تبون في حوار مع صحيفة “لوبينيون” يتحدث عن الذاكرة الاستعمارية والعلاقة مع المغرب والحراك الجزائري
في حديث طويل مع صحيفة “لوبينيون” الفرنسية، توقف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عند الماضي الاستعماري الجزائري- الفرنسي وتداعياته على العلاقات الحالية والمستقبلية بين البلدين. وشدد على أن تطور وازدهار هذه العلاقات يبقى مرهونا باعتذار رسمي من الدولة الفرنسية. كما تطرق تبون في هذا الحوار إلى علاقة الجزائر مع جيرانها المغرب وليبيا ومالي، ومع حليفيها الرسي والصيني. وأيضا الوضع الداخلي في بلاده.
إليكم أبرز محطات هذه المقابلة.
* لقد أجريت مقابلة هاتفية مع الرئيس ماكرون، يوم الخميس، وقررتما مواصلة العمل معا بشأن مشكلات الذاكرة. كيف سيتم هذا العمل من أجل المصالحة؟
طرحنا هذه المسألة مع الرئيس ماكرون. إنه يدرك جيدا الأحداث التي ميزت تاريخنا المشترك. تم تعيين المؤرخ بنجامين ستورا للقيام بهذا العمل التذكاري على الجانب الفرنسي. هو مخلص ويعرف الجزائر وتاريخها من فترة الاحتلال حتى يومنا هذا. سنعين نظيره الجزائري خلال 72 ساعة. ستعمل هاتان الشخصيتان مباشرة تحت إشرافنا. نتمى أن يتم عملهم في جو من الحقيقة والصفاء والهدوء لحل هذه المشاكل التي تسمم علاقاتنا السياسية ومناخ الأعمال والتفاهم الجيد. الجزائر أساسية بالنسبة لفرنسا، وفرنسا ضرورية للجزائر. يجب أن نواجه هذه الأحداث المؤلمة لنبدأ مرة أخرى في العلاقات المثمرة بين البلدين، وخاصة على المستوى الاقتصادي. لا يمكن تعتيم الذاكرة ولا يمكننا أن نفعل ما نريد بها. إن إعادة فرنسا مؤخرا جماجم المقاتلين الذين عارضوا إنشاء الجيش الاستعماري قبل قرن ونصف يعد خطوة مهمة جداً. هناك جرائم أخرى تستحق أن تُقال، مثل الاستيلاء على واحة زعاطشة بولاية بسكرة حيث قامت القوات الفرنسية التابعة للواء إميل هيربيلون بذبح مقاتلي الشيخ بوزيان. كما قام المارشال سانت أرنود بالعديد من المذابح التي راح ضحيتها العديد من الأشخاص في بلدية أورادور سور غلان الفرنسية. العديد من المؤرخين الفرنسيين يتعاملون مع هذه الأحداث التاريخية بكل أمانة. وبمجرد التغلب على مشاكل الذاكرة هذه، يمكننا المضي قدما بهدوء كبير. هناك تعاون بشري وعلمي واقتصادي بين البلدين. لقد خسرت فرنسا لتوها مكانها كأول مصدر للجزائر، لكن ذلك ليس بالأمر الذي لارجعةً فيه. لدى الجزائر أيضا جالية كبيرة جدا في فرنسا والتي نريد خدمتها والحفاظ عليها.
* في عام 2017، تحدث المرشح ماكرون عن الاستعمار باعتباره جريمة ضد الإنسانية. في رأيك، هل يبرر هذا الوصف التعويضات؟
لا يمكن الحكم على التاريخ الجزائري من خلال المحاكاة مقارنة بما تم القيام به في مكان آخر، خاصة عندما طلبت ليبيا من إيطاليا اعتذارا التي سددت بعد ذلك دينا استعماريا. الجزائريون متمسكون أكثر باعتراف الدولة الفرنسية بأفعالها بدل التعويض المادي. التعويض الوحيد الممكن هو التجارب النووية، التي ما تزال مخلفاته قائمة بالنسبة لبعض السكان، ولا سيما أولئك الذين يعانون من تشوهات. كما لم تتم معالجة بعض المواقع بعد.
* ماكرون قدم أيضا الاعتذار لأرملة موريس أودين..
هناك أيضا ما يقرب من 20 مليون فرنسي لديهم علاقة مباشرة أو غير مباشرة ببلدنا من خلال خدمتهم العسكرية أو تاريخ أسلافهم. الرئيس فرانسوا ميتران أصدر أمرا بإعدامات بالمقصلة. وقام جاك شيراك بخدمته العسكرية في بلادنا خلال الحرب. وفرانسوا أولاند، خاض تدريبه الداخلي في السفارة الفرنسية بالجزائر العاصمة.. إيمانويل ماكرون ينتمي إلى جيل جديد. ولد بعد فترة الاستقلال ولم يكن على اتصال مع جماعات الضغط المعادية للجزائر. وقد أقر بأن الاستعمار يكاد يكون دراميا مثل الهولوكوست. بين عامي 1832 و 1962، أحصينا أكثر من 5.6 مليون شهيد.
* هل تقول، مثل ماو تسي تونغ، إن المستقبل مشرق لكن الطريق متعرج؟
الطريق أكثر من ملتوية، ويجب على الرئيس ماكرون محاربة اللوبيات أو جماعات الضغط الخطيرة للغاية التي تحاول تقويض عمله، ولا سيما الأشخاص المعروفين بمعادتهم للجزائر، والذين يعتقدون حتى الآن أن الجزائر قد بيعت ولم يتم تحريرها وأن الجنرال ديغول خائن. هناك أيضاً تكتل غير متجانس يعتقد أن الجزائر لا يجب أن تتطور وتزدهر، وأنها يجب أن تظل تحت رقابة عالية من خلال إبقائها ضعيفة نوعا ما لمنعها من التأثير على بيئتها. وهذا يتنافى مع الواقع، فلطالما أثرت الجزائر على الأحداث في المغرب العربي وأفريقيا جنوب الصحراء، ولا يمكن لأحد أن يوقف مجرى التاريخ… الجزائر تتطور وتستعيد سلطتها الدبلوماسية ولديها واجب للعب هذا الدور.
* لطالما جسّدت جبهة التحرير الوطني قومية معادية للإمبريالية. هل ستكونون المروج لقومية أكثر ديمقراطية، كما جسدها فرحات عباس ومصالي الحاج؟
لقد نشأت في عائلة وطنية وعاش والدي 12 سنة تحت الإقامة الجبرية لأنه كان ينتمي إلى تنظيم العلماء الجزائريين، وليس لدي نموذج محدد. نحن في القرن الحادي والعشرين ولم نعد في القرن العشرين، أكثر أيديولوجية. إنني أفكر مثل جزائري عادي عاش في شبابه مخاض الاستعمار والحرمان، ويحب بلاده ويعبدها […].
* عانت الدبلوماسية الجزائرية من ضعف الرئيس بوتفليقة، ولا سيما خلال فترة ولايته الأخيرة. أي مكان تريد أن تعيده للجزائر بين الأمم؟
لقد عانت الجزائر من مرض الرئيس السابق وخاصة من إهدار العصابات من حوله، لذلك يجب أن تستعيد مكانتها وتأثيرها الطبيعي. هي إحدى الدول الرئيسية في حركة عدم الانحياز، ونود أن نبرز أفريقيتنا وأن نعزز تحركاتنا الدبلوماسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط وجنوب الصحراء وفي العالم العربي. خلصت دراسة أمريكية في عام 1994 إلى وجود ثلاث دول محورية في القارة: الجزائر ونيجيريا وجنوب أفريقيا. لقد كنا بوابة للاستعماروكنا في كل النضالات من أجل الاستقلال ومهدنا الطريق – بشكل صحيح أو خطأ – لنظام الحزب الواحد ثم للسياسات متعددة الأحزاب. ليس لدينا أهداف جيوسياسية مثل القوى الأجنبية الأخرى. نحن ندافع عن ثقافة سلمية ونتوسط ونسعى لإرساء السلام بين المتحاربين. إنها مهمتنا، حتى وإن كانت هناك نكسة في الآونة الأخيرة. لقد قمنا مؤخرًا بمحو 1.4 مليار دولار من ديون الدول الأفريقية ، دون أن نتفاخر بذلك في كل مكان.
* حلفاؤكم الطبيعيون.. أليسوا أكثر من الصين اقتصاديا وروسيا عسكريا؟
إنهم بالفعل حلفاؤنا الطبيعيون. اعترفت الصين بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في 20 ديسمبر 1958، ممهدة بذلك الطريق للعلاقات الدبلوماسية المستمرة. لقد كنا من الدول التي حاربت كثيرا من أجل انضمام الصين إلى الأمم المتحدة. كما ساعدتنا روسيا في بداية الاستقلال ونواصل هذا التعاون اليوم. ولكنه ليس خيارا عقائديا أو أيديولوجيا. لدينا أيضا علاقة وثيقة مع الأمريكيين وجميع الدول المشاركة في الأزمة الليبية.
* هل تتأسف لكون الولايات المتحدة لم يعد لديها نفس الاهتمام بالعالم العربي؟
كانت الولايات المتحدة مفرطة في العولمة أصبحوا انعزاليين. تم انتخاب الرئيس دونالد ترامب لهذا الغرض. نحن نحترم وجهة نظره. لكن نظام الإدارة السياسية الأمريكية وتواجهه المستقبلي ليسا بالضرورة متجسدين في قادة اللحظة. ما تزال الولايات المتحدة قوة عظمى وصوت في الأمم المتحدة. لديهم رؤية جيواستراتيجية عالمية.. تهتم بأفريقيا والعالم العربي حتى لو لم تعد بنفس الكثافة. غالبا ما تكون السياسة الخارجية نتيجة طبيعية للوضع الداخلي. يجب ألا ننسى أثر الأزمة المالية 2008-2009 وهذه الأزمة الصحية والاقتصادية الجديدة. لقد خفضت جميع القوى العالمية طموحاتها.
* كيف تنظر إلى دور تركيا في ليبيا؟ وهل هو موضوع آخر للنقاش مع الرئيس ماكرون؟
لقد ساعدتنا ليبيا خلال حرب التحرير من خلال استضافة المجاهدين على أراضيها. من واجبنا مساعدتها اليوم، وقد يزعج ذلك الدول التي تعمل باسم مصالحها الاقتصادية… نحن نعمل بجدية لتهدئة الأوضاع في هذا البلد الذي نتشارك معه بعض المجتمعات القبلية. والجزائر مستعدة لاستضافة محادثات على أراضيها تحت رعاية الأمم المتحدة لحل الازمة الليبية. استقبلنا ممثلي القطبين المتحاربين ورؤساء القبائل القوية.. والليبيون يريدون السلام. فشلت جميع الحلول التي طرحها منذ عام 201، وبالتالي، علينا الآن العمل على خارطة طريق جديدة تؤدي إلى انتخابات سلمية، في غضون سنتين إلى ثلاث سنوات، تحت إشراف الأمم المتحدة والحكومة الانتقالية على أساس توافق وطني. فاستعادة استقرار جارتنا هي قضية أمن قومي بالنسبة لنا، ونحن نتخذ جميع الإجراءات التي يمكن أن تؤدي إلى وقف إطلاق النار. لكن وقف إطلاق النار هو مجرد بداية الحل، وعلى جيران ليبيا في الجزائر وتونس ومصر مساعدتها على إيجاد الطريق إلى السلام.
* نرى مؤشرات توتر جديدة بين الجزائر والمغرب مع خطط لبناء قواعد عسكرية على الحدود.
