مخططات جديدة على أرض الواقع في الضفة “لا يكون بالشجب، بل بالدعوة إلى الوحدة الميدانية، وإلى الإعلان الواضح والصريح بالتحلل من اتفاقية أوسلو والتزاماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية”.
ودعت لإستراتيجية وطنية لاستثمار كافة طاقات الشعب الفلسطيني “في خدمة مواجهة الجرائم الإسرائيلية على الأرض والمخططات المشبوهة التي تستهدف قضيتنا، وليس استمرار الغرق في مستنقع مشروع التسوية”، مؤكدة أن كل الوجود الإسرائيلي على أرض فلسطين “غير شرعي واستعماري، وأن ضم المستوطنات يعني إنهاء ما يُسمى بحل الدولتين”.