تحت ضغوط أمريكية: تشكيل آلية رقابة على الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل
قرر الكابنت السياسي الأمني في 30 تشرين الأول 2019 تشكيل لجنة استشارية لفحص جوانب الأمن القومي في عملية إقرار الاستثمارات الأجنبية. وقد تبلور هذا القرار في أعقاب دراسة طويلة قامت بها هيئة الأمن القومي ووزارة المالية والمجلس القومي للاقتصاد. وتقرر أن يشارك في اللجنة مندوبون كبار من وزارة المالية، ووزارة الدفاع، ووهيئة الأمن القومي، وكذا مراقبون من وزارة الخارجية، ووزارة الاقتصاد، والمجلس القومي للاقتصاد ومراقب من وزارة المالية. وجاءت اللجنة لمساعدة واضعي الأنظمة الإدارية على دمج اعتبارات الأمن القومي، إضافة إلى الاعتبارات المالية والاقتصادية أساساً، في عملية إقرار الاستثمارات الأجنبية. ومع ذلك، فإن التوجه إلى اللجنة سيتم بشكل تطوعي من مسؤولي الأنظمة الإدارية الذين سيتم الاستثمار في مجالهم –إذا استوفى هذا المعايير المتبعة واعتبارات مسؤولي الأنظمة الإدارية– بينما الصفقات التي لا تستوجب إقراراً حكومياً لن تطرح على البحث في اللجنة.
لقد كان القرار نتيجة ضغوط أمريكية على إسرائيل وخوفاً من المس بالعلاقات الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، بعد أن اوضح أن واشنطن تتوقع من إسرائيل أن تغير الموقف من النشاط الصيني في أراضيها. وينبغي التشديد هنا على أنه في ظل “الحرب التجارية” بين الصين والولايات المتحدة، مارس مسؤولون في الإدارة الأمريكية ضغطاً على نظرائهم الإسرائيليين للتسريع في تشكيل آلية رقابة على الاستثمارات الأجنبية، مثل الاآية الموازية القائمة في الولايات المتحدة. وأعرب مسؤولون أمريكيون عن تخوفهم من دور صيني في ميناء حيفا وفي شبكات الاتصال الخلوية من الجيل الخامس وفي قطاع التكنولوجيا العليا الإسرائيلي، والتي لا تندرج هذه اللحظة في إطار الصفقات التي تدرسها اللجنة، وهو وضع من شأنه أن يؤدي إلى تعاظم التوتر مع الإدارة الأمريكية.
مثلما الحال في دول أخرى، إن المباحثات التي أدت إلى القرار بتشكيل الآلية تميزت بتوتر بنيوي بين عناصر الاقتصاد وعناصر الأمن: فبينما شددت عناصر الأمن، وعلى رأسها هيئة الأمن القومي، على الخوف من النفوذ الأجنبي ومخاطر أمنية، وبالأساس من المس بالعلاقات مع الولايات المتحدة، فإنهم يخشون من أن تمس الرقابة المتشددة بالاستثمارات وتهرب المستثمرين، بل ومن شأنها أن تؤدي إلى “هجرة الأدمغة”. وبالتالي، فإن القرار يمثل نقطة توازن معينة بين اعتبارات الأمن والاقتصاد.
ومع ذلك، فثمة نقاط اختلاف عدة بين اللجنة الإسرائيلية وموازياتها في الدول المتطورة: أولاً، اللجنة في إسرائيل لن تعمل كجزء من التشريع في موضوع الاستثمارات الأجنبية، بينما تعمل لجان موازية، في الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وألمانيا مثلاً في إطار قانوني مختص بالاستثمارات الأجنبية. ثانياً، سيكون دور اللجنة في إسرائيل استشارياً لواضعي الأنظمة الإدارية، بينما دور اللجان في الدول الغربية استشاري للقيادات السياسية العليا. ثالثاً، بينما سيكون تقرير اللجنة في إسرائيل على أساس تطوعي، ففي اللجان الموازية في الخارج يحل واجب رفع التقارير عن الاستثمارات الأجنبية، ولا سيما إذا جاءت من مصادر حكومية أجنبية، أو ستؤثر على قطاعات اقتصادية معينة. ورابعاً، لم ينشر إذا ما كانت اللجنة في إسرائيل ستفحص بشكل مختلف استثمارات أجنبية من هيئات تتحكم بها حكومات أجنبية. وذلك بينما لجان عديدة تعمل في الدول الغربية تفحص بشكل تلقائي الاستثمارات التي تأتي من حكومات أجنبية، أو تقرر حداً أدنى من ذلك للفحص إذا كانت الاستثمارات مصدرها هيئات حكومية.
