تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان يدفع المعارضة لرفض عزل البشير فقط
لم يلبي إعلان وزير الدفاع السوداني ورئيس اللجنة الأمنية العليا، عوض بن عوف، في بيان رسمي «اقتلاع نظام عمر البشير والتحفظ على رأسه في مكان آمن» طموحات الشعب السوداني، رغم أن المطلب الرئيسي وهو التخلص من البشير قد تحقق، والسبب يرجع للخوف مما هو قادم، ولهذا الخوف جذوره في الذاكرة السودانية بسبب الانقلابات العسكرية التي تمتد لنصف قرن.
البيان الذي ألقاه بن عوف وأعلن فيه تشكيل مجلس عسكري يحكم البلاد لمدة عامين وتعطيل العمل بالدستور وفرض حالة الطوارئ ثلاثة أشهر وحظر التجول لمدة شهر، لم يلقى قبول تجمع المهنيين السودانيين وهي الجهة الرئيسية المنظمة لاعتصام القيادة منذ السادس من إبريل الجاري، ودعا التجمع المواطنين لمواصلة الاعتصام حتى تحقيق المطالب كاملة وأهمها تشكيل حكومة مدنية تتولى إدارة البلاد في الفترة الانتقالية.
الانقلاب الأول.. مجلس قيادة انقلاب نميري 1969
يعود تاريخ الانقلابات العسكرية في السودان إلى عام 1969، وتحديدا 25 مايو عندما قاد العقيد جعفر نميري انقلاباً ناجحاً ضد حكومة الرئيس إسماعيل الأزهري، وكان السبب الرئيسي هو الحرب الأهلية الأولى التي كانت مستمرة لمدة 14 عاماً بين الجنوب والشمال.
بدأ الانقلاب بانتشار وحدات من الجيش أمام مقرات الحكومة والرئاسة والقبض على قيادات القوات المسلحة ثم إعلان بيان الجيش من الإذاعة الرسمية في أم درمان بصوت نميري وبابكير عوض الله، وتم تشكيل ما عرف باسم مجلس قيادة الثورة، لكن سرعان ما تخلص نميري من رفقاء الانقلاب وأصبح رئيساً ليستمر في الحكم لمدة 16 عاماً، شهدت محاولات عديدة للتخلص منه لكنه قابلها بالحديد والنار.
انقلاب 1971 الفاشل
كان انقلاباً قصير العمر قاده العقيد هاشم آل عطا ضد حكومة جعفر نميري، وذلك في التاسع عشر من يوليو/تموز 1971 وتم إعلان الإطاحة بالحكومة، لكن الانقلاب لم يلقى اعترافاً إقليمياً ولا دولياً، وبعد عدة أيام قام الموالون لنميري بانقلاب مضاد وأطلقوا سراحه وأطاحوا بحكومة عطا.
انقلاب آخر فاشل ضد نميري
وقع عام 1977 ويعرف باسم محاولة انقلاب جوبا، حين قام 12 طياراً عسكرياً سودانياً بمحاولة الاستيلاء على المطار والقيام بمحاولة إطلاق سراح قيادة الانقلاب المحتجزين في سجن جوبا وهم جوزيف أودوهو وبنيامين أكوك وملاث جوزيف.
انقلاب 1985 (سوار الذهب)
كما جاء للسلطة في انقلاب عسكري غادرها أيضاً جعفر نميري بنفس الطريقة، حيث قامت مجموعة من ضباط الجيش بقيادة القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع المارشال عبدالرحمن سوار الذهب، وذلك في السادس من أبريل/نيسان 1985.
كان نميري قد أعلن قبل عامين أي 1983 قيام الدولة الإسلامية في السودان تحت حكم الشريعة، مما أدى لانسحاب إدارة الحكم الذاتي في جنوب السودان من اتفاقية أديس واندلاع الحرب الأهلية السودانية الثانية.
وبعد أن أدت الحرب الأهلية إلى أزمات اقتصادية خانقة تحرك الجيش وأطاح بحكومة نميري في السادس من أبريل/نيسان 1985، وتم إعلان الأنباء عبر الإذاعة الرسمية، واستولت قوات الانقلاب على مبنى أمن الدولة في الخرطوم بعد مقاومة قصيرة.