لطالما كان هناك تصعيد لفظي وسياسى بين الجزائر والمغرب، لكن شعوبنا إخوة ويتشابهون ولدينا تاريخ مشترك طويل ونحن جيران ومحكوم علينا بالتعايش مع بعض. بالنسبة لنا، ليست لدينا مشكلة مع المغرب ونركز على تنمية بلدنا. لا يبدو أن إخواننا المغاربة في نفس الحالة الذهنية. إن بناء قواعد عسكرية على حدودنا هو شكل من أشكال التصعيد الذي يجب أن يتوقف. بالنسبة لهم، الجمهورية العربية الصحراوية هي أكثر من اللازم على الساحة الدولية. إن الأمر متروك لهم للدخول في حوار مع البوليساريو. إذا وافق الصحراويون على مقترحاتهم، فسوف نشيد. لقد دعمنا دائما حركات الاستقلال مثل تيمور الشرقية، و يكاد يكون الأمر عقائديا. نحن نساعد الناس على التعبير عن مطالبهم. لقد فعلنا ذلك في جنوب السودان، في ساو تومي وبرينسيبي.
* تشهد مالي أزمة اجتماعية سياسية أثارتها في الأصل مزاعم الإمام ديكو. هل تخشى ظهور الإسلام السياسي في منطقة الساحل؟
الإسلام السياسي موجود في المنطقة منذ أكثر من ثلاثة عقود. نحن في وضع جيد يمكننا من الحديث عنه بعد أن عانينا من عواقبه في التسعينات ونخشى قبل كل شيء تفكك الدول الأفريقية التي تعاني من نقاط ضعف هيكلية في أجهزتها الاقتصادية والدفاعية […] وعدم الاستقرار التام امالي ساكون له تداعيات على الجزائر. يجب أن نمضي قدما في تنفيذ اتفاقات الجزائر للسلام.
* هل لديك تحفظات على الحرب ضد الإرهاب التي تقودها الجيوش الغربية بما في ذلك قوة برخان الفرنسية في الساحل؟
مكافحة الإرهاب مشروعة، لكن الحلول العسكرية لم تكن مناسبة ودائمة. في الأصل، كانت هناك أرض خصبة لتركيب الإرهاب مقترنة بالتدخل الخارجي الخبيث. يوجد اليوم ما بين عشرين ألفا إلى خمسة وعشرين ألفاً من الارهابين ينشطون بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر. بالطبع، يجب حل هذه المشكلة، ولكن قبل كل شيء، يجب إيجاد حلول سياسية تضمن السلامة الإقليمية للبلاد.
* هناك مادة في المسودة الأولية للدستور الجزائري الجديد تنص على اتاحة إمكانية إرسال جنود إلى الخارج، وهو ما لم يحدث منذ مشاركة الجيش الجزائري في حربي 1967 و1973 ضد إسرائيل. هل هو تغيير في العقيدة؟
الجزائر بلد مسالم لكن قواتنا ستكون قادرة على المشاركة في عمليات حفظ السلام تحت رعاية الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، وخاصة في مالي أو غيرها من الدول الأفريقية. ومع ذلك، لن تغادر قواتنا دون الحصول على موافقة البرلمان. وقد سبق لنا أن شاركنا في بعثات فنية للأمم المتحدة في تشاد أو في ترسيم الحدود.
* هل ستقوم باعفاءات جديدة عن سجناء “الحراك”؟
سوف تستمر هذه الخطوات والتي تهدف إلى التهدئة. إن المعارضة والمجتمع المدني ضروريان. لكن لا يجب أن تتم المعارضة بالإهانة والحقد والدعوة إلى الانتفاضة. فقط، الدولة القوية والعادلة هي من يمكنها إقامة الديمقراطية، والعكس يؤدي إلى الفوضى والفوضى. لقد قدمت قانوناً إلى البرلمان يدين كراهية الآخرين والعنصرية والجهوية. تم التصويت عليه وسيطبق، تماما مثل القانون الجنائي. هذا هو شرط العيش معا في وئام ومصلحة الجميع. يعتقد الكثيرون أننا دخلنا مرحلة القمع. هذا خطأ. من حيث حرية التعبير، نحن الدولة الوحيدة في المنطقة التي لديها أكثر من 160 صحيفة يومية، وبعضها كاو للغاية. نحن ندعمها من خلال الدعاية وطباعتها من قبل المطابع الحكومية.