كما نشر، فإن الشركات الأجنبية المعنية بالاستثمار في إسرائيل في مجالات المال، والاتصالات، والبنى التحتية، والمواصلات والطاقة ستحتاج إلى إقرار من المنظمين الإداريين بذلك. يبرز في غيابه قطاع التكنولوجيا العليا وتبعاته. سياسة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا العليا الإسرائيلي في توتر بين الرغبة في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية وتشجيعها وبين المخاطر النابعة من التدخل والتحكم من عناصر أجنبية في التكنولوجيات المتقدمة. من جهة، فإن استمرار النمو الاقتصادي الإسرائيلي منوط بقدر كبير بنمو قطاع التكنولوجيا العليا الذي يستند أيضاً إلى الاستثمارات الأجنبية من الدول المختلفة، بما فيها الصين. ومن جهة أخرى، فإن مجال التكنولوجيا العليا هو ساحة معركة في المنافسة الاستراتيجية الجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتي تسعى الصين في إطارها لأن تصبح في السنوات المقبلة المتصدرة في الحداثة التكنولوجية، بينما تسعى الولايات المتحدة لحماية تفوقها من خلال منع انتقال التكنولوجيات المتطورة إلى الصين. إضافة إلى ذلك، توجد تكنولوجيات مدنية مختلفة اليوم، ولا سيما العقل الصناعي، وأمن السايبر، ومعطيات الرجال الآليين، في المجال الغامض، لأنها تنمو في البعد المدني، ولكن تطبق أيضاً في أغراض عسكرية.
وعليه، فمن جهة عدم إدراج قطاع التكنولوجيا العليا في إطار صلاحيات اللجنة يتناسب وتفضيل اللاعبين الخاصة في سوق التكنولوجيا العليا الإسرائيلي والوزارات الاقتصادية في الحكومة، غير المعنيين بتدخل حكومي في سياقات تجنيد المال من الخارج. ومن جهة أخرى، فإن تطلعات الصين في كل ما يتعلق بتطوير اقتصادها وفي طريقها لأن تكون قوة عظمى تكنولوجية محدثة هي تحد اقتصادي لإسرائيل في المدى المتوسط والبعيد. أحد السبل للوصول إلى هذا الهدف، كما جاء في خطة “صنع في الصين 2025″، هو شراء وتبني تكنولوجيات أجنبية وملاءمتها مع السوق الصينية، الأمر الذي سيسمح بتنمية قاعدة معلومات محلية صينية. واضح من هنا أن الصين ليست فقط زبوناً للتكنولوجيات الإسرائيلية وشريكاً للاستثمارات في إسرائيل بل هي منافس مباشر لإسرائيل في كل ما يتعلق بمجالات الحداثة التكنولوجية في ظل تبني وتحسين التكنولوجيات التي مصدرها إسرائيل.
التوصيات
إن القرار بإقامة آلية للرقابة على الاستثمارات الأجنبية هو خطوة مهمة ولازمة، ولا سيما في ضوء المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين والرقابة المتصاعدة على الاستثمارات الصينية في أرجاء العالم الغربي. ومع ذلك، ومن أجل أن تعمل هذه الآلية بشكل متوازن وناجع، على حكومة إسرائيل العمل على عدة مستويات:
أولاً، على إسرائيل أن تحدد بشكل واضح ومفصل ما هي القطاعات التي تحتاج إلى فحص اللجنة، وتلك التي لا تحتاج، وتلك التي توجد في المجال الغامض و/أو التي ستتطلب إعادة نظر بين الحين والآخر. والتنسيق في ذلك مع الولايات المتحدة مرغوب فيه. وعليه، ففي عملية التحديث والتعديل، مرغوب فحص السبل لإدارة المخاطر من احتمال التدخل الأجنبي في قطاع التكنولوجيا العليا، مثلما هو متبع في العديد من الدول في العالم. ولاحقاً، على إسرائيل أن تفكر بإضافة معيار لفحص أعمق للاستثمارات الأجنبية من شركات تعود لحكومات أجنبية. أحد الأهداف من هذه الآلية هو تقليص خطر نشوء روافع اقتصادية وسياسية لدى حكومات أجنبية تمس باستقلال إسرائيل وسيادتها وحرية عملها. وبالتالي، فإن الرقابة الأوثق على الاستثمارات التي تتم من شركات حكومية ستحسن إمكانية مواجهة هذه المخاطر.
ثانياً، كي تعمل اللجنة بشكل ناجع يجب التأكد من أن تتمكن محافل الأمن والاستخبارات من الدعم المهني في عملها الجاري، ومن أجل توفير مشورة سليمة ومعمقة، يجب تثبيت المعلومات لدى الهيئات الحكومية المختلفة بشأن العمل التجاري والاقتصادي والاستراتيجي للاعبين الأجانب مع التشديد على الصين التي يتسع وزنها في الاقتصاد العالمي وفي الاقتصاد الإسرائيلي.
ثالثاً، يجب التأكد من أن تكون الآلية معفية من الاعتبارات السياسية وتسعى إلى التوازن المناسب بين المخاطر الناشئة عن الاستثمارات الأجنبية وبين الرغبة في مواصلة السماح بسياسة استثمار ليبرالية تحسن للاستثمار الإسرائيلي. ولا يقل أهمية وجوب التأكد من ألا يكون عمل اللجنة عاملاً معرقلاً يضر بالاستثمارات الحيوية لإسرائيل والذي هو مدماك أساسي لأمنها القومي.
وأخيراً، فضلاً عن تشغيل الآلية المهنية لتنظيم الاستثمارات الأجنبية، على حكومة إسرائيل أن تثبت إجراءات الرقابة والإشراف على إدارة السياسة مع القوى العظمى.