وفي السابع من أبريل/نيسان أعلن سوار الذهب أن تحرك الجيش جاء بسبب سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية، ووعد بإجراء تغييرات اقتصادية وسياسية وفتح حوار مع القبائل في الجنوب، إضافة إلى استعادة الحياة الديمقراطية والسماح بحرية الصحافة.
واستقبل السودانيون هذه الأنباء بالفرح واعتبر يوم 6 أبريل رمزاً للتخلص من الديكتاتور جعفر نميري، وبالفعل وبعد عام واحد من تحرك سوار الذهب، شهدت البلاد انتخابات حرة فاز فيها حزب الأمة وتم تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الاتحادي الديمقراطي.
انقلاب البشير 1989
لكن التجربة الديمقراطية في السودان لم تستمر طويلاً، ففي الثلاثين من يونيو 1989 أعلن التلفزيون السوداني عن استيلاء بعض ضباط الجيش بقيادة العميد عمر حسن البشير على الحكم، ولم تكن هوية الانقلاب واضحة مما ساعد الحكومة الجديدة على أن تنال تأييداً واسعاً -داخلياً وخارجياً- ومن دول كثيرة خصوصاً مصر وقامت الحكومة الجديدة بحملة اعتقالات واسعة شملت الدكتور حسن الترابي الذي اتضح فيما بعد أنه كان وراء الانقلاب على حكومة الصادق المهدي.
فيما بعد أظهرت حكومة البشير هويته الإسلامية وظهرت تصريحات من قادتها تؤكد تلك الهوية وتأكد الأمر بعد إطلاق سراح الترابي وتقلده لمناصب مهمة في الدولة كان آخرها رئيس المجلس الوطني.
استمر البشير في السلطة في السودان ليصبح أطول رؤسائها وفي عهده انفصل الجنوب رسمياً وأصبح السودان محاصراً بالعقوبات معظم الوقت والبشير نفسه يواجه اتهامات بارتكاب جرائم حرب في دارفور وهناك أمر بالقبض عليه من المحكمة الجنائية الدولية.
2019.. رفض انقلاب على الانقلاب!
المخاوف من انزلاق السودان إلى حالة من الفوضى بدت غالبة على تغطية الإعلام الغربي للأحداث على الأرض، وعنونت صحيفة الجارديان البريطانية تغطيتها قبل ساعات من إعلان تنحي البشير: «تخوف المحللون من انهيار الأوضاع الأمنية إذا لم يتم حل الأزمة السياسية بشكل سلمي.»
وعلى الرغم من مظاهر الفرح والاحتفالات في ساحة الاعتصام أمام مبنى قيادة الجيش، إلا أن «تجمع المهنيين» المسؤول عن تنظيم الاعتصام أصدر بيانا رفض فيه بيان عوف وأكد على السودانيين عدم مغادرة أماكن التظاهر حتى تحقيق المطالب كاملة.
والآن بعد أن ألقى عوف البيان بنفسه، تأكدت مخاوف المعتصمين وبدا واضحاً أن السودانيين أمامهم مشوار طويل من الاحتجاج حتى لا يقعوا ضحية لحالة أخرى من حالات الانقلاب التي تجرعوا مرارتها على مدى نصف قرن.
وأعلن تجمع المهنيين وتحالفات المعارضة رفضهم لأي «انقلاب عسكري» جديد يعيد إنتاج أزمات السودان.
وقال في بيانٍ مشتركٍ صادرٍ عن التجمع وتحالفات أحزاب «نداء السودان» و «الإجماع الوطني» و «التجمع الاتحادي الديمقراطي» إنه «لا يمكن مخاطبة الأزمة من خلال انقلاب عسكري».
وأضاف البيان أن «حكم عمر البشير جاء بانقلاب عام 1989، وهو سبب الأزمة المزمنة للسياسة السودانية».
وأفاد أنه «لا حلَّ للأزمة سوى بتسليم السلطة لحكومة مدنية، يتم التوافق عليها وفق ميثاق إعلان الحرية والتغيير».