تايم: كوفيد-19 ينتشر بصمت وسرعة في اليمن ويضيف إلى مشاكل البلد تحديات جديدة
نشرت مجلة “تايم” الأمريكية تقريرا أعده جوزيف هنكس قال فيه: “من الناحية الرسمية يعتبر اليمن واحدا من دول الشرق الأوسط التي سجلت بها إصابات قليلة بكوفيد-19، وفي الحقيقة ينتشر الفيروس بطريقة غير مرئية وبدون فحص”. ويقول إن أول مهمة قامت بها منظمة أطباء بلا حدود عندما تولت في 7 مايو مهمة إدارة مركز لكوفيد-19 في مستشفى بمدينة عدن هي إقناع المنظفين والحمالين وحتى بعض الأطباء أن مرض كوفيد-19 الناشئ من فيروس كورونا موجود ويمكن أن يصيبهم ويجعلهم مرضى.
وقال نائب منسق برنامج المنظمة محمد عبد الرحيم في مكالمة عبر الهاتف في 24 مايو: “بعد سنوات من الحرب وغياب الخدمات لم يعد الناس يثقون بما يقوله الإعلام ولا يثقون بالسلطات”، وقال: “في البداية، أصيب أعضاء بالطاقم الطبي، بعدما تواصلوا مع المرضى ولم يتخذوا الإجراءات الاحتياطية مثل وضع القناع، وتعاملوا معه وكأنه مرض عادي”.
وترى المجلة أن سوء فهم الطواقم الطبية لكوفيد-19 كان واحدا من المعوقات التي واجهها عبد الرحيم وفريقه. وقبل تولي أطباء بلا حدود إدارة مستشفى الأمل لم يكن هناك سيارة إسعاف خاصة بمرضى كورونا، كما أن الحرب الدائرة منعت الحكومة من دفع الرواتب بشكل أدى لاستقالات جماعية بين العاملين الطبيين.
وبعد 3 أسابيع من تولي المنظمة إدارة المستشفى لا يزال هناك نقص في الملابس الواقية والأوكسجين، في وقت أصاب المرض عددا من موظفيها. وتعتبر الطواقم الطبية التي أصيبت بكورونا في مستشفى الأمل مجموعة صغيرة من الناس الذين يحاولون دعم النظام الصحي بعد 5 أعوام من الحرب.
فقد شردت الحرب أكثر من 100.000 شخص وخلقت أكبر كارثة إنسانية صنعها الإنسان في العالم حسب الأمم المتحدة، وذلك في أعقاب تدخل السعودية والإمارات ضد الحوثيين الذين تدعمهم إيران عام 2015. واليوم ينتشر الفيروس بصمت وبسرعة في البلد، ورغم عدم توفر الفحوصات إلا أن المركز الوحيد المتوفر في عدن لفحص كوفيد-19 يواجه صعوبات لمواجهة الزيادة بنسبة 40% في معدلات الوفيات والنمو المستمر في حالات الإصابة.
ويقول نائب عمليات أطباء بلا حدود في اليمن مارك شاكل: “يواجه الفريق ضغوطا مستمرة حيث يختفي موظفون أو بدون تدريب كاف” و”يواجه الأطباء خيارات سريرية صعبة: فنحن مجبرون لوضع معيار لإدخال المرضى بناء على العمر وفرص النجاة”. ويقول شاكل إن الظروف المروعة في عنابر المستشفى تعطي الأطباء فكرة عن حجم التحدي وأنه هو طرف كرة الثلج و”نحن قلقون على الكبار في العمر ممن لا يستطيعون الوصول إلى المركز ويموتون في داخل المجتمع”.
ويعتبر عدد الإصابات من الفيروس الأدنى في الشرق الأوسط ولكن العدد مضلل. فحتى 28 مايو سجلت منظمة الصحة العالمية 253 حالة و50 حالة وفاة وسط سكان يبلغ عددهم 28 مليون نسمة. وفي الجارة عمان أكدت السلطات 8.000 حالة بين سكان يبلغ عددهم سدس عدد سكان اليمن. ولا يوجد هناك طريقة لإحصاء الإصابات بسبب غياب الفحص. ولم تقم السلطات بعملية فحص إلا لـ 1.000 شخص أو 31% لكل مليون مواطن، وهي أقل نسبة بالنسبة لعدد السكان مقارنة مع شمال- شرق سوريا وإدلب وتشاد.
ولكن المراقبة في مركز كوفيد-19 بمستشفى الأمل تثير أسئلة حول الأرقام الرسمية. ففي الفترة ما بين 30 إبريل – 24 مايو استقبل المركز 228 شخصا يعانون من أعراض فيروس كورونا. ومن بين هؤلاء توفي 99 شخصا أو أكثر من نسبة 40% من المصابين.
ومع زيادة الحالات قامت منظمة أطباء بلا حدود بزيادة الأسرة إلى 90 سريرا من 50 سريرا عندما تولت إدارته. والبلد يحتاج إلى مراكز فحص وعناية كهذه، بعدما تعرض فيه النظام الصحي للتدمير. فقد دمرت نصف مستشفيات وعيادات البلد أثناء الحرب. وبحسب تقرير أعدته وكالة أنباء “أسوشيتد برس” فإن 18% من محافظات اليمن الـ 33 ليس لديها ولو طبيب واحد. كما أن البلد المنقسم بسبب الحرب والذي يخضع لإدارة عدد من الجماعات المسلحة والسياسية يجعله غير قادر على مواجهة الوباء حسب تقرير مكتب تنسيق العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة. وجاء فيه أن اليمن ليس فيه سوى 150 جهاز تنفس وحوالي 500 سرير في غرف العناية الفائقة وخمسة مختبرات تستطيع فحص كوفيد-19.
ويقول شاكل إن بعض المستشفيات في عدن أغلقت للخوف من تلوثها أو بسبب عدم توفر المواد الأساسية لحماية الطواقم الطبية. ورفضت مستشفيات استقبال أشخاص لديهم أعراض تنفس حادة، ورغم فقدان مركز أطباء بلا حدود العدد الكافي من الموظفين والملابس الواقية والأوكسجين والاحتياجات الطارئة. وتقول إن مركزها يستخدم 250 لترا من عبوات الأوكسجين التي تسع الواحدة منها 40 لترا. ولا يوجد في اليمن سوى 12.000 عبوة أوكسجين لكامل البلد. وتقول المجلة إن معدلات الوفاة العالية في مركز الأمل تعود إلى أن معظم الذين يتم إدخالهم يأتون في المراحل الأخيرة من كوفيد-19.
والمثير للغرابة هو أن معظم الوفيات هي ما بين سن 40-60 عاما، أي بأعمار أقل من الذين أصيبوا بالمرض في الدول الأوروبية. وربما كان المناخ عاملا في جعل السكان أكثر عرضة للمرض إلا أن الأطباء يشكون بوجود نسب عالية من الوفيات في البيوت حيث لا يتم نقل المرضى للعيادات والمستشفيات، خاصة في منطقة عدن. وهي فرضية تعكس معدلات الدفن في المدينة. ففي 14 مايو قالت منظمة “سيف ذا تشلدرن” إن 380 شخصا ماتوا في أسبوع واحد بسبب فيروس كورونا، مع أن الرقم الرسمي لكل اليمن في نفس التاريخ كان 13 حالة وفاة.
وبنهاية مايو كشفت سجلات الدفن في عدن عن وفاة 80 شخصا في اليوم مقارنة مع المعدلات المسجلة وهي 10 حالات دفن قبل اندلاع فيروس كورونا. ويقول شاكل: “ليس لدينا منحنى وبائي واضح ولهذا لا نعرف متى يتوقف” و”لا نعرف إن كنا في النهاية أو في الطريق للقمة أو إلى المنحدر”.
ويحدث كل هذا في ظروف الحرب التي دمرت البنية التحتية الصحية ، وحكومة عدن في الجنوب تتهم الحوثيين بالتستر على انتشار الفيروس.
وقال مدير برنامج اليمن في منظمة الصليب الأحمر فرانز روكينستاين: “من الصعب معرفة من أصيبوا” و”نفترض وجود حالات عدوى واسعة في الشمال”. ولم يؤثر الفيروس على المصابين بل على معدلات الحياة حيث زادت الأسعار وانخفضت تحويلات اليمنيين العاملين في الخارج والتي تعد مصدرا مهما للكثير من العائلات اليمنية.
ويواجه الأطفال مخاطر جديدة حيث كانت نسبة 15% فقط منهم تستطيع الحصول على الحد الأدنى من الطعام الكافي للنجاة. ويضاف إلى هذا مخاطر وصول موجات الجراد.
ويخشى الأطباء من حد كوفيد-19 قدرة البلد على مواجهة تحديات صحية أخرى، فقد أدت الفيضانات الأخيرة لانتشار بعوض الملاريا وحمى الضنك/ دينغي والتشيكنغونيا. وفي الـ 6 أشهر الأولى من عام 2019 سجلت منظمة “سيف ذا تشيلدرن” حالات كوليرا بنصف مليون حالة.
ورغم عدم معاناة اليمن حالات كوليرا هذا العام، ولكنه يظل خطرا في بلد لا تستطيع نسبة 80% من سكانه الحصول على مياه صالحة للشرب. وبدلا من تخفيف مصاعب البلد يضيف الوباء طبقة جديدة من التحديات. ويقول روكينستاين إن المشكلة في كورونا أنه لا يحد من فعالية اللاعبين الإنسانيين بل ومن كفاءة الاقتصاد. و”هذه الأعراض الجانبية لفيروس كورونا تضعف اليمن أكثر وقدرته على الصمود